الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا أعطى رجل رجلا قلب فضة ، فقال : ارهنه لي عند رجل بعشرة دراهم وفي القلب عشرون - فأمسكه الوكيل عنده ، وأعطاه عشرة دراهم ، وقال : رهنته لك كما أمرتني ، ولم يقل رهنته عند أحد فهلك القلب عنده فإن تصادقا بالذي كان رجع بالعشرة وكان مؤتمنا في القلب ; لأنه لم يخالف ، فإن قبضه ، ففضل المقبوض في يده أمانة ، وهو كفيل على حفظه إلى أن هلك فهلك أمانة ، ويرجع بدينه ، ولا يكون هو بما صنع عاقدا عقد الرهن في القلب مع نفسه ، فيكون رهنا لا راهنا ، فلهذا لا يصير مستوفيا دينه بهلاك القلب وإن تجاحدا ، فقال : الآمر قد أقررت لي أنك رهنته ، فلا شيء لك علي ، فهو ، كما قال : لأن القابض قد أقر بالرهن ، ومن حكمه بإقراره أنه لا يجب على صاحب القلب شيء من العشرة بعد هلاك القلب ، والمقر بواحد بحكم إقراره ، ولكن يحلف صاحب القلب بالله : ما يعلمه أمسكه ; لأنه لو صدق في ذلك لرهنه إذا بعشرة فيحلف [ ص: 122 ] عند التكذيب لرجاء نكوله ، ولكنه يحلف على فعل الغير فيكون على الفعل فإن قيل : الاستحلاف يترتب على دعوى صحيحة ، ولم تصح الدعوى من المقر للتناقض ، فكيف يحلف الخصم ؟ قلنا : موضوع المسألة أنه قال : رهنته ، ولم يقل عند أحد ، فكان توفيقه بين الكلامين صحيحا أني رهنته عند نفسي ظنا منه أن ذلك صحيح ، وإذا تقدم التناقض ، بهذا التوقيف توجهت اليمين على الخصم ، وإن قال الآخر : قد أقررت أنك رهنته ثم زعمت أنك لم تفعل فأنت ضامن للقلب فله أن يضمنه قيمة القلب مصوغا من الذهب ، ويرجع بالعشرة قال : عيسى هذا غلط ، ولا معنى لإيجاب ضمان القيمة على الوكيل ; لأنه إن كان رهنه فليس عليه ضمان القيمة أيضا ، وليس هنا حالة ثالثة ، فبأي طريق يكون الوكيل ضامنا ؟ للقيمة ، وهذا نظير الظن الذي ذكرناه في ( كتاب الوديعة ) إذا ادعى المودع الهلاك ثم ادعى الرد ، ووجه ظاهر الرواية : أنه من حيث الظاهر قد تناقض كلامه ، ومع التناقض لا يقبل قوله ، فكأنه ساكت حابس للقلب ، فيضمن قيمته .

توضيحه : أنه لما قال : رهنته أوجب هذا الكلام أنه لم يبق لك عندي شيء فيجعل جاحدا الأمانة ، بهذا الطريق ، ومن نكل أمانة في يده ضمنها ; فلهذا كان له أن يضمن الوكيل قيمته .

التالي السابق


الخدمات العلمية