الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب وصية الصبي والوارث ( قال رحمه الله ) وإذا أوصى الصبي بوصية فوصيته باطلة سواء مات قبل الإدراك [ ص: 92 ] أو بعده عندنا وقال الشافعي : وصيته بما يرجع إلى الخير ويكون مستحسنا عند أهل الصلاح صحيحة يجب تنفيذها ، وكذلك الخلاف في المجنون واستدل في ذلك بحديث عمر رضي الله عنه أنه أجاز وصية غلام يفاع أو قال : يافع ، وهو الذي قارب البلوغ ولم يبلغ بعد ، وهذا ; لأن أوان وجوب الوصية ما بعد الموت وبالموت يستغني هو عن المال ، وإنما لا يصح تصرفه في حياته لمعنى النظر له حتى يبقى له المال فيصرفه إلى حوائجه بعد البلوغ ومعنى النظر له في تنفيذ وصيته إذا مات في ذلك ; لأنه يكتسب الزلفى والدرجة بعد ما استغنى عن المال بنفسه ، والدليل عليه أن الوصية أحب الميراث والصبي في الإرث عنه بعد الموت مساو للبالغ فكذلك في الوصية قال : ولا يلزمني على قولي هذا أن إسلامه لا يصح بنفسه ، وأن قبول الهبة والصدقة لا يصح ; لأن ما فيه منفعة للصبي إذا أمكن تحصيله له بوليه لا يعتبر فيه عقله ورشده .

وإذا لم يمكن تحصيله بوليه يعتبر فيه عقله ورشده توفيرا للمنفعة عليه والإسلام يحصل له بغيره ، وكذلك قبول الهبة والصدقة فأما اكتساب الأجر بالوصية فلا يمكن تحصيله له بغيره فلا بد من اعتبار عقله فيه وأصحابنا رحمهم الله يقولون : هذا تمليك المال بطريق التبرع ، ولا يصح من الصبي والمجنون كالهبة والصدقة ، وهذا ; لأن اعتبار عقله فيما ينفعه دون ما يضره .

( ألا ترى ) أنه لم يعتبر عقله في حق الطلاق والعتاق ; لأن ذلك يضره باعتبار أصل الوضع فكذلك تمليك المال بطريق التبرع فيه ضرر باعتبار أصل الوضع .

وإن تصور في الوصية منفعة فذلك باعتبار الحال ، وفي التصرفات يعتبر أصل الوضع لا الأحوال ( ألا ترى ) أن الطلاق قد ينفعه في بعض الأحوال بأن يطلق امرأته الفقيرة ويتزوج بأختها الموسرة ولم يعتبر هذا فهذا مثله ، وكما أن منفعة الوصية لا يمكن تحصيلها له بوليه فمنفعة الهبة والصدقة من حيث الأجر وصلة الرحم لا يمكن تحصيلها بوليه ، وهذا لا يدل على أنه كان يملك ذلك بنفسه وتأويل حديث عمر رضي الله عنه أنه كان الغلام بالغا ولكنه كان قريب العهد بالبلوغ ومثله يسمى يافعا بطريق المجاز .

( ألا ترى ) أنه لم يستفسر وصيته كانت بعمل القربة أو بغيره وكذلك لو قال الصبي : إذا أدركت ، ثم مت فثلثي لفلان فهو باطل ; لأن قول الصبي هدر في التبرعات كما هو هدر في الطلاق والعتاق ، ثم لا يصح منه إضافة الطلاق والعتاق إلى ما بعد البلوغ كما لا يصح منه غيرهما فكذلك إضافة التبرع ، وهذا بخلاف المكاتب إذا قال : إذا أعتقت فثلث مالي وصية لفلان ; لأن المكاتب مخاطب له قول ملزم في حق نفسه فيصح إضافة التبرع إلى حالة حقيقة ملكه فأما الصبي فغير مخاطب [ ص: 93 ] وليس له قول ملزم في التبرعات أصلا فأما المكاتب إذا أوصى بثلث ماله ، ثم أدى فعتق ، ثم مات فعند أبي حنيفة الوصية باطلة وعند أبي يوسف هي صحيحة ، وهذا نظير ما سبق في كتاب العتاق

التالي السابق


الخدمات العلمية