الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وليس لواحد منهما التصرف في المبيع في مدة الخيار إلا بما يحصل به تجزئة المبيع . وإن تصرفا ببيع أو هبة ونحوهما لم ينفذ تصرفهما ) . اعلم أن تصرف المشتري والبائع في مدة الخيار محرم عليهما ، سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما . أو لغيرهما . قاله كثير من الأصحاب ، وقطع به جماعة . قال في الفروع : وفي طريقة بعض الأصحاب : للمشتري التصرف . ويكون رضا منه بلزومه .

وقال في القواعد : والمنصوص عن الإمام أحمد في رواية أبي طالب : أن للمشتري التصرف فيه بالاستقلال على القول بأن الملك ينتقل إليه . وهو المذهب . وعلى الرواية الثانية : يجوز التصرف للبائع وحده . لأنه مالك ، ويملك الفسخ انتهى .

فعلى الأول : إن تصرف ، المشتري فتارة يكون الخيار له وحده . وتارة يكون غير ذلك . فإن كان الخيار له وحده . فالصحيح من المذهب : نفوذ تصرفه .

قال في الفروع : نفذ على الأصح . وجزم به في الكافي ، والمغني ، والمحرر ، والشرح ، والنظم ، والحاويين ، والفائق ، والمنور ، وغيرهم . وقدمه في القواعد الفقهية . وقال : ذكره أبو بكر ، والقاضي ، وغيرهما .

قال الزركشي : وقاله أبو الخطاب في الانتصار . وعنه لا ينفذ تصرفه . وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى ، واحتمال في التلخيص [ ص: 384 ] وإن لم يكن الخيار له وحده وتصرف . فالصحيح من المذهب : أنه لا ينفذ . قدمه في المغني ، والشرح ، وصححاه . وقدمه في الفروع ، والقواعد الفقهية . وعنه ينفذ تصرفه . وعنه تصرفه موقوف . ذكرها ابن أبي موسى فمن بعده وجزم به في القاعدة الثالثة والخمسين . فقال : تصرف المشتري في مدة الخيار له وللبائع ، المنصوص عن أحمد : أنه موقوف على إمضاء البيع . وكذلك ذكره أبو بكر في التنبيه . وهو ظاهر كلام القاضي في خلافه . انتهى .

وقال بعض الأصحاب في طريقته : وإذا قلنا بالملك قلنا بانتقال الثمن إلى البائع . قال في الفروع : وقاله غيره . تنبيه :

محل هذا الخلاف : إذا كان تصرفه مع غير البائع . فأما إن تصرف مع البائع ، فالصحيح : أنه ينفذ . جزم به في المحرر ، الحاويين ، والفائق ، والمنور ومنتخب الأدمي وغيرهم . وعنه لا ينفذ . وهو ظاهر كلام المصنف هنا ، وكثير من الأصحاب . وقدمه في الرعاية . وأطلقهما في الفروع ، وقال : بناء على دلالة التصرف على الرضى . وللقاضي في المجرد احتمالان .

وإن تصرف البائع لم ينفذ تصرفه ، سواء كان الخيار له وحده أو لا . وهذا الصحيح من المذهب . وجزم به المصنف هنا ، وصاحب الهداية ، والمذهب ، والخلاصة ، والوجيز ، وغيرهم . وقدمه في المستوعب ، والرعايتين ، والحاويين ، والفائق ، والفروع ، وقال : أطلقه جماعة . وهو من المفردات .

قال في القاعدة الخامسة والخمسين : وأما نفوذ التصرف : فهو ممنوع على الأقوال كلها . صرح به الأكثرون من الأصحاب . لأنه لم يتقدمه ملك . انتهى . وقيل : ينفذ إن قيل : الملك له والخيار له . قال الناظم : ومن أفرده بالخيار يكن له التصرف يمضي منه دون تصدد [ ص: 385 ] وقال المصنف ، والشارح : وينفذ تصرف البائع ، إن قلنا : إن البيع لا ينقل الملك . وكان الخيار لهما أو للبائع . وقطع به في القواعد الفقهية . وذكر الحلواني في التبصرة : أن تصرفه ينفذ .

تنبيه :

ومحل الخلاف في تصرفهما : إذا لم يحصل لأحدهما إذن من الآخر . أو تصرف المالك منهما بإذن الآخر ، أو تصرف وكيلها : صح على الصحيح من المذهب .

قال في الفروع : نفذ في الأصح فيهما . وجزم به في الحاويين . وقدمه في المغني ، والشرح . وقيل : لا ينفذ . وهو احتمال في المغني والشرح .

فائدة :

لو أذن البائع للمشتري في التصرف . فتصرف بعد الإذن وقبل العلم . فهل ينفذ تصرفه ؟ يخرج على الوجوه التي في الوكيل على ما يأتي وأولى . وجزم القاضي في خلافه بعدم النفوذ .

تنبيه :

ظاهر قوله ( وليس لواحد منهما التصرف في المبيع في مدة الخيار ) أن للبائع التصرف في الثمن المعين ، أو غيره ، إذا قبضه . وهو ظاهر كلامه في المحرر ، والشرح ، وشرح ابن منجا ، والفروع وغيره ، لعدم ذكرهم للمسألة . والذي قطع به في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والرعايتين ، والحاويين ، والعناية ، وإدراك الغاية ، وتجريد العناية ، وجمع كثير : أنه يحرم التصرف في الثمن كالمثمن ، سواء قلنا في المبيع ما قلنا في الثمن أو لا . ولم يحكوا في ذلك خلافا . لكن ذكر في الفروع في باب التصرف في المبيع ، بعد أن ذكر ما يمنع التصرف فيه ، وما لا يمنع فقال : والثمن الذي ليس في الذمة كالمثمن ، وإلا فله أخذ بدله لاستقراره . انتهى . فقد تؤخذ هذه المسألة من عموم كلامه هناك . [ ص: 386 ] ويأتي أيضا فيما إذا قال : لا أسلم المبيع حتى أقبض ثمنه . في " فائدة : هل له المطالبة بالنقد إذا كان الخيار لهما ، أو لأحدهما " فهي غير هذه المسألة التي هنا والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية