الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كتاب البيع قوله ( وهو مبادلة المال بالمال لغرض التملك ) اعلم أن للبيع معنيين : معنى في اللغة . ومعنى في الاصطلاح . فمعناه في اللغة : دفع عوض وأخذ معوض عنه . وقال ابن منجا في شرحه : أراد المصنف هنا بحده : بيان معنى البيع في اللغة . وقال في المستوعب : البيع في اللغة عبارة عن الإيجاب والقبول ، إذا تناول عينين ، أو عينا بثمن . وأما معناه في الاصطلاح : فقال القاضي ، وابن الزاغوني ، وغيرهما : هو عبارة عن الإيجاب والقبول ، إذا تضمن عينين للتمليك . وقال في المستوعب : هو عبارة عن الإيجاب والقبول إذا تضمن مالين للتمليك . فأبدل " العينين " بمالين ، ليحترز عما ليس بمال . ولا يطرد الحدان . أي كل واحد منهما غير مانع ، لدخول الربا . ويدخل القرض على الثاني . ولا ينعكسان . أي كل واحد منهما غير جامع ، لخروج المعاطاة ، وخروج المنافع ، وممر الدار ، ونحو ذلك . قال المصنف : ويدخل فيه عقود سوى البيع . وقال في الرعاية الكبرى : هو بيع عين ومنفعة ، وما تعلق بذلك . وقال الزركشي : حد المصنف هنا حد شرعي ، لا لغوي . انتهى . قلت : وهو مراده . لأنه بصدد ذلك ، لا بصدد حده في اللغة . [ ص: 260 ] فدخل في حده بيع المعاطاة . لكن يرد عليه القرض والربا ، فليس بمانع . وتابعه على هذا الحد صاحب الحاوي الكبير ، والفائق . وقال في النظم : هو مبادلة المال بالمال ، بقصد التملك بغير ربا . وقال المصنف والشارح : هو مبادلة المال بالمال ، تمليكا وتملكا . وقال في الوجيز : هو عبارة عن تمليك عين مالية ، أو منفعة مباحة ، على التأبيد ، بعوض مالي . ويرد عليه أيضا : الربا والقرض . وبالجملة : قل أن يسلم حد . قلت : لو قيل : هو مبادلة عين أو منفعة مباحة مطلقا بأحدهما كذلك على التأييد فيهما ، بغير ربا ولا قرض لسلم .

فائدة :

اشتقاقه عند الأكثر من " الباع " لأن كل واحد منهما يمد باعه للأخذ منه . قال الزركشي : ورد من جهة الصناعة . قال المصنف وغيره : ويحتمل أن كل واحد منهما كان يبايع صاحبه ، أي يصافحه عند البيع . ولذلك يسمى البيع " صفقة " وقال ابن رزين في شرحه : البيع مشتق من البائع . وكان أحدهم يمد يده إلى صاحبه ، ويضرب عليها . ومنه قول عمر " البيع صفقة أو خيار " انتهى . وقيل : هو مشتق من البيعة . قال الزركشي : وفيه نظر . إذ المصدر لا يشتق من المصدر ، ثم معنى " البيع " غير معنى " المبايعة " . وقال في الفائق : هو مشتق من المبايعة ، بمعنى المطاوعة ، لا من الباع .

انتهى قوله ( وله صورتان إحداهما : الإيجاب والقبول . فيقول البائع : بعتك ، أو ملكتك . ونحوهما ) .

[ ص: 261 ] مثل : وليتك ، أو شركتك فيه . ( ويقول المشتري : ابتعت ، أو قبلت ، وما في معناهما ) . مثل تملكت ، وما يأتي من الألفاظ التي يصح بها البيع . وهذا المذهب . وعليه الأصحاب . وعنه لا ينعقد بدون " بعت " و " اشتريت " لا غيرهما . ذكرها في التلخيص وغيره .

فوائد

إحداهما : لو قال : بعتك بكذا . فقال : أنا آخذه بذلك : لم يصح . وإن قال أخذته منك ، أو بذلك : صح . نقله مهنا .

الثانية : لا ينعقد البيع بلفظ " السلف " و " السلم " قاله في التلخيص في باب السلم وظاهر كلام الإمام أحمد في رواية المروذي : لا يصح البيع بلفظ " السلم " ذكره في القاعدة الثامنة والثلاثين . وقيل : يصح بلفظ " السلم " قاله القاضي .

الثالثة : قال في التلخيص ، في باب الصلح : في انعقاد البيع بلفظ " الصلح " تردد . فيحتمل الصحة وعدمها . وقال في الفروع : ويصح بلفظ " الصلح " على ظاهر كلامه في المحرر والفصول . وقاله في الترغيب . قوله ( فإن تقدم القبول الإيجاب : جاز ، في إحدى الروايتين ) وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والهادي والتلخيص ، والبلغة ، والمحرر ، وشرح ابن منجا .

إحداهما : يجوز ، أي يصح . وهو المذهب . سواء تقدم بلفظ الماضي أو بلفظ الطلب ، كقوله : بعني ثوبك ، أو ملكنيه . فيقول : بعتك . جزم به في الوجيز . [ ص: 262 ] وغيره . وصححه في التصحيح ، والنظم وغيرهما . واختاره ابن عبدوس في تذكرته . وغيره . وقدمه في الفروع ، والرعايتين ، وغيرهما .

والرواية الثانية : لا يجوز . أي لا يصح . اختارها أكثر الأصحاب . قاله في الفروع كالنكاح . قال في النكت : نصره القاضي وأصحابه . قال القاضي : هذه الرواية هي المشهورة . واختاره أبو بكر وغيره . قال ابن هبيرة : هذه أشهرهما عن أحمد . انتهى . وجزم به المبهج وغيره . وصححه في الخلاصة وغيرها . وهو من مفردات المذهب . وعنه إن تقدم القبول على الإيجاب بلفظ الماضي : صح . وإن تقدم بلفظ الطلب : لم يصح . قال في المغني ، والحاويين : فإن تقدم بلفظ الماضي : صح . وإن تقدم بلفظ الطلب . فروايتان . وقال في الشرح ، والفائق : إن تقدم بلفظ الماضي : صح في أصح الروايتين وإن تقدم بلفظ الطلب : فروايتان . وقطع في الكافي بالصحة ، إن تقدم بلفظ الماضي . وعدم الصحة إن تقدم بلفظ الطلب .

تنبيه :

محل الخلاف وهو مراد المصنف إذا كان بلفظ الماضي المجرد عن الاستفهام ، أو بلفظ الطلب لا غير ، كما تقدم . أما لو كان بلفظ المضارع ، أو كان بلفظ الماضي المستفهم به ، مثل قوله : ابتعني هذا بكذا ؟ أو أتبيعني هذا بكذا ؟ فيقول : بعتك : لم يصح . نص عليه . حتى يقول بعد ذلك : ابتعت ، أو قبلت أو اشتريت ، أو تملكت ونحوها . [ ص: 263 ] فوائد

الأولى : لو قال البائع للمشتري : اشتره بكذا ، أو ابتعه بكذا . فقال : اشتريته ، أو ابتعته : لم يصح ، حتى يقول البائع بعده : بعتك ، أو ملكتك . قاله في الرعاية . قال في النكت : وفيه نظر ظاهر .

والأولى : أن يكون كتقدم الطلب من المشتري ، وأنه دال على الإيجاب والبذل . انتهى .

الثانية : لو قال : بعتك ، أو قبلت ، إن شاء الله : صح بلا نزاع أعلمه . وجزم به في المغني وغيره في آخر باب الإقرار . ويأتي نظيره في النكاح . ويأتي ذلك في باب ما يحصل به الإقرار .

الثالثة قوله ( وإن تراخى القبول عن الإيجاب : صح ، ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه ) . قيد الأصحاب قولهم " ولم يتشاغلا بما يقطعه " بالعرف

التالي السابق


الخدمات العلمية