الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 314 ] سنة ثلاث من الهجرة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في أولها كانت غزوة نجد ويقال لها : غزوة ذي أمر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة السويق أقام بالمدينة بقية ذي الحجة أو قريبا منها ، ثم غزا نجدا يريد غطفان وهي غزوة ذي أمر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن هشام : واستعمل على المدينة عثمان بن عفان . قال ابن إسحاق : فأقام بنجد صفرا كله أو قريبا من ذلك ، ثم رجع ولم يلق كيدا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الواقدي : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من غطفان من بني ثعلبة بن محارب تجمعوا بذي أمر يريدون حربه ، فخرج إليهم من المدينة يوم الخميس لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ثلاث ، واستعمل على [ ص: 315 ] المدينة عثمان بن عفان فغاب أحد عشر يوما ، وكان معه أربعمائة وخمسون رجلا ، وهربت منه الأعراب في رءوس الجبال ، حتى بلغ ماء يقال له : ذو أمر . فعسكر به ، وأصابهم مطر كثير ، فابتلت ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل تحت شجرة هناك ، ونشر ثيابه لتجف ، وذلك بمرأى من المشركين ، واشتغل المشركون في شئونهم ، فبعث المشركون رجلا شجاعا منهم ، يقال له : غورث بن الحارث . أو دعثور بن الحارث . فقالوا : قد أمكنك الله من قتل محمد . فذهب ذلك الرجل ، ومعه سيف صقيل ، حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف مشهورا ، فقال : يا محمد ، من يمنعك مني اليوم ؟ قال : الله . ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال من يمنعك مني ؟ قال : لا أحد ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، والله لا أكثر عليك جمعا أبدا . فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ، فلما رجع إلى أصحابه ، فقالوا : ويلك ، ما لك ؟ فقال : نظرت إلى رجل طويل فدفع في صدري ، فوقعت لظهري ، فعرفت أنه ملك ، وشهدت أن محمدا رسول الله ، والله لا أكثر عليه جمعا . وجعل يدعو قومه إلى الإسلام . قال : ونزل في ذلك قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله الآية [ المائدة : 11 ] .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البيهقي : وسيأتي في غزوة ذات الرقاع قصة تشبه هذه ، فلعلهما قصتان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : إن كانت هذه محفوظة فهي غيرها قطعا ; لأن ذلك الرجل اسمه غورث بن الحارث أيضا لم يسلم ، بل استمر على دينه ، ولم يكن عاهد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يقاتله . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية