الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          [ ص: 328 ] فصل : جزم جماعة منهم الشيخ وصاحب المستوعب والرعاية بالاستحباب ، ومعناه عن أحمد ، وعبر القاضي وأصحابه وصاحب المحرر وغيرهم بالجواز ، وإنما أرادوا فرض المسألة مع المخالف ، ولهذا ذكر القاضي استحبابه في بحث المسألة ، قال ابن عقيل : هو مستحب عند أصحابنا للمفرد والقارن أن يفسخا نيتهما بالحج زاد الشيخ : إذا طافا وسعيا فنويا بإحرامهما ذلك عمرة مفردة ، فإذا فرغاها وحلا منها أحرما بالحج ليصيرا متمتعين . وقال ( هـ م ش ) وداود : لا يجوز ، ولنا ولهم ما سبق في أفضل الأنساك . قالوا : { لا تبطلوا أعمالكم } رد بالفسخ ، نقله إلى غيره لا إبطاله ، من أصله ، زاد القاضي : على أنه محمول على غير مسألتنا . قالوا : { وأتموا الحج } رد : الآية اختصت الابتداء بهما لا البناء . قالوا : أحد النسكين كالعمرة . رد : فاسد الاعتبار ، ثم لا فائدة ، وهنا فضيلة التمتع ، وعند الشافعي فضيلة الإفراد إن كان .

                                                                                                          [ ص: 329 ] قارنا . فإن قيل : صح وإن لم يعتقد فعل الحج من عامه ، قيل : منعه ابن عقيل وغيره ، نقل ابن منصور : لا بد أن يهل بالحج من عامه ليستفيد فضيلة التمتع ; ولأنه على الفور . فلا يؤخره ، كما لو لم يحرم ، فكيف وقد أحرم ؟ واختلف كلام القاضي ، وقدم الصحة ; لأن بالفسخ حصل على صفة يصح منه التمتع ; ولأن العمرة لا تصير حجا ، والحج يصير عمرة لمن حصر عن عرفة أو فاته الحج . قالوا : لا يجوز قبل الطواف والسعي كذا بعده ، نقل أبو طالب : يجعلها عمرة إذا طاف بالبيت ، ولا يجعلها وهو في الطريق . رد : لأن هذا الفسخ لم يجز في زمنه عليه السلام ; لأن في الصحيحين { أنه قال لأبي موسى : طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل } ، ولأنه إنما جاز الفسخ ليصير متمتعا ، فإذا فسخ قبل فعل العمرة لم يحصل ذلك ، ولا يجوز أن يقال : افسخ واستأنف عمرة ; لأن الإحرام الأول تعرى عن نسك ، كذا قاله القاضي ، وظاهر كلامهم : يجوز ، فينوي إحرامه بالحج عمرة ، وخبر أبي موسى أراد أن الحل يترتب على الطواف والسعي ليس فيه المنع من قلب النية ، ولهذا في الصحيحين عن { عائشة قالت : نزلنا بسرف ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ، ومن كان معه هدي فلا } وفيهما أيضا عنها : { حتى إذا دنونا من مكة أمر من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة أن يحل } . وفيهما [ ص: 330 ] أيضا عن ابن عباس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم لأربع مضين من ذي الحجة ، فصلى الصبح بالبطحاء وقال لما صلى الصبح من شاء منكم أن يجعلها عمرة فليجعلها }

                                                                                                          وفي الانتصار وعيون المسائل : لو ادعى مدع وجوب الفسخ لم يبعد واختار ابن حزم وجوبه ، وقال : هو قول ابن عباس وعطاء ومجاهد وإسحاق . وفي مسلم عن ابن عباس : أن من طاف حل ، وقال : سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم . وابن عباس إنما يروي التخيير أو الأمر بالحل ، فالتخيير كان أولا ثم حتمه عليهم آخرا لما امتنعوا ، فعلة الحتم زالت . وفي مسلم أن ابن جريج قال لعطاء : من أين يقول ذلك ؟ يعني ابن عباس . قال : من قول الله { ثم محلها إلى البيت العتيق } قلت : فإن ذلك بعد المعرف ، فقال : كان ابن عباس يقول : هو بعد المعرف وقبله كان يأخذ ذلك من { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم أن يحلوا في حجة الوداع } ، ولا يصح الفسخ إلا قبل وقوفه بعرفة ، لعدم جوازه في وقت النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يستفيد به فضيلة التمتع ، ولا يصح الفسخ ممن معه هدي منهما ، وكذا لا يحل متمتع ساق هديا فيحرم بالحج إذا طاف وسعى لعمرته قبل تحلله بالحلق ، فإذا ذبحه يوم النحر حل منهما معا ، نص عليه ، واحتج { بأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في العشر ولم يحل } ، ونقل أبو طالب : الهدي يمنعه من التحلل من جميع الأشياء في العشر وغيره ( و هـ ) ونقل أيضا فيمن يعتمر قارنا أو متمتعا ومعه هدي : له أن يقصر من شعر رأسه خاصة ، .

                                                                                                          [ ص: 331 ] { لقول معاوية : قصرت من رأس النبي صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص } . متفق عليه . قال قيس بن سعد الحبشي وهو الذي خلف عطاء في مجلسه بمكة في الفتيا ، وقد رواه عن عطاء عن معاوية : الناس ينكرون هذا على معاوية . ونقل يوسف بن موسى فيمن قدم متمتعا معه هدي : إن قدم في شوال نحره وعليه هدي آخر ، وإن قدم في العشر لم يحل ، فقيل له خبر معاوية فقال : إنما حل بمقدار التقصير . قال القاضي : ظاهره يتحلل قبل العشر لا بعده إلا بتقصير الشعر . قال : وهذا يقتضي أن الهدي لا يمنع التحلل ، وإنما استحب المقام في العشر ; لأنه لا يطول إحرامه .

                                                                                                          وقال مالك : له التحلل وينحر هديه عند المروة .

                                                                                                          وقال الشيخ : ويحتمله كلام الخرقي ، وقاله الشافعي ، وعنه أيضا كقولنا . وجه الأول الأخبار السابقة ، وكامتناعه في وقته عليه السلام ; ولأن التمتع أحد نوعي الجمع بين الإحرامين ، كالقران .

                                                                                                          وفيه نظر ، وحيث صح الفسخ لزمه دم ، نص عليه . وذكره القاضي في الخلاف ; لأن نية التمتع إن اعتبرت فما حل حتى نوى أنه يحل ثم يحرم بالحج وذكر الشيخ عن القاضي : لا ، لعدم النية ، قال في المستوعب : لا يستحب الإحرام بنية الفسخ ، قال في الرعاية : يكره ذلك .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية