الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 356 ] باب الأمة تعتق وزوجها عبد ، من كتاب قديم ، ومن إملاء ، وكتاب نكاح وطلاق ، إملاء على مسائل مالك

                                                                                                                                            قال الشافعي رحمه الله : " أخبرنا مالك ، عن ربيعة ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة رضي الله عنها أن بريرة أعتقت ، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال ) وفي ذلك دليل على أن ليس بيعها طلاقها إذ خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بيعها في زوجها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا كانت الأمة ذات زوج فبيعت أو أعتقت كان النكاح بحاله ، ولم يكن ذلك طلاقا لها .

                                                                                                                                            وبه قال عمر ، وعثمان ، وعلي ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وأكثر الصحابة وجمهور الفقهاء ، وذهب ابن عباس ، وابن مسعود ، وأبي بن كعب ، وأنس بن مالك إلى أن بيعها طلاق لها ، وكذلك عتقها ، ولا نعرف قائلا به من التابعين إلا مجاهد : استدلالا بقول الله تعالى : حرمت عليكم أمهاتكم [ النساء : 23 ] . إلى قوله : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [ النساء : 24 ] . فحرم من ذوات الأزواج إلا أن يملكن فيحللن للمالك ، وهذه قد ملكت بالابتياع فوجب أن تحل لمالكها ، ولأنه لما حلت ذات الزوج بالسبي لحدوث ملك السابي وجب أن تحل بالشراء لحدوث ملك المشتري .

                                                                                                                                            والدليل على ثبوت النكاح أن بريرة أعتقت تحت زوج ، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاحه ، فلو كان نكاحها قد بطل بعتقها لأخبرها به ولم يخيرها فيه ، ولأن عقد النكاح أثبت من عقد الإجارة لدوامه ، فلما لم يبطل عقد الإجارة بالعتق والبيع فأولى أن لا يبطل بهما عقد النكاح ، ولأنه لما كان بيع الزوج وعتقه لا يوجب بطلان نكاحه كذلك بيع الزوجة ، وعتقها لا يوجب بطلان نكاحها ، ولأن المشتري ملك عن البائع على الصفة التي كان البائع مالكها ، فلما كان النكاح مقرا على ملك البائع كان مقرا على ملك المشتري ، فأما الآية فواردة في السبايا .

                                                                                                                                            وأما الاستدلال بالسبايا فالفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن السبي لما أبطل الحرية التي هي أقوى ، كان بأن يبطل النكاح أولى ، وليس كذلك البيع والعتق .

                                                                                                                                            [ ص: 357 ] والثاني : أن السبي قد أحدث حجرا ، فجاز أن يبطل به ما تقدم من نكاحها ، وليس كذلك البيع والعتق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية