الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        التاسعة : سبق في كتاب الوكالة أن التوكيل في استيفاء القصاص جائز في حضرة الموكل ، وكذا في غيبته على المذهب ، وحد القذف كالقصاص ، وسواء جوزناه أم لا ، فإذا استوفاه الوكيل ، صار حق الموكل مستوفى ، كما لو وكله في بيع سلعة توكيلا فاسدا ، فباع الوكيل ، صح البيع .

                                                                                                                                                                        إذا عرفت هذا ، فإذا وكل وغاب ، أو تنحى الوكيل بالجاني ليقتص منه ، فعفا الموكل ، نظر ، إن لم يعلم أكان العفو قبل القتل أم بعده ، فلا شيء على الوكيل ، وإن عفا بعد قتله ، فهو لغو ، وإن عفا ، ثم قتل الوكيل ، فإن كان عالما بالعفو ، فعلى الوكيل القصاص ، وإن كان جاهلا به ، فلا قصاص على المذهب والمنصوص وبه قطع الأصحاب .

                                                                                                                                                                        وحكى الشيخ أبو محمد في " السلسلة " قولا مخرجا : أنه يجب القصاص ، وليس بشيء ، فإن ادعى على الوكيل العلم بالعفو ، فأنكر ، صدق بيمينه ، فإن نكل ، حلف الوارث واستحق القصاص ، وفي وجوب الدية إذا قتله جاهلا قولان : أظهرهما : تجب ، لأنه بان أنه قتله بغير حق ، ولو عزله ، فقتله الوكيل جاهلا العزل ، ففي وجوب الدية القولان .

                                                                                                                                                                        فإن لم نوجب الدية ، وجبت الكفارة على الأصح ، وإذا أوجبنا الدية ، فهي مغلظة على المشهور ، وفي قول : مخففة ، فإن قلنا : مخففة ، فهي على العاقلة ، وإن قلنا : مغلظة ، فهي على الوكيل على الأصح ، لأنه متعمد ، [ ص: 249 ] وإنما سقط القصاص للشبهة ، وقيل : على العاقلة ، لأنه جاهل بالحال ، فأشبه المخطئ ، فإن قلنا : على الوكيل ، فهل هي حالة أم مؤجلة ؟ وجهان ، حكاهما الإمام .

                                                                                                                                                                        قلت : أصحهما : حالة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ثم الدية هنا تكون لورثة الجاني لا تعلق للموكل بها بخلاف ما إذا ثبت القصاص لابنين ، وبادر أحدهما ، وقتل الجاني ، يجب عليه نصف الدية للآخر على أحد القولين .

                                                                                                                                                                        والفرق أن القاتل هناك أتلف حق أخيه ، فتعلق الأخ ببدله ، والوكيل هنا قتل بعد سقوط حق الموكل ، ونقل ابن كج عن بعضهم جعله على الخلاف ، ثم إذا غرم الوكيل ، أو عاقلته الدية ، فهل يرجع الغارم على العافي ؟ فيه أوجه .

                                                                                                                                                                        أصحها : لا ، لأن العافي محسن بالعفو غير مغرر بخلاف الغاصب إذا قدم الطعام المغصوب إلى الضيف ، والثاني : نعم ، والثالث : يرجع على الوكيل دون العاقلة ، فهل لولي الجاني أن يأخذ الدية ابتداء من العافي ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        وأما الكفارة فلا يرجع بها على الأصح ، كما لا تضرب على العاقلة ، وهل للموكل العافي دية قتيله ؟ ينظر ، إن عفا مجانا أو مطلقا ، وقلنا : المطلق لا يوجب الدية ، فلا شيء له .

                                                                                                                                                                        وإن عفا على مال ، أو مطلقا ، وقلنا : يوجب المال ، فله الدية في تركة الجاني مغلظة إن أوجبنا بقتل الوكيل الدية ، وإن لم نوجبها به ، فلا دية للموكل لخروج العفو على هذا التقدير عن الفائدة . وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية