فصل : فإذا تقرر ما وصفنا انتقل الكلام إلى  صفة العظة والهجر والضرب      .  
أما العظة : فهو أن يخوفها بالله تعالى وبنفسه ، فتخويفها بالله أن يقول لها : اتق الله وخافيه ، واخشي سخطه واحذري عقابه ؛ فإن التخويف بالله تعالى من أبلغ الزواجر في ذوي الدين ، وتخويفها من نفسه أن يقول لها : إن الله تعالى قد أوجب لي عليك حقا إن منعتيه أباحني ضربك ، وأسقط عني حقك ، فلا تضري نفسك بما أقابلك على نشوزك ، إن نشزت بالضرب المؤلم وقطع النفقة الدارة ؛ فإن تعجيل الوعيد أزجر لمن قلت مراقبته .  
وهذه العظة ، وإن كانت على خوف نشوز لم يتحقق ، فليس يضاره ؛ لأنه إن كانت الأمارات التي ظهرت منها لنشوز تبديه كفها عنه ومنعها منه ، وإن كان لغيره من هم طرأ عليها ، أو لفترة حدثت منها ، أو لسهو لحقها ، لم يضرها أن تعلم ما حكم الله تعالى به في النشوز ، وأما الهجر نوعان :  
أحدهما : في الفعل . والثاني : في الكلام .  
فأما الهجر في الفعل ، فهو المراد بالآية ، وهو الإعراض عنها ، وألا يضاجعها في فراش أو يوليها ظهره فيه ، أو يعتزلها في بيت غيره .  
أما هجر الكلام ، فهو الامتناع من كلامها .  
قال  الشافعي      : لا أرى به بأسا ، فكأنه يرى أن الآية ، وإن لم تضمنه فهي من إحدى الزواجر إلا أن هجر الفعل يجوز أن يستديمه الزوج بحسب ما يراه صلاحا .  
فأما هجر الكلام فلا يجوز أن يستديمه أكثر من ثلاثة أيام ؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه قال :  لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، والسابق أسبقهما إلى الجنة     .  
وأما الضرب فهو ضرب التأديب والاستصلاح ، وهو كضرب التعزير لا يجوز أن يبلغ به أدنى الحدود ، ويتوقى بالضرب أربعة أشياء : أن يقتل أو يزمن أو يدمي أو يشين ، قال  الشافعي      : ولا يضربها ضربا مبرحا ولا مدميا ولا مزمنا ، ويقي الوجه ، فالمبرح القاتل ،      [ ص: 599 ] والمدمي إنهار الدم ، والمزمن تعطيل إحدى أعضائها ، ضرب الوجه يشينها ويقبح صورتها .  
وقد روى  ابن المبارك   ، عن  بهز بن حكيم   ، عن أبيه ، عن جده قال :  قلت : يا رسول الله نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر ، قال : حرثك ، فأت حرثك أنى شئت غير أن تضرب الوجه ، ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت ، وأطعم إذا أطعمت ، واكس إذا اكتسيت ، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض     .  
وروى  بشر   عن  عكرمة   قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  اضربوهن إذا عصينكم في المعروف ضربا غير مبرح  ، وإذا كان كذلك توقى شدة الضرب ، وتوقى ضرب الوجه ، وتوقى المواضع القاتلة من البدن كالفؤاد والخاصرة ، وتوقى أن توالي الضرب موضعا فينهر الدم ، فإن ضربها فماتت من الضرب ، نظر ؛ فإن كان مثله قاتلا فهو قاتل عمد ، وعليه القود ، وإن كان مثله يقتل ولا يقتل فهو خطأ شبه العمد ، فعليه الدية مغلظة يتحملها عند العاقلة ، وعليه الكفارة في الحالين ، وبان بإفضاء الضرب إلى القتل أنه كان غير مباح ، كما تقوله في التعزير ، وضرب المعلم الصبيان .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					