الطرف السابع : في أنواع [ من ] التعليق ونحوه : فمن ذلك التعليق بالحلف ، قال ابن سريج وتابعه جمهور الأصحاب : الحلف ما تعلق به منع من الفعل ، أو حث عليه ، أو تحقيق خير وجلب تصديق ، فإذا، ثم قال : إذا حلفت ، أو إن حلفت بطلاقك ، فأنت طالق ، لم يقع الطلاق المعلق بالحلف بالطلاق ، لأنه ليس في هذا التعليق منع ، ولا حث ، ولا غرض تحقيق ، وكذا لو قال : إذا طلعت الشمس ، أو إذا جاء رأس الشهر ، فأنت طالق ، فكذلك حكمه ، وحكى قال : إذا حضت ، أو إذا طهرت ، أو إذا شئت فأنت طالق الفوراني وجها أن هذا كله يسمى حلفا ، وهذا شاذ ، والصواب الأول . ولو قال بعد التعليق بالحلف : إن ضربتك ، أو إن كلمت فلانا ، أو إن خرجت من الدار ، أو إن لم تخرجي ، أو إن لم أفعل كذا ، أو إن لم يكن هذا كما قلت فأنت طالق ، وقع في الحال الطلاق المعلق بالحلف ، لأن هذا حلف ، ثم إذا وجد الضرب أو غيره مما علق عليه ، وقعت طلقة أخرى إن بقيت في العدة ، ولو ، فهو كقوله : إن دخلت الدار . وكذا لو قال الزوج : طلعت الشمس ، فكذبته ، فقال : إن لم تطلع [ ص: 168 ] فأنت طالق ، فهو حلف ، لأن غرضه التحقيق ، وحملها على التصديق ، وإن قصد بقوله : إن قدم فلان ، التوقيت ، أو كان فلان ممن لا يمتنع تخلفه كالسلطان ، أو قال : إن قدم فلان فأنت طالق ، وقصد منعه وهو ممن يمتنع تخلفه ، فليس هذا حلفا ، وما جعلنا التعليق به حلفا ، فلا فرق بين أن يعلقه بصيغة ( إن ) أو صيغة ( إذا ) ، اعتبارا بأنه موضع منع وحث وتصديق وقيل : إن كان بصيغة إذا فهو توقيت وليس بحلف ، والصحيح الأول ، وما لم يجعل التعليق به حلفا كطلوع الشمس وقدوم الحجيج ، فلا فرق فيه بين صيغة " إن " و " إذا " . قال : إذا قدم الحجيج فأنت طالق
وقيل : إن علقه بصيغة ( إن ) كان حلفا لأنه صرفه عن التوقيت بالعدول عن كلمة التوقيت ، وهي إذا ، فإنها ظرف زمان ، والصحيح الأول .
فرع
قال : إن أقسمت بطلاقك ، أو عقدت يميني بطلاقك ، فهو كقوله : إن حلفت بطلاقك . ولو ، فحكمه كما سبق في طرف الإثبات ، والمذهب أن لفظة " إن " لا تقتضي الفور والبدار إلى الحلف ، ولفظة " إذا " تقتضيه . فإذا قال : إن لم أحلف بطلاقك ، أو إذا لم أحلف بطلاقك ، فأنت طالق ، نظر إن فصل بين المرات بقدر ما يمكن فيه الحلف بطلاقها وسكت فيه ولم يحلف عقيب المرة الثالثة وقع الطلقات الثلاث ، وإن وصل الكلمات ، لم يقع بالأولى ولا بالثانية شيء ، ويقع بالثالثة طلقة ، إذا لم يحلف بطلاقها . قال : إذا لم أحلف بطلاقك فأنت طالق ، ثم أعاد ذلك مرة ثانية وثالثة
ولو ، طلقت طلقة . فإذا مضى مثل ذلك ولم يحلف وقعت ثانية ، وكذلك الثالثة . ولو قال : إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ، ثم أعاد هذا القول مرة ثانية وثالثة ورابعة ، فإن كانت [ ص: 169 ] المرأة مدخولا بها ، وقع بالمرة الثانية طلقة ، وتنحل اليمين الأولى ، ثم يقع بالثالثة طلقة بحكم اليمين الثانية وتنحل ، ويقع بالرابعة طلقة ثالثة بحكم اليمين الثالثة وتنحل الثالثة ، وتكون الرابعة يمينا منعقدة ، حتى يقع بها الطلاق إذا حلف بطلاقها في نكاح آخر ، إن قلنا : يعود الحنث بعد الطلقات الثلاث وإن لم يكن مدخولا بها ، وقع طلقة بالمرة الثانية ، وبانت بها ، تنحل اليمين الأولى ، وتبقى الثانية منعقدة ، وفي ظهور أثرها في النكاح المجدد ، الخلاف في عود الحنث ، والثالثة والرابعة واقعتان في حال البينونة ، فلا تنعقدان ، ولا ينحل بهما شيء . قال : كلما لم أحلف بطلاقك فأنت طالق ، ومضى زمان يمكنه أن يحلف فيه فلم يحلف
ولو ، وقع بالمرة الثانية طلقة ، وهي يمين منعقدة ، وتنحل بالثالثة ، لأن التعليق هنا بالكلام ، والكلام قد يكون في البينونة ، وهناك التعليق بالحلف بالطلاق ، وذلك لا يكون في حال البينونة ، وقال قال لغير المدخول بها : إذا كلمتك فأنت طالق ، وأعاد ذلك مرارا سهل الصعلوكي : لا تنعقد اليمين الثانية في مسألة الكلام ، لأنها تبين بقوله : إن كلمتك ، فيقع قوله : فأنت طالق في حال البينونة ، وتلغو الثالثة والرابعة ، والصحيح الأول ، لأن قوله : إن كلمتك فأنت طالق ، كلام واحد .
فرع
، فإن كان دخل بهما ، طلقتا ثلاثا ثلاثا ، وإن لم يدخل بواحدة منهما ، طلقتا طلقة ، وبانتا ، وفي عود الحنث باليمين الثانية الخلاف ، وإن دخل بإحداهما ، طلقتا جميعا بالمرة الثانية ، وبانت غير المدخول بها ، وبالمرة الثالثة لا تطلق واحدة منهما ، لأن شرط الطلاق الحلف بهما ، ولا يصح الحلف بالبائن . فإن نكح التي بانت ، وحلف بطلاقها وحدها ، طلقت المدخول بها إن راجعها ، أو كانت بعد في العدة ، لأنه حصل الشرط وهو الحلف بطلاقها . وفي طلاق هذه المجددة الخلاف في عود الحنث . قال لامرأتيه : إذا حلفت بطلاقكما ، فأنتما طالقان ، وأعاد هذا القول مرارا
[ ص: 170 ] فرع
، لم تطلق عمرة ، لأن طلاقها معلق بالحلف بطلاقهما معا ، وهذا حلف بطلاقها وحدها ، وكذا لو قال بعد التعليق الأول : إذا دخلتما الدار فعمرة طالق ، وإنما تطلق عمرة إذا حلف بطلاقهما جميعا ، إما في يمين أو يمينين . قال لامرأتيه : إن حلفت بطلاقكما ، فعمرة منكما طالق ، وأعاد هذا مرارا
ولو ، لم تطلق واحدة منهما . فلو قال بعد ذلك : إن حلفت بطلاقها فأنتما طالقان ، طلقت إحداهما بالتعليق الأول ، وعليه البيان ، ولو قال : إن حلفت بطلاق إحداكما فأنتما طالقان ، وأعاد مرة ثانية ، طلقتا جميعا . قال : إن حلفت بطلاقكما ، فإحداكما طالق ، وأعاد ذلك مرارا
فرع
. قال صاحب " التلخيص " : إذا سكت ساعة يمكنه أن يحلف فيها بطلاقهما ، طلقتا . قال : أيما امرأة لم أحلف بطلاقها منكما ، فصاحبتها طالق
قال الشيخ أبو علي : عرضت قوله على القفال وشارحي " التلخيص " فصوبوه ، والقياس أن هذه الصيغة لا تقتضي الفور ، ولا يقع الطلاق على واحدة منهما بالسكوت ، إلى أن يتحقق اليأس عن الحلف بموته أو موتها ، إذ ليس في عبارته تعرض للوقت ، بخلاف قوله : متى لم أحلف . وتابعه الإمام وغيره على قوله ، واستبعدوا كلام صاحب " التلخيص " .
فصل
، طلقت طلقتين . ولو كان التعليق بصيغة ( كلما ) طلقت ثلاثا ، لأنها أكلت رمانة ونصف رمانة مرتين . قال : إن أكلت رمانة فأنت طالق ، وإن أكلت نصف رمانة ، فأنت طالق ، فأكلت رمانة
[ ص: 171 ] فصل
، طلقت الأولى فقط ، لأن البشارة الخبر الأول . ولو شاهد هو الحال قبل أن تخبره ، فاتت البشارة ، ولو بشره أجنبي ثم ذكرته له إحداهن ، لم تطلق . وحكى تحته أربع نسوة ، فقال : من بشرتني منكن بكذا ، فهي طالق ، فبشرته واحدة بعد أخرى الفوراني وجها ، أن البشارة لا تختص بالخبر الأول ، بل هي كقوله : من أخبرتني بكذا ، وسنذكره إن شاء الله تعالى ، والصحيح الأول ، ولو بشرته امرأتان معا ، فالمنقول أنهما تطلقان ، وفيه نظر ، فإنه لو ، لم تطلقا . قال : من أكلت منكما هذا الرغيف ، فهي طالق فأكلتاه
قلت : الصواب ، أنهما تطلقان ، وليس كمسألة الرغيف ، لأنه لم تأكله واحدة منهما ، وأما البشارة ، فلفظ من ألفاظ العموم ، لا ينحصر في واحدة ، فإذا بشرتاه معا ، صدق اسم البشارة من كل واحدة ، فطلقتا . - والله أعلم .
ويشترط في البشارة الصدق ، فلو قالت واحدة : كان كذا ، وهي كاذبة ، [ ثم ] ذكرته الثانية وهي صادقة ، طلقت الثانية دون الأولى ، وتحصل البشارة بالمكاتبة ، كما تحصل باللفظ ، ولو أرسلت رسولا ، لم تطلق ، لأن المبشر هو الرسول ، ذكره البغوي .
فرع
، فلفظ الخبر يقع على الكذب والصدق ، ولا يختص بالخبر الأول ، فإذا أخبرتاه صادقتين أو كاذبتين معا ، أو على الترتيب ، طلقتا جميعا ، وسواء قال : من أخبرتني منكما بقدوم زيد ، أو من أخبرتني أن زيدا قدم ، أو بأن زيدا قدم ، وحكي وجه ، فيما إذا قال : [ ص: 172 ] من أخبرني بقدوم زيد ، أنه لا يقع إذا أخبرته كاذبة ، لأن الباء للإلصاق ، فصار في معنى شرط القدوم في الإخبار ، وبهذا قال قال : من أخبرتني منكما بكذا ، فهي طالق الفوراني ، والصحيح الأول .