الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الرابع : في جناية العبد وأم الولد ؛ فإذا جنى عبد جناية توجب مالا أو قصاصا ، وعفي على مال ، تعلق برقبته فتؤدى منها ، وهل تتعلق مع ذلك بذمته ؟ فيه قولان مستنبطان من قواعد الشافعي رحمه الله تعالى ، ويقال : وجهان ؛ أحدهما : نعم ، فتكون الرقبة مرهونة به ، وأظهرهما عند الجمهور : لا ، وينسب إلى الجديد .

                                                                                                                                                                        فإن قلنا بالذمة ؛ فبقي شيء بعد صرف ثمنه إلى الأرش ؛ اتبع به بعد معتق ، وكذا لو ضاع الثمن قبل صرفه إلى المجني عليه يطالب بالجميع ، وهل يجوز ضمانه ؟ وجهان : أحدهما : لا ، لعدم استقراره في الحال ، وأصحهما : نعم ، كضمان المعسر وأولى لتوقع يساره ، وضمان ما يلزم ذمته بدين المعاملة أولى بالصحة .

                                                                                                                                                                        ولا خلاف أنه يصح ضمان ما تعلق بكسبه ؛ كالمهر في نكاح صحيح ، ولو ضمنه السيد فمرتب على ضمان الأجنبي وأولى بالصحة لتعلقه بملكه ، ثم العبد المتعلق برقبته مال لا يصير ملكا للمجني عليه ؛ بل سيده بالخيار بين أن يبيعه بنفسه ، أو [ ص: 363 ] يسلمه للبيع ، وبين أن يبقيه لنفسه ويفديها ، ويكون المال الذي بذله فداء كالثمن الذي يشتريه به أجنبي ؛ وإذا سلمه للبيع ؛ فإن كان الأرش يستغرق قيمته ، بيع كله ؛ وإلا فقدر الحاجة إلا أن يأذن سيده في بيع الجميع ؛ فيؤدي الأرش ويكون الباقي له .

                                                                                                                                                                        وكذا الحكم لو لم يوجد من يشتري بعضه ، وإن أراد سيده فداءه ، فبكم يفديه ؟ قولان ؛ أظهرهما باتفاق الأصحاب وهو الجديد : بأقل الأمرين من قيمته وأرش الجناية ، والقديم : بالأرش بالغا ما بلغ ؛ فعلى الجديد قال البغوي : النص أنه تعتبر قيمته يوم الجناية .

                                                                                                                                                                        وقال القفال : ينبغي أن تعتبر قيمته يوم الجناية ؛ وقال القفال : ينبغي أن تعتبر قيمته يوم الفداء ، لأن ما نقص قبل ذلك لا يؤاخذ السيد به . وحمل النص على ما إذا سبق من السيد منع من بيعه حالة الجناية ، ثم نقصت قيمته .

                                                                                                                                                                        ولو جنى ففداه ثم جنى ؛ فإما أن يسلمه ليباع ، وإما أن يفديه ثانيا ، فإن كانت الجناية الثانية قبل الفداء ، فإن سلمه للبيع ، بيع ووزع الثمن على أرش الجنايتين ، وإن اختار الفداء ، فداه على الجديد : بأقل الأمرين من القيمة والأرشين ، وعلى القديم : بالأرشين ، وكذا الحكم لو كان سلمه للبيع ؛ فجنى ثانيا قبل البيع .

                                                                                                                                                                        ولو قتل السيد عبده الجاني أو أعتقه أو باعه ، وقلنا بنفوذهما ، أو استولد الجانية ؛ لزمه الفداء ، وفي قدره طريقان : أحدهما : طرد القولين ، وأصحهما : القطع بأقل الأمرين لتعذر البيع وبطلان توقع زيادة راغب .

                                                                                                                                                                        ولو مات الجاني أو هرب قبل أن يطالب السيد بتسليمه ؛ فلا شيء على السيد ، وكذا لو طولب ولم يمنعه فلو منعه ، صار مختارا للفداء .

                                                                                                                                                                        قال البغوي : ولو قتل الجاني ؛ فللسيد أن يقتص ، وعليه الفداء للمجني عليه ، ويجوز أن ينظر في وجوب الفداء عليه إلى أن موجب العمد القصاص ، أو أحد الأمرين ؛ فإن كان القتل موجبا للمال ؛ تعلق حق المجني عليه بقيمته ؛ وإذا أخذت ، [ ص: 364 ] يخير السيد في تسليم عينها أو بدلها من سائر أمواله ؛ وإذا لزم الفداء بعد موت العبد أو قبله ؛ ففيما يفديه به ؟ الطريقان فيمن قتل العبد أو أعتقه لحصول اليأس من بيعه بما يزيد على قيمته .

                                                                                                                                                                        ولو قال السيد : اخترت الفداء ، أو قال : أنا أفديه ؛ فوجهان ؛ أحدهما : يلزمه الفداء ولا يقبل رجوعه ، والصحيح : أنه لا يلزمه بل يبقى خياره كما كان ، وموضع الخلاف ما إذا كان العبد حيا ؛ فإن مات فلا رجوع له بحال .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية