الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4404 ) مسألة قال : ( ومن وقف في مرضه الذي مات فيه ، أو قال : هو وقف بعد موتي . ولم يخرج من الثلث ، وقف منه بقدر الثلث ، إلا أن تجيز الورثة ) وجملته أن الوقف في مرض الموت ، بمنزلة الوصية ، في اعتباره من ثلث المال ; لأنه تبرع ، فاعتبر في مرض الموت من الثلث ، كالعتق والهبة

                                                                                                                                            وإذا خرج من الثلث ، جاز من غير رضا الورثة ولزم ، وما زاد على الثلث ، لزم الوقف منه في قدر الثلث ، ووقف الزائد على إجازة الورثة . لا نعلم في هذا خلافا عند القائلين بلزوم الوقف ; وذلك لأن حق الورثة تعلق بالمال بوجود المرض ، فمنع التبرع بزيادة على الثلث ، كالعطايا والعتق . فأما إذا قال : هو وقف بعد موتي . فظاهر كلام الخرقي أنه يصح ، ويعتبر من الثلث كسائر الوصايا

                                                                                                                                            وهو ظاهر كلام الإمام أحمد . وقال القاضي : لا يصح هذا ; لأنه تعليق للوقف على شرط ، وتعليق الوقف على شرط غير جائز ، بدليل ما لو علقه على شرط في حياته ، وحمل كلام الخرقي على أنه قال : قفوا بعد موتي . [ ص: 366 ] فيكون وصية بالوقف لا إيقافا .

                                                                                                                                            وقال أبو الخطاب : قول الخرقي هذا يدل على جواز تعليق الوقف على شرط . ولنا على صحة الوقف بالمعلق بالموت ، ما احتج به الإمام أحمد رضي الله عنه أن عمر وصى ، فكان في وصيته : هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث ، أن ثمغا صدقة . وذكر بقية الخبر وقد ذكرناه في غير هذا الموضع ، ورواهأبو داود بنحو من هذا ، وهذا نص في مسألتنا ، ووقفه هذا كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                            ولأنه اشتهر في الصحابة ، فلم ينكر ، فكان إجماعا ، ولأن هذا تبرع معلق بالموت ، فصح كالهبة والصدقة المطلقة ، أو نقول : صدقة معلقة بالموت ، فأشبهت غير الوقف . ويفارق هذا التعليق على شرط في الحياة ، بدليل الهبة المطلقة ، والصدقة ، وغيرهما ، وذلك لأن هذا وصية ، والوصية أوسع من التصرف في الحياة ، بدليل جوازها بالمجهول والمعدوم ، وللمجهول ، وللحمل

                                                                                                                                            وغير ذلك ، وبهذا يتبين فساد قياس من قاس على هذا الشرط بقية الشروط .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية