الركن الثاني : اللبن  ، ولا يشترط لثبوت التحريم بقاء اللبن على هيئته حالة انفصاله عن الثدي ، فلو تغير بحموضة ، أو انعقاد ، أو إغلاء أو صار جبنا ، أو أقطا ، أو زبدا ، أو مخيضا ، وأطعم الصبي  ، حرم لوصول اللبن إلى الجوف ، وحصول التغذية . ولو ثرد فيه طعام ثبت التحريم . ولو عجن به دقيق وخبز ؛ تعلقت به الحرمة على الصحيح . ولو خلط بمائع إما دواء ، وإما غيره  ، حلال كالماء ولبن الشاة ، أو حرام كالخمر ، نظر إن كان اللبن غالبا تعلقت الحرمة بالمخلوط ، فلو شرب الصبي منه خمس مرات ثبت التحريم ، وإن كان اللبن مغلوبا فقولان ، أحدهما : لا يتعلق به تحريم كالنجاسة المستهلكة في الماء الكثير لا أثر لها ، وكالخمر المستهلكة في غيرها لا يتعلق بها حد ، وكالمحرم يأكل طعاما استهلك فيه طيب ، لا فدية عليه . وأظهرهما : يتعلق به التحريم لوصول عين اللبن في الجوف ، وذلك هو المعتبر ، ولهذا يؤثر كثير اللبن وقليله ، وليس كالنجاسة ، فإنها تجنيب للاستقذار ، وهو مندفع بالكثرة ، ولا كالخمر ، فإن الحد منوط بالشدة المزيلة للعقل ، ولا كالمحرم ، فإنه ممنوع من التطيب ، وليس   [ ص: 5 ] هذا بتطيب ، فعلى هذا إن شرب جميع المخلوط ، تعلق به التحريم ، وإن شرب بعضه فوجهان : أحدهما : يثبت التحريم أيضا إن شربه خمس دفعات ، أو شرب منه دفعة بعد أن شرب اللبن الصرف أربعا ، وهذا اختيار  الصيمري  ، والقاضي  أبي الطيب  ، وأصحهما ، وبه قال  ابن سريج  وأبو إسحاق  والماوردي     : لا يتعلق به تحريم ، لأنا لم نتحقق وصول اللبن ، وهذا الخلاف فيما إذا لم يتحقق وصول اللبن ، مثل أن وقعت قطرة في جب ماء وشرب بعضه ، فإن تحققنا انتشاره في الخليط ، وحصول بعضه في المشروب ، أو كان الباقي من المخلوط أقل من قدر اللبن ، ثبت التحريم قطعا ، ذكره الإمام وغيره . وهل يشترط أن يكون اللبن قدرا يمكن أن يسقى منه خمس دفعات لو انفرد عن الخليط  ؟ وجهان حكاهما  السرخسي  وقال : أصحهما الاشتراط ، هذا هو المذهب في بيان حكم اختلاط اللبن بالمائعات ، وسواء فيه اختلاط اللبن بالماء وبغيره ، وحكى الإمام طريقا آخر أنه إن كان الخليط غير الماء ، فعلى ما ذكرناه ، وإن كان ماء ، واللبن مغلوب  ، فإن امتزج بما دون القلتين ، وشرب الصبي كله ، ففي ثبوت التحريم قولان ، وإن شرب بعضه ، فقولان مرتبان ، وأولى بأن لا يثبت . وإن امتزج بقلتين ، فصاعدا ، فإن لم يثبت التحريم بدون القلتين فهنا أولى ، وإن أثبتنا ، وتناول بعضه ، لم يؤثر ، وإن شربه كله ، فقولان مرتبان ، وأولى بأن لا يؤثر . وهذه الطريقة ضعيفة ، وفي المراد بمصير اللبن مغلوبا وجهان : أحدهما : خروجه عن كونه مغذيا ، والصحيح الذي قطع به الأكثرون أن الاعتبار بصفات اللبن الطعم واللون والرائحة ، فإن ظهر منها شيء في المخلوط ، فاللبن غالب ، وإلا فمغلوب . ونقل  أبو الحسن العبادي  في " الرقم " تفريعا على هذا عن  الحليمي  ما يفهم منه أنه لو زايلته الأوصاف الثلاثة ، اعتبر قدر اللبن بما له لون قوي يستولي على   [ ص: 6 ] الخليط ، فإن كان ذلك القدر منه يظهر في الخليط ثبت التحريم ، وإلا فلا ، قال  الحليمي     : وهذا شيء استنبطته أنا وكان في قلبي منه شيء ، فعرضته على   القفال الشاشي  وابنه  القاسم  ، فارتضياه ، فسكنت ، ثم وجدته  لابن سريج  ، فسكن قلبي إليه كل السكون ، وقد سبق نظير هذا في اختلاط المائع بالماء . 
فرع 
لو وقعت قطرة في فمه ، واختلطت بريقه ، ثم وصل جوفه  ، فطريقان : أحدهما : يعتبر كونه غالبا أو مغلوبا على ما ذكرناه . والثاني : القطع بالتحريم . 
إذا اختلط لبن امرأة بلبن أخرى ، وغلب أحدهما  ، فإن علقنا التحريم بالمغلوب ، ثبتت الحرمة منهما ، وإلا فيختص بغالبة اللبن . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					