الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ القول في أقسام التفويض ]

                                                                                                                                            والتفويض ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : تفويض البضع .

                                                                                                                                            والثاني : تفويض المهر .

                                                                                                                                            [ القسم الأول ]

                                                                                                                                            فأما تفويض البضع : فهو أن يتزوج الرجل المرأة الثيب من وليها بإذنها ، ورضاها ، على ألا مهر لها ، فهذا نكاح التفويض ؛ لأنها سلمت نفسها بغير مهر ، وهو نكاح صحيح ثابت ، لما دللنا عليه من قول الله تعالى : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن ، [ ص: 473 ] ومعناه ولم تفرضوا لهن فريضة ، فأقام " أو " مقام " لم " على وجه البدل مجازا .

                                                                                                                                            وقال بعض أهل العربية : في هذا الكلام حذف ، وتقديره : فرضتم أو لم تفرضوا لهن فريضة .

                                                                                                                                            والفريضة : المهر المسمى ، سمي فريضة ؛ لأن فرضه لها ، بمعنى أوجبه لها ، كما يقال : فرض الحاكم النفقة إذا أوجبها ، فلما رفع عنه الجناح وأثبت فيه الطلاق دل على صحته .

                                                                                                                                            ولأن المقصود من النكاح التواصل بين المتناكحين ، والمهر تبع ، بخلاف البيع الذي مقصوده ملك الثمن والمثمن ، فبطل النكاح بالجهل بالمتناكحين ؛ لأنه مقصود ، ولم يبطل بالجهل بالمهر ؛ لأنه غير مقصود ، كما أن البيع يبطل بالجهل بالثمن أو المثمن ؛ لأنه مقصود ، ولا يبطل بالجهل بالمتبايعين ؛ لأنه غير مقصود ، وإذا صح نكاح التفويض بما ذكرنا لم يجب للمفوضة بالعقد مهر لاشتراط سقوطه ، ولا لها أن تطالب بمهر ؛ لأنه لم يجب لها بالعقد مهر ، ولكن لها أن تطالب بأن يفرض لها مهرا ؛ إما بمراضاة الزوجين ، أو بحكم الحاكم ، فيصير المهر بعد الفرض كالمسمى في العقد ، أو أن يدخل الزوج بها ، فيجب لها بالدخول مهر .

                                                                                                                                            فإن مات عنها قبل الدخول ، ففي وجوب المهر قولان على ما سنذكره ، فيصير المهر مستحقا بأحد أربعة أمور :

                                                                                                                                            إما بأن يفرضاه عن مراضاة ، وإما بأن يفرضه الحاكم بينهما ، وإما بالدخول بها ، وإما بالموت على أحد القولين :

                                                                                                                                            فإن قيل : فلم فرضتم لها مهرا ، وقد شرط أن ليس لها مهر ؟

                                                                                                                                            قيل : لتخرج عن حكم الموهوبة بغير مهر التي خص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكون الشرط محمولا على ألا مهر لها بالعقد .

                                                                                                                                            فإن قيل : فلو نكحها على ألا مهر لها بحال ؟

                                                                                                                                            قيل : في النكاح حينئذ وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو قول أبي علي بن أبي هريرة - : أن النكاح باطل ؛ لأن التزام هذا الشرط يجعلها كالموهوبة التي جعل النبي صلى الله عليه وسلم بها مخصوصا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني - وهو قول أبي إسحاق المروزي - : أن النكاح صحيح ، والشرط باطل ؛ لأن شروط المهر لا تؤثر في عقود المناكح .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية