الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفنا انتقل الكلام إلى صفة العظة والهجر والضرب .

                                                                                                                                            أما العظة : فهو أن يخوفها بالله تعالى وبنفسه ، فتخويفها بالله أن يقول لها : اتق الله وخافيه ، واخشي سخطه واحذري عقابه ؛ فإن التخويف بالله تعالى من أبلغ الزواجر في ذوي الدين ، وتخويفها من نفسه أن يقول لها : إن الله تعالى قد أوجب لي عليك حقا إن منعتيه أباحني ضربك ، وأسقط عني حقك ، فلا تضري نفسك بما أقابلك على نشوزك ، إن نشزت بالضرب المؤلم وقطع النفقة الدارة ؛ فإن تعجيل الوعيد أزجر لمن قلت مراقبته .

                                                                                                                                            وهذه العظة ، وإن كانت على خوف نشوز لم يتحقق ، فليس يضاره ؛ لأنه إن كانت الأمارات التي ظهرت منها لنشوز تبديه كفها عنه ومنعها منه ، وإن كان لغيره من هم طرأ عليها ، أو لفترة حدثت منها ، أو لسهو لحقها ، لم يضرها أن تعلم ما حكم الله تعالى به في النشوز ، وأما الهجر نوعان :

                                                                                                                                            أحدهما : في الفعل . والثاني : في الكلام .

                                                                                                                                            فأما الهجر في الفعل ، فهو المراد بالآية ، وهو الإعراض عنها ، وألا يضاجعها في فراش أو يوليها ظهره فيه ، أو يعتزلها في بيت غيره .

                                                                                                                                            أما هجر الكلام ، فهو الامتناع من كلامها .

                                                                                                                                            قال الشافعي : لا أرى به بأسا ، فكأنه يرى أن الآية ، وإن لم تضمنه فهي من إحدى الزواجر إلا أن هجر الفعل يجوز أن يستديمه الزوج بحسب ما يراه صلاحا .

                                                                                                                                            فأما هجر الكلام فلا يجوز أن يستديمه أكثر من ثلاثة أيام ؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه قال : لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، والسابق أسبقهما إلى الجنة .

                                                                                                                                            وأما الضرب فهو ضرب التأديب والاستصلاح ، وهو كضرب التعزير لا يجوز أن يبلغ به أدنى الحدود ، ويتوقى بالضرب أربعة أشياء : أن يقتل أو يزمن أو يدمي أو يشين ، قال الشافعي : ولا يضربها ضربا مبرحا ولا مدميا ولا مزمنا ، ويقي الوجه ، فالمبرح القاتل ، [ ص: 599 ] والمدمي إنهار الدم ، والمزمن تعطيل إحدى أعضائها ، ضرب الوجه يشينها ويقبح صورتها .

                                                                                                                                            وقد روى ابن المبارك ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده قال : قلت : يا رسول الله نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر ، قال : حرثك ، فأت حرثك أنى شئت غير أن تضرب الوجه ، ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت ، وأطعم إذا أطعمت ، واكس إذا اكتسيت ، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض .

                                                                                                                                            وروى بشر عن عكرمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اضربوهن إذا عصينكم في المعروف ضربا غير مبرح ، وإذا كان كذلك توقى شدة الضرب ، وتوقى ضرب الوجه ، وتوقى المواضع القاتلة من البدن كالفؤاد والخاصرة ، وتوقى أن توالي الضرب موضعا فينهر الدم ، فإن ضربها فماتت من الضرب ، نظر ؛ فإن كان مثله قاتلا فهو قاتل عمد ، وعليه القود ، وإن كان مثله يقتل ولا يقتل فهو خطأ شبه العمد ، فعليه الدية مغلظة يتحملها عند العاقلة ، وعليه الكفارة في الحالين ، وبان بإفضاء الضرب إلى القتل أنه كان غير مباح ، كما تقوله في التعزير ، وضرب المعلم الصبيان .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية