الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        لا خلاف أن ما يضرب على العاقلة يضرب مؤجلا وأن الأجل لا ينقص عن سنة ؛ وأن دية النفس الكاملة تؤجل إلى ثلاث سنين ؛ يؤخذ في كل سنة ثلثها ، واختلف الأصحاب في علته ؛ فراعت طائفة كونها بدل نفس محترمة ، وراعى آخرون قدر الواجب واعتبروا التأجيل به ؛ وهذا أصح ، وتظهر فائدة الخلاف في صور :

                                                                                                                                                                        إحداها : بدل العبد أو طرفه إذا جني عليه خطأ ، أو شبه عمد ؛ هل تحمله العاقلة أم هو في مال الجاني ؟ قولان : أظهرهما : الأول وهو الجديد ؛ لأنه بدل آدمي ويتعلق به قصاص وكفارة ؛ فعلى هذا لو اختلف السيد والعاقلة في قيمته ؛ صدقوا بأيمانهم ؛ فلو صدقه الجاني لم يقبل عليهم بل الزيادة على ما اعترفت به العاقلة في ماله . وعلى هذا القول لو كانت قيمة العبد قدر دية حر ضربت في ثلاث سنين ، ولو كانت قدر ديتين ؛ فهل تضرب في ثلاث سنين لكونها بدل نفس ؛ أم في ست سنين في كل سنة قدر ثلث دية نظرا إلى القدر ؟ وجهان ؛ أصحهما : الثاني .

                                                                                                                                                                        [ ص: 360 ] الثانية : في دية النفس الناقصة ؛ كامرأة وذمي وغرة جنين ، وجهان : أحدهما : في ثلاث سنين لأنها نفس ؛ وأصحهما : ينظر إلى القدر ؛ فدية اليهودي والنصراني والمجوسي والجنين في سنة ؛ فإنها لا تزيد على الثلث ، ودية المرأة في سنتين ، في آخر الأولى ثلث دية الرجل ، وفي آخر الثانية الباقي .

                                                                                                                                                                        الثالثة : قتل جماعة كثلاثة رجال مثلا ؛ فهل تضرب دياتهم على عاقلته في ثلاث سنين أم في تسع ؟ وجهان أصحهما : الأول ، ولو قتل ثلاثة واحدا ؛ فعلى عاقلة كل واحد ثلث ديته ؛ مؤجل عليهم في ثلاث سنين على الصحيح ، وقيل : في سنة .

                                                                                                                                                                        الرابعة : دية الأطراف وأروش الجراح والحكومات ، قيل : تضرب في سنة قلت أم كثرت ؛ والصحيح : التفضيل ؛ فإن لم يزد الواجب على ثلث الدية ؛ ضرب في سنة ؛ وإن زاد عليه ولم يجاوز الثلثين ؛ ففي سنتين في آخر الأولى ثلث دية وفي آخر الثانية الباقي ، وإن زاد على الثلثين ولم يجاوز الدية ؛ ففي ثلاث سنين ، وإن زاد كقطع يديه ورجليه ؛ فالمذهب أنه في ست سنين ، وقيل : في ثلاث ، ويد المرأة في سنة ويداها كنفسها .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        مات بعض العاقلة في أثناء السنة لا يؤخذ شيء من تركته كالزكاة ، ولو مات بعد الحول والوجوب عليه ، وجب في تركته .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إن كانت العاقلة حاضرين في بلد الجناية فالدية عليهم ، وإن كانوا غائبين ، لم يستحضروا ولا ينتظر حضورهم بل إن كان لهم [ ص: 361 ] هناك مال أخذ منه ؛ وإلا فيحكم القاضي عليهم بالدية على ترتيبهم ، ويكتب بذلك إلى قاضي بلدهم ليأخذها ، وإن شاء حكم بالقتل وكتب إلى قاضي بلدهم ليحكم عليهم بالدية ، ويأخذها منهم .

                                                                                                                                                                        وإن غاب بعضهم وحضر بعضهم ، نظر ، إن استووا في الدرجة فقولان : أحدهما : يقدم من حضر لقرب داره وإمكان النصرة منه . وأظهرهما : تضرب على الجميع ، ويكون كما لو حضروا كلهم أو غابوا ، وعلى الأول إن لم يكن في الحاضرين وفاء ، ضرب الباقي على الغائبين ، وطريقه كتاب القاضي كما سبق ، وإن اختلفت دارهم ؛ قدم الأقرب دارا فالأقرب .

                                                                                                                                                                        هكذا ذكر القولين الجمهور ، وجعلهما المتولي في أنه هل يجوز تخصيص الحاضرين وإن اختلفت درجتهم ؛ فإن كان الحاضرون أقرب ، وزع عليهم ؛ فإن لم يفوا بالواجب كتب القاضي لما بقي ، وإن كانوا أبعد ففي تخصيص الحاضرين طريقان : أصحهما : طرد الخلاف ، والثاني : القطع بالضرب على الأقربين وإن بعدت دارهم ؛ وبه قطع الشيخ أبو حامد والعراقيون .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية