الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( المسألة السابعة ) تقول الوتد في الحائط والحائط في الأرض ينتج قوله الوتد في الأرض وهو خبر كاذب ، فإن الوتد ليس في الأرض فقد أنتج الصادق الكاذب فيلزم المحال كما تقدم .

والجواب أن هذا الكلام فيه توسع وهو قولك الحائط في الأرض فإنه لم يغب بجملته في الأرض بل أبعاضه فهو مجاز من باب إطلاق الجزء على الكل فلو كان اللفظ حقيقة ، وأن جملة الحائط في الأرض كان الوتد في الأرض خبرا ، وكان الخبر حقا كقولنا المال في الكيس والكيس في الصندوق فالمال في الصندوق وهذا خبر حق ؛ لأنه ليس فيه توسع بخلاف الحائط في الأرض فإن قلت ظرف الزمان والمكان ليس من شرطه الإحاطة كقوله تعالى { له ما في السماوات وما في الأرض } والمراد ما على ظهرهما وكقوله تعالى { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } وهو إنما يعبد فوق ظهرهما فاللفظ حقيقة وكذلك إذا قلنا زيد عندك حقيقة وإن لم يغب في المكان الذي أنت فيه ، وكذلك زيد في الزمان ليس معناه الإحاطة لأن معنى الزمان هو اقتران حادث بحادث والاقتران نسبة وإضافة لم تحط بزيد كإحاطة ثوبه إنما هي في تينك الحادثين لا يتعداهما ، وكذلك إذا فسرنا الزمان بحركات الأفلاك فإن الحركة قائمة في الفلك لم تحط بزيد وغيره من حوادث الأرض بل المحيط هو الفلك وحده فظهر حينئذ أن تسمية الزمان والمكان ظرفين ليس معنى ذلك الغيبة فيهما وإحاطتهما بالمظروف فبطل ما ذكرتموه من التوسع ، وبطل أيضا ما يعتقده كثير من النحاة من الظرفية الحقيقية قلت إذا [ ص: 61 ] ألزمت هذا أقول الوتد في الأرض حقيقة ، ويكون الخبر صادقا ولا محال حينئذ ، والسؤال والإشكال إنما جاء من قبل أن الوتد ليس مغيبا في الأرض ، أما على هذا التقدير فلا يلزم إشكال ولا يضرنا إلزام ما ذكرته فالسؤال ذاهب على كل تقدير وهو المقصود .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

[ ص: 60 ] قال ( المسألة السابعة )

تقول الوتد في الحائط والحائط في الأرض فالوتد في الأرض ( إلخ ) قلت ما ذكره في الجواب أيضا صحيح ظاهر الأقولة وكقوله تعالى { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } وهو إنما يعبد فوق ظهرهما فاللفظ حقيقة فإن الفوقية الحقيقية تقتضي الاستقرار ، والاستقرار يقتضي المماسة وذلك من صفات الحوادث فإن كان أراد ظاهر ذلك اللفظ فهو خطأ .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( المسألة السابعة ) إذا قلنا إن معنى تسمية [ ص: 58 ] الزمان والمكان ظرفين ليس هو غيبة المظروف فيهما وإحاطتهما به كما هو مقتضى ما يعتقده كثير من النحاة من الظرفية الحقيقية نظرا إلى أن معنى الزمان إما اقتران حادث بحادث ، والاقتران نسبة وإضافة لم تحط بزيد كإحاطة ثوبه إنما هي في ذينك الحادثين لا تتعداهما ، وإما حركات الأفلاك والحركة قائمة في الفلك لم تحط بزيد وغيره من حوادث الأرض بل المحيط هو الفلك وحده ، وأن نحو زيد عندك حقيقة وإن لم يغب في المكان الذي أنت فيه ، والمراد بقوله تعالى { له ما في السماوات وما في الأرض } له ما على ظهرهما كان الخبر الناشئ من المقدمتين في نحو قولك الوتد في الحائط والحائط في الأرض ينتج الوتد في الأرض صادقا لا إشكال فيه وإن قلنا معنى ذلك غيبة المظروف فيهما وإحاطتهما به كما يقتضيه الظرفية الحقيقية كان الخبر المذكور كاذبا فإن الوتد ليس في الأرض إلا أن كذبه من جهة فوات شرط الإنتاج الذي هو اتحاد الوسط فإنك هنا لم تأخذ عين خبر المقدمة الأولى فتجعله مبتدأ في الثانية كما هو ضابط الاتحاد بل مفعوله بواسطة حرف الجر وجعلته مبتدأ في الثانية على أنا لا نسلم كذب الخبر الناشئ عن المقدمتين المذكورتين على هذا التقدير بل هو صادق ؛ لأن المقدمة الثانية وهي الحائط في الأرض إن كانت حقيقة وإن كانت جملة الحائط في الأرض كان الوتد في الأرض خبرا حقا كقولنا المال في الصندوق الناشئ عن قولك المال في الكيس والكيس في الصندوق ، وإن كانت مجازا من باب إطلاق الكل على الجزء من حيث إن الحائط لم يغب بجملته في الأرض بل أبعاضه كان الخبر المذكور وهو الوتد في الأرض مجازا أيضا لعلاقة المجاورة فافهم




الخدمات العلمية