الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  464 135 - ( حدثنا يحيى بن بكير قال : حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية ، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن ، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه ، وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) ، وهم ستة : الأول : يحيى بن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المخزومي المصري . الثاني : الليث بن سعد المصري . الثالث : عقيل بضم العين بن خالد الأيلي . الرابع : محمد بن مسلم بن شهاب الزهري . الخامس : عروة بن الزبير بن العوام . السادس : عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه الإخبار بصيغة الإفراد بالفاء ، وفي بعض النسخ أخبرني ، فوجه الفاء أن تكون للعطف على مقدر كأن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بكذا ، وكذا فأخبرني عقيب تلك الإخبارات بهذا ، وفيه رواية التابعي عن التابعي، وفيه أن نصف الرواة مصريون ، وهم الثلاثة الأول ، والباقي مدنيون .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري هنا ، وفي الهجرة والإجارة ، وفي الكفالة وفي الأدب مختصرا ومطولا عن يحيى بن بكير ، وساق بعضه في غزوة الرجيع من حديث هشام بن عروة عن عائشة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) ؛ قوله ( لم أعقل ) أي : لم أعرف ؛ قوله ( أبوي ) وأرادت عائشة أبا بكر وأمها أم رومان ، وهذه التثنية من باب التغليب ، وفي بعض النسخ : أبواي بالألف ، وذلك على لغة بني الحارث بن كعب جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف كعصى فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب ؛ قوله ( يدينان الدين ) أي : يتدينان بدين الإسلام ، وانتصاب الدين بنزع الخافض ، يقال : دان بكذا ديانة ، وتدين به تدينا ، ويحتمل أن يكون مفعولا به ، ويدين بمعنى يطيع ، ولكنه فيه تجوز من حيث جعل الدين كالشخص المطاع ؛ قوله ( بكرة وعشية ) منصوبتان على الظرفية ، وقد ذكر البخاري في كتاب الهجرة مطولا بهذا الإسناد بعد قوله عشية ، وقبل قوله : ( ثم بدا لأبي بكر ) قصة طويلة في خروج أبي بكر عن مكة ورجوعه في جوار ابن الدغنة واشتراطه عليه أن لا يستعلن بعبادته فعند فراغ القصة قال : ثم بدا لأبي بكر أي : ظهر له ، من بدا الأمر بدوا مثل قعد قعودا أي : ظهر ؛ قال الجوهري : بدا له في هذا الأمر أي : نشأ له فيه رأي ؛ قوله ( بفناء داره ) بكسر الفاء ممدودا ، وهو ما امتد من جوانبها ؛ قوله ( بكاء ) على وزن فعال مبالغة باك ؛ قوله ( لا يملك عينيه ) أي : لا يطيق إمساكهما ومنعهما من البكاء ، وفي بعض النسخ : " لا يملك عينه " ، وهو وإن كان مفردا لكنه جنس يطلق على الواحد ، والاثنين ؛ قوله ( إذا قرأ ) إذا ظرفية ، والعامل فيه : لا يملك ، أو شرطية والجزاء مقدر يدل عليه : لا يملك ؛ قوله ( فأفزع ) من الإفزاع وهو الإخافة ؛ قوله ( ذلك ) أي : الوقوف ، وكان خوفهم من ميل الأبناء والنساء إلى دين الإسلام .

                                                                                                                                                                                  ( ومما يستفاد منه ) جواز بناء المسجد في الطريق إذا لم يكن ضرر للعامة كما ذكرناه ، وبيان فضل أبي بكر رضي الله تعالى عنه مما لا يشاركه فيه أحد ؛ لأنه قصد تبليغ كتاب الله وإظهاره مع الخوف على نفسه ، ولم يبلغ شخص آخر هذه المنزلة [ ص: 257 ] بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وفيه فضائل أخرى لأبي بكر وهي قدم إسلامه وإسلام أبويه ، وتردد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إليه طرفي النهار ، وكثرة بكائه ، ورقة قلبه .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية