فصل : وأما الثاني : يجب به مهر المفوضة ، فهو أن ، فيصير ما فرضاه لازما كالمسمى ، إن طلقها قبل الدخول وجب لها نصفه . يجتمع الزوجان بعد العقد على فرض مهر عن تراض
وقال أبو حنيفة : لا يلزم المهر إلا بعقد أو حكم ، ولا يصير لازما باجتماعهما على فرضه ، فإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة ؛ احتجاجا بعموم قول الله تعالى : وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين [ البقرة : 231 ] .
ولأنهما ملكا التسمية في العقد ؛ لأنها تصير واجبة بوجوب العقد ، ولم يملكاها بعد العقد ؛ لأنه لا يصير لها موجبا إلا الحاكم .
ودليلنا قول الله تعالى : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم [ البقرة : 237 ] ، ولم يفرق بين ما فرض لها في العقد وبعده ، فوجب حمله على الأمرين ، وإن كان بما بعد العقد أشبه ، ولأن المهر من أعواض العقود ، فكان ثبوته بالمراضاة أولى من ثبوته بالحكم ، كالأثمان والأجور ، ولأن كل مهر كمل بالدخول ينصف بالطلاق قبل الدخول كالمسمى في العقد .
فأما الآية فمحمولة على التي لم يفرض لها مهر ؛ بدليل قوله : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن [ البقرة : 236 ] .
وأما الاستدلال بالحكم فاجتماعهما على الفرض أبلغ في الالتزام من الحكم ، كما لو اجتمعا على قيمة متلف أو أرش معيب .
[ ص: 484 ] فإذا تقرر أن المهر يلزم بفرضهما كما يلزم بفرض الحاكم ، فإن فرضاه مع علمهما بقدر المثل صح ، وجاز أن يفرضا مهر المثل ، وأكثر منه وأقل ، وأن يعدلا إلى عوض من ثوب أو عبد ، بخلاف الحاكم الذي لا يجوز أن يعدل عن جنس المهر ومقداره ؛ لأن فرض الزوجين كالتسمية في العقد ، وإن فرضاه مع جهلهما بمهر المثل ففي جوازه قولان :
أحدهما - وهو قوله في الجديد - : أنه لا يجوز الفرض ، ويكون باطلا كالتي لم يفرض لها ، كما لو فرضه الحاكم ، وهو غير عالم ، ولأنه يتضمن معنى الإبراء من مجهول .
والقول الثاني - وهو قوله في القديم - : أنه يجوز ، ويصح الفرض ؛ لأنه معتبر بالمسمى في العقد ، وإن جهلا مهر المثل ، كذلك ما فرضاه بعد العقد .
وهذان القولان يترتبان على اختلاف قوليه في الذي يجب لها ، هل هو مهر المثل ، أو مهر مطلق ؟
فإن قيل : مهر المثل ، لم يصح فرضهما إلا بعد علمهما به .
وإن كان مهر مطلق صح فرضهما مع الجهل به .