الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وما دون الحمام كسائر الطير يضمنه ( و ) لما روى النجاد عن ابن عباس قال : ما أصيب من الطير دون الحمام ( في الحرم ) ففيه الدية ، ويأتي في الجراد ، ولأنه منع منه لحق الله ، كالحمام ، وعن داود : لا يضمن دون الحمام ، ويضمنه بقيمته مكانه ، كمال الآدمي ، وفي أكبر من الحمام ( إصابته في الحرم ) وجهان :

                                                                                                          [ ص: 433 ] أحدهما : يجب فيه شاة ، وروي عن ابن عباس وعطاء وجابر ، وكالحمام بطريق الأولى ، والثاني قيمته ( م 30 - 32 ) ( و ش ) لأنه القياس خولف

                                                                                                          [ ص: 434 ] في الحمام ، للصحابة . ولا يجوز إخراج القيمة بل طعاما ، قال القاضي : لا يجوز صرفها في الهدي ، وقيل : يخرج القيمة ، لما يأتي في الجراد وإن أتلف بيض صيد ضمنه ( و ) بقيمته ، نص عليه ، مكانه ، لما روى أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا سعيد عن مطر عن معاوية بن قرة { عن رجل من الأنصار أن رجلا أوطأ بعيره على أدحي نعام فكسر بيضها فقام إلى علي فسأله . فقال له علي : عليك بكل بيضة جنين ناقة أو ضراب ناقة ، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك ، فقال هلم إلى الرخصة ، عليك بكل بيضة صوم يوم أو إطعام مسكين } حديث حسن جيد الإسناد ، وعن أبي المهزم وهو ضعيف متروك عن أبي هريرة مرفوعا ، رواه الدارقطني ، وله ولابن ماجه : ثمنه . وللنجاد مثله من حديث ابن عمر ، وللدارقطني مثله من حديث كعب بن عجرة ، ومن حديث عائشة : صيام يوم لكل بيضة ، وللشافعي عن ابن مسعود وأبي موسى : في بيضة النعامة صوم أو إطعام مسكين ; ولأنه صيد ، لأنه يطلب مثله ، ولا مثل له ، فضمن بقيمته ، كالصيد .

                                                                                                          وقال مالك : يضمن بيضة نعامة بعشر قيمة بدنة ، وعن داود : لا شيء فيه ، ولا شيء في بيض مذر أو فرخه ميت ; لأنه لا قيمة له ، قال أصحابنا : إلا بيض

                                                                                                          [ ص: 435 ] النعام فإن لقشره قيمة ، واختار الشيخ : لا شيء فيه ، كسائر ما له قيمة من غير الصيد .

                                                                                                          وقال الحلواني في الموجز : إن تصور وتخلق في بيضه ففيه ما في جنين صيد سقط بالضربة ميتا ، وعند الحنفية : إن كسر بيض نعامة فقيمته ، فإن خرج منه فرخ ميت فقيمته ، استحسانا ، لأن البيض معد ليخرج منه الفرخ الحي ، فكسره قبل أوانه سبب موته ، والقياس يغرم البيضة فقط ، للشك في حياته ، وعلى الاستحسان لو ضرب بطن صيد فألقى جنينا ميتا وماتت الأم فعليه قيمتها ومن كسر بيضة فخرج منها فرخ حي فعاش فلا شيء فيه ، وسبق قول : يحفظه إلى أن يطير ، وإن جعل بيضا تحت آخر أو مع بيض صيد أو شيئا فنفر عنه حتى فسد أو فسد بنقله ضمنه ، لتلفه بسببه ، وإن صح وفرخ فلا ، وحكم [ بيض ] كل حيوان حكمه ; لأنه جزء منه وفي لبنه قيمته ، كما سبق مكانه ، كحلب حيوان مغصوب ، كذا قيل وفيه نظر ظاهر ، ويضمن الجراد ، ذكره الشيخ عن أكثر العلماء ; لأنه طير في البر يتلفه الماء ، كالعصافير ، ويضمنه بقيمته ( و ش ) لأنه لا مثل له ، وعنه : يتصدق بتمرة عن جرادة .

                                                                                                          وقال مالك : عليه جزاؤه بحكم حكمين ، لما رواه عن يحيى بن سعيد أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فسأله عن جرادة قتلها وهو محرم ، فقال عمر لكعب : تعال نحكم ، فقال كعب : درهم ، فقال عمر [ ص: 436 ] لكعب : إنك لتجد الدراهم ، لتمرة خير من جرادة ، وروي أيضا عن زيد بن أسلم أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال : إني أصبت جرادة وأنا محرم ، فقال : أطعم قبضة من طعام . وللشافعي مثله عن ابن عباس ، وله أيضا أن عمر قال لكعب في جرادتين قتلهما ونسي إحرامه ثم ذكره فألقاهما : ما جعلت في نفسك ؟ قال : درهمان ، قال : بخ ، درهمان خير من مائة جرادة ، اجعل ما جعلت في نفسك . وعند الحنفية : يتصدق بما شاء ، فإن قتله أو أتلف بيض طير لحاجة كالمشي عليه فقيل يضمنه ; لأنه [ قتله ] لنفعه كمضطر ، وقيل : لا ; لأنه اضطره كصائل ، وعنه : لا يضمن الجراد ; لأن كعبا أفتى بأخذه وأكله ، فقال عمر : ما حملك أن تفتيهم به ؟ قال : هو من صيد البحر ، قال : وما يدريك ؟ قال : والذي نفسي بيده إن هو إلا نثرة حوت ينثره في كل عام مرتين . رواه مالك وقال ابن المنذر قال ابن عباس : هو من صيد البحر ، ورواه أبو داود من رواية أبي المهزم عن أبي هريرة مرفوعا ، ومن طريق أخرى وقال : الحديثان وهم ، ورواه عن كعب قوله

                                                                                                          [ ص: 433 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 433 ] مسألة 30 ) قوله : وفي أكبر من الحمام وجهان : ( أحدهما ) تجب فيه شاة و ( الثاني ) قيمته ، انتهى . وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمغني والكافي والمقنع والهادي والتلخيص والشرح وشرح ابن منجى والفائق والزركشي

                                                                                                          ( أحدهما ) تجب فيه قيمته ، وهو الصحيح ، جزم به في العمدة والمحرر والوجيز وغيرهم ، وهو ظاهر ما جزم به في النظم والمنور ومنتخب الآدمي وإدراك الغاية وغيرهم ، لاقتصارهم على وجوب الشاة في الحمام ، وقدمه في المستوعب والرعايتين والحاويين وغيرهم .

                                                                                                          والوجه الثاني فيه شاة ، اختاره ابن حامد وابن أبي موسى ، وقدمه ابن رزين في شرحه قال في الخلاصة : أما طير الماء ففيه الجزاء كالحمام ، وقيل : القيمة ، وقيل : لا ، انتهى . ذكر المصنف مسألتين : ( المسألة الأولى 31 ) إذا قتل الجراد لحاجة كالمشي عليه فهل يضمنه أم لا ؟ أطلق الخلاف ، وأطلقه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والكافي والمقنع والشرح وشرح ابن منجى والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم .

                                                                                                          ( أحدهما ) : عليه الجزاء ، وهو الصحيح ، جزم به في الوجيز وغيره ، وصححه في التصحيح وغيره ، وهو الصواب ، وهو ظاهر كلامه في المحرر وغيره .

                                                                                                          والوجه الثاني لا يضمنه ، صححه في الفصول ، وقدمه ابن رزين في شرحه ، قال الناظم : ويفدى جراد في الأصح بقيمة ولو في طريق يشبه ببعد ( المسألة الثانية 32 ) إذا مشى على بيض الطير لحاجة فهل يضمنه أم لا ؟ أطلق الخلاف فيه . وقد حكم المصنف بأن حكمه حكم الجراد إذا انفرش في طريقه ، وكذا قال الشيخ الموفق وغيره ، فيعطى حكمه خلافا ومذهبا . وقد علمت الصحيح في الجراد ، فكذا في هذا ( قلت ) : الضمان هنا قوي لندرته ، والله أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية