الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          فصل

                                                                                                          التمتع أن يحرم بالعمرة ، أطلقه جماعة ، وجزم آخرون من الميقات أي ميقات بلده ، أطلقه جماعة منهم الكافي ، ومرادهم ما جزم به آخرون في أشهر الحج ، وهو نص أحمد ; لأن العمرة عنده في الشهر الذي يهل [ بها ] فيه ، وروي معناه بإسناد جيد عن جابر ، لا الشهر الذي يحل منها فيه ، قال الأصحاب : ويفرغ منها ، قال في المستوعب : ويتحلل ، قالوا : [ ص: 307 ] ثم يحرم بالحج من عامه ، زاد جماعة : من مكة ، زاد بعضهم : أو قربها ، ونقله حرب وأبو داود . والإفراد أن يحج ثم يعتمر ، ذكره جماعة والشافعية ، قال جماعة : يحرم به من الميقات ، ثم يحرم بها من أدنى الحل ، زاد بعضهم : وعنه : بل من الميقات .

                                                                                                          وفي المحرر أن لا يأتي في أشهر الحج بغيره ، قال القاضي وغيره : ولو تحلل منه في يوم النحر ثم أحرم فيه بعمرة فليس بمتمتع ، في ظاهر ما نقله ابن هانئ : ليس على معتمر بعد الحج هدي ; لأنه في حكم ما ليس من أشهره ، بدليل فوت الحج فيه ، وكذا في مفردات ابن عقيل ، فدل أنه لو أحرم بعد تحلله من الأول صح . وفي الفصول : الإفراد أن يحرم بالحج في أشهره ، فإذا تحلل منه أحرم بالعمرة من أدنى الحل . والقران أن يحرم بهما معا ، قال جماعة : من الميقات ، أو بالعمرة منه ثم بالحج ، قال جماعة : من مكة أو [ من ] قربها . وإن شرع في طوافها لم يصح ( و ش ) كما لو سعى ، إلا لمن معه هدي فيصح ويصير قارنا ، بناء على المذهب أنه لا يجوز له التحلل ، ولا يعتبر لصحة إدخاله الإحرام به في أشهره ، على المذهب ، واعتبره الشافعية على أصلهم ، ولهم وجهان لو أدخله فيها وكان أحرم بها قبلها ، لتردد النظر هل هو أحرم به قبل أشهره ؟ ومن أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم يصح ولم يصر قارنا ، بناء .

                                                                                                          [ ص: 308 ] على أنه لا يلزمه بالإحرام الثاني شيء ( و م ش ) وفيه خلاف لنا ، والصحة قول الحنفية مع أنه أخطأ السنة وأساء عندهم ، قالوا : فإن كان طاف للحج طواف القدوم فعليه دم ، لجمعه بينهما ; لأنه بان أفعال العمرة على أفعال الحج من وجه . ويستحب أن يرفضها لتأكد الحج بفعل بعضه ، وعليه لرفضها دم ويقضيها . ومذهبنا أن عمل القارن كالمفرد في الإجزاء ، نقله الجماعة ، ويسقط ترتيب العمرة ويصير الترتيب للحج ، كما يتأخر الحلاق إلى يوم النحر ، فوطؤه قبل طوافه لا يفسد عمرته ، قالت عائشة : وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا ، متفق عليه ، وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم { يسعك طوافك لحجك وعمرتك فأبت ، فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج } .

                                                                                                          وفي لفظ { يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك } رواهما مسلم . وفي الصحيحين من حديث جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : قد حللت من حجك وعمرتك جميعا قالت : أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت ، قال فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم } زاد مسلم : { وكان رجلا سهلا ، إذا هويت الشيء تابعها عليه } . وعن ابن عمر مرفوعا { من قرن بين حجه وعمرته أجزأه لهما طواف واحد } إسناده جيد ، رواه أحمد [ وأبو داود ] وابن ماجه . وفي لفظ { من [ ص: 309 ] أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد عنهما حتى يحل منهما جميعا } إسناده جيد ، رواه النسائي ، والترمذي وقال : حسن غريب .

                                                                                                          وقال : رواه عن عبيد الله بن عمر عن نافع غير واحد ولم يرفعوه ، وهو أصح ، كذا قال ، ورفعه جماعة عن نافع من رواية النسائي وغيره . وكعمرة المتمتع ، وكما يجزئه الحج ، وعن أحمد : على القارن طوافان وسعيان ( و هـ ) رواه سعيد والأثرم عن علي ، وفي صحته نظر ، مع أنه لا يرى إدخال العمرة على الحج ، فعلى هذه الرواية يقدم القارن فعل العمرة على فعل الحج ( و هـ ) كمتمتع ساق هديا ، فلو وقف بعرفة قبل طوافه وسعيه لها فقيل : تنتقض عمرته ويصير مفردا بالحج يتمه ثم يعتمر ( و هـ ) ، وقيل : لا تنتقض ، فإذا رمى الجمرة طاف لها ثم سعى ثم طاف له ثم سعى ( م 1 ) ويأتي فيمن حاضت فخشيت فوات الحج بعد [ فصل ] فسخ القارن والمفرد وعن أحمد : على القارن عمرة مفردة ، اختارها أبو بكر وأبو حفص ، لعدم طوافها ، ولاعتمار عائشة ، وسبق رواية ضعيفة : لا تجزئ العمرة من أدنى [ ص: 310 ] الحل ، والحج يجزئ للمتمتع من مكة ، فالعمرة للمفرد من أدنى الحل أولى .

                                                                                                          [ ص: 309 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 309 ] باب الإحرام

                                                                                                          ( مسألة 1 ) قوله : وعن أحمد : على القارن طوافان وسعيان فعلى هذه الرواية يقدم القارن فعل العمرة على فعل الحج ، كمتمتع ساق هديا ، فلو وقف بعرفة قبل طوافه وسعيه لها ثم سعى ثم طاف له ثم سعى ، انتهى .

                                                                                                          ( القول الأول ) قدمه في الرعاية الكبرى .

                                                                                                          ( والقول الثاني ) لم أر من اختاره ( قلت ) : وهو الصواب ، وظاهر كلام أكثر الأصحاب . [ ص: 310 ] تنبيهات : ( الأول ) قوله : فدل أنه لو أحرم بعد تحلله من الأول صح ، انتهى ، لعله " بعد تحلله الأول " بإسقاط " من " أو يقال : وتقديره بعد تحلله من النسك الأول




                                                                                                          الخدمات العلمية