الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وله بيع ماله في يد غيره أمانة كوديعة ) بيد المودع وشملت الأمانة ما لو كانت شرعية كما لو طيرت الريح ثوبا إلى داره ويلحق به ما أفرزه السلطان لجندي تمليكا كما لا يخفى ، فله بعد رؤيته بيعه وإن لم يقبضه رفقا بالجندي عليه ومن ثم ملكه بمجرد الإفراز ( ومشترك ) بيد الشريك ( وقراض ) بيد العامل سواء أكان قبل الفسخ أم بعده ظهر ريح أم لا كما أطلقه الأصحاب خلافا للقاضي والإمام ( ومرهون ) بيد المرتهن ( بعد انفكاكه ) مطلقا وقبله [ ص: 88 ] بإذن المرتهن ( وموروث ) يملك الهالك التصرف فيه قبل موته ، بخلاف ما لا يملك الهالك بيعه مثلا بأن اشتراه ولم يقبضه ، لكنه حينئذ ليس في يد بائعه بأمانة بل هو مضمون عليه ، ومثله ما يملكه الغانم من الغنيمة مشاعا باختيار التملك وبيع موهوب رجع فيه الأصل قبل قبضه ومقسوم قسمة إفراز قبل قبضه ، بخلاف قسمة البيع ليس له بيع ما صار له فيها من نصيب صاحبه قبل قبضه ، ولا بيع شقص أخذه بشفعة قبل قبضه لأن الأخذ بها معاوضة .

                                                                                                                            ولو باع ماله في يد غيره أمانة فهل للبائع ولاية الانتزاع من ذلك الغير بدون إذن المشتري ليتخلص من الضمان ويستقر العقد الظاهر كما قاله الزركشي ؟ نعم بل يجب لتوجه التسليم على البائع ( وباق في يد وليه بعد رشده أو إفاقته ) لتمام الملك ، نعم لو أكرى صباغا أو قصارا لعمل ثوب وسلمه له فليس له بيعه قبله ، وكذا بعده إن لم يكن سلم الأجرة لأن له الحبس للعمل ولاستيفاء الأجرة كذا قالاه ، وهو تصوير إذ له حبسه لتمام العمل أيضا ، ولا ينافيه إطلاقهم جواز إبدال المستوفي به لإمكان حمل ذلك بقرينة ما هنا على ما إذا لم يتسلمه الأجير ، ولو استأجره لرعي غنمه شهرا أو ليحفظ متاعه المعين شهرا جاز له بيعها قبل انقضاء الشهر لأن حق الأجير لم يتعلق بعينه إذ للمستأجر أن يستعمله في مثل ذلك العمل ، كذا قاله المتولي ، وهو مبني على أنه هل يجوز إبدال المستوفى به أو لا ، والراجح [ ص: 89 ] جواز البيع لأنه بسبيل من أن يأتي ببدله أو يسلم الأجير نفسه ويستحق الأجرة ، ويمكن حمل كلام المتولي الأخير على تصرفه بعد الإبدال بل تعليله دل عليه .

                                                                                                                            ( وكذا ) له بيع ماله المضمون على من هو بيده ضمان يد ومنه ( عارية ومأخوذ بسوم ) وهو ما أخذه مريد الشراء ليتأمله أيعجبه أم لا ، ومغصوب له قدرة على انتزاعه ومفسوخ فيه بعيب أو غيره بعد رد الثمن لتمام الملك في المذكورات ، وما أفهمه كلامه من أن المأخوذ بسوم مضمون جميعه مفروض فيما لو سام كله ، وإلا كأن أخذ مالا من ملكه أو بإذنه ليشتري نصفه فتلف لم يضمن سوى النصف لأن نصفه الآخر أمانة في يده ، وبما تقرر علم أن فائدة عطفه بكذا التنبيه على أنه قسيم الأمانة لأنه مضمون ضمان يد ، [ ص: 90 ] وشمل كلامه ما لو كان المعار أرضا وقد غرسها المستعير وهو كذلك خلافا للماوردي

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وله بيع ماله ) بالإضافة لأنه بلفظ الموصول يشمل الاختصاص وهو لا يصح بيعه ( قوله إلى داره ) أي الغير ( قوله : تمليكا ) أي لا إرفاقا ( قوله : فله بعد رؤيته ) قيد ( قوله مطلقا ) أذن المرتهن [ ص: 88 ] أم لا ( قوله : ومثله ) أي مثل المورث ( قوله : قبل قبضه ) أي قبل قبض الأصل له من فرعه ( قوله : قسمة إفراز ) وهو المتشابهات ( قوله : بخلاف قسمة البيع ) ظاهره أنه لا فرق بين قسمة التعديل والرد ، وقضية كلامسم على منهج تخصيص البطلان بقسمة الرد ، وكذا مقتضى تعليل الشارح بما مر في قوله لأن الرضا فيها غير معتبر فلا يعتبر القبض قبل لكن الكلام ثم في قسمة ما اشتراه قبل قبضه وما هنا في بيع ما ملكه بالقسمة قبل قبضه ( قوله : ولا بيع شقص ) عطف معنى على قوله بخلاف قسمة إلخ ( قوله : ليتخلص ) أي البائع ( قوله لتوجه التسليم على البائع ) أي فلو لم يفعل واستقل المشتري بالقبض اعتد به حيث لم يكن للبائع حق الحبس .

                                                                                                                            ( قوله : وسلمه له ) أفهم أنه يجوز له بيعه قبل التسليم ، ويرد عليه أن العقد لزم بمجرده وبيعه يفوت على الأجير فيه ، فالقياس عدم صحة بيعه سواء بعد التسليم أو قبله ، ويمكن الجواب بأنه يمكن إبداله بغيره حيث لم يسلمه له كما يفهم من قوله لإمكان حمل ذلك بقرينة ما هنا إلخ ، لكن قضية كلامه أنه ليس له إبداله بعد التسليم وقبل الشروع في العمل مع أنه يمكن إبداله بغيره فليتأمل ( قوله : وهو تصوير ) أي قوله قبل العمل ليلاقي قوله الآتي لإمكان حمل ذلك بقرينة إلخ ، وإنما يحتاج إلى ذلك التصوير أن حمل قوله قبله على معنى قبل الشروع فيه وقوله بعده على بعد الشروع ، وإلا فيمكن حمل قوله قبله وبعده على كماله فيفيد جواز الحبس قبل تمام العمل ( قوله : إذ للمستأجر أن يستعمله في مثل ذلك ) أي فلو اختلفا [ ص: 89 ] في المثل فقال الأجير استأجرتني لعدد كذا وزاد المستأجر صدق الأجير ، لأن الأصل عدم الزيادة على ما قاله ، ويحتمل وهو الظاهر أنهما يتحالفان وبعد التحالف يفسخ العقد ويرجع المستأجر في الأجرة إن سلمها وإلا سقطت عنه ( قوله : كلام المتولي الأخير ) هو قوله ولو استأجره لرعي غنمه إلخ ( قوله : مريد الشراء ) وبقي ما لو أخذه مريد الإجارة أو القراض أو الارتهان ليتأمله أيعجبه فيرتهنه أو يستأجره أو يقترضه أو نحو ذلك وينبغي أن يقال فيه إن كان ذلك وسيلة لما يضمن إذا عقد عليه كالقرض وكالتزوج به والمخالعة عليه والصلح عليه صلح معاوضة ضمنه إذا تلف قبل العقد وإن أخذه لما لا يضمن كالاستئجار والارتهان لم يضمنه إذا تلف بلا تقصير وهو في يده إعطاء الوسيلة حكم المقصد .

                                                                                                                            ( قوله : له قدرة ) أي البائع أو المشتري ( قوله بعد رد الثمن ) أفهم أنه لا يجوز بيعه قبل رد الثمن وهو ظاهر إن قلنا بعدم امتناع الحبس في الفسوخ وكلامه هنا يقتضي ترجيحه أما إن قلنا بعدم جواز الحبس ووجوب الرد على من طلبت العين منه بعد الفسخ ففيه نظر والقياس صحته ( قوله : مضمون جميعه ) وفيما يضمن به خلاف الراجح منه أن قيمته يوم التلف ونقل بالدرس عن فتاوى الشارح ما يوافقه وعن والده أنه يضمن بأقصى القيم قضيته أن هذا الخلاف جار في المستلم سواء كان مثليا أو متقوما ( قوله : لم يضمن سوى النصف إلخ ) لو كان [ ص: 90 ] المأخوذ بالسوم ثوبين متقاربي القيمة وقد أراد شراء أعجبهما إليه فقط وتلف فهل يضمن أكثرهما قيمة أو أقلهما لجواز أنه كان يعجبه الأقل قيمة والأصل براءة الذمة من الزيادة فيه نظر ولعل الثاني أقرب ا هـ سم على حج وهو يفيد أنه لا فرق في عدم الضمان للكل بين كون ما يسومه متصل الأجزاء كثوب يريد شراء بعضه وكونه غير متصل كالثوبين اللذين يريد أخذ واحد منهما .

                                                                                                                            لا يقال كل من الثوبين مأخوذ بالسوم لأنه كما يحتمل أن يشتري هذا يحتمل أن يشتري الآخر .

                                                                                                                            لأنا نقول هذا بعينه موجود في الثوب الواحد لأنه كما يحتمل أن يأخذه النصف من الطرف الأعلى يجوز أن يأخذه من الأسفل ( قوله وهو كذلك ) أي ثم ينزل المشتري من المعير منزلة المعير فيخير بين قلعه وغرامة أرش النقص ويملكه بالقيمة وتبقيته بالأجرة



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ومثله ) أي ومثل ما ذكر في جواز بيعه . ( قوله : مشاعا ) أي إذا كان قدرا معلوما بالجزئية كما في شرح الروض . ( قوله : بل يجب ) أي عند المشاحة كما هو ظاهر ( قوله : نعم أو أكرى صباغا إلخ ) عبارة الشهاب حج : لا مستأجر لصبغه أو قصارته مثلا وقد تسلمه الأجير ، كذا قالاه ، وحمل على أنه مجرد تصوير لا قيد ، فلا يجوز التصرف فيه قبل العمل مطلقا أو بعده وقبل تسليم الأجرة انتهت .

                                                                                                                            فالضمير في قوله وحمل راجع إلى قول الشيخين وقد تسلمه الأجير بدليل ما قرره بعده وبها تعلم ما في كلام الشارح . ( قوله : لإمكان حمل ذلك إلخ ) أي لو حمل ما هنا على ما إذا تصرف بغير الإبدال كما هو في كلام الشهاب حج الذي ما هنا عبارته .

                                                                                                                            واعلم أنا إذا نظرنا إلى هذا الحمل لم يتأت ما قدمه من أن ما قاله الشيخان مجرد تصوير كما نبه عليه ذلك الشهاب سم في عبارة حج . ( قوله : كذا قاله المتولي ) يعني الاستئجار لرعي الغنم وحفظ المتاع ، ولا يصح كون [ ص: 89 ] الإشارة لمسألة الصبغ والقصارة أيضا وإن كانت منقولة أيضا عن المتولي ; لأنه أعقبها بما ليس من كلام المتولي كما مر ، وحينئذ فالذي يفهم من سياقه أن الضمير في قوله وهو مبني إلخ يرجع إلى مسألة الغنم والحفظ خاصة ، فكان ينبغي حذف قوله أو لا من قوله على أنه هل يجوز إبدال المستوفى به أو لا إذ المسألة المذكورة مبنية على جواز الإبدال لا غير ، واعلم أن الشارح هنا تصرف في عبارة الشهاب حج في مسألة الصبغ والقصارة ، وقد علمت ما في تصرفه فيها ثم تصرف في عبارة شرح الروض وفي عبارة والده في حواشيه في مسألة الغنم والحفظ بما لا ينبغي كما يعلم ذلك بسوق حاصل ما في شرح الروض وحواشيه ، وحاصل ذلك أن الروض لما تكلم على مسألة الصبغ والقصارة بما يوافق ما مر هنا ، قال شارحه عقبه : كذا جزم به الأصل ، ونقله في المجموع عن المتولي وغيره ، ثم نقل أعني شارح الروض بعد ذلك مسألة الرعي والحفظ عن المتولي أيضا ، ثم قال عقبه : وهذا الاختلاف مبني على أنه هل يجوز إبدال المستوفى به أو لا ؟ وسيأتي بيانه في باب الإجارة ، وقد يفرق بأن كلا من الصبغ والقصارة عين فساغ حبسه كسائر الأعيان ، بخلاف الرعي والحفظ انتهى ما في شرح الروض .

                                                                                                                            ونازعه والد الشارح في فرقه المذكور ثم قال : ويمكن حمل كلام المتولي الأخير على تصرفه فيه بعد الإبدال إلخ ، فاسم الإشارة في كلام شرح الروض الذي أبدله الشارح بالضمير مرجعه الاختلاف الذي وقع للمتولي كما ترى ، ومعناه أن المتولي بنى مسألة الصبغ والقصارة على عدم جواز إبدال المستوفى به وهو الضعيف ، وبنى مسألة الرعي والحفظ على الصحيح من جواز إبداله ، ثم أشار بفرقه الذي ذكره إلى جواز بناء المسألتين على الصحيح المذكور والفرق بينهما بما ذكره وإن نازع فيه والد الشارح ، وبهذا تعلم ما في تصرف الشارح المذكور . ( قوله : قدرة على انتزاعه ) [ ص: 90 ] أي أو كان المشتري كذلك




                                                                                                                            الخدمات العلمية