2 - تفاضل أهل الإيمان .
وأهله فيه على تفاضل هل أنت كالأملاك أو كالرسل
.
هذه هي المسألة الثانية ، وهي
nindex.php?page=treesubj&link=30483تفاضل أهل الإيمان فيه ، كما ذكر الله - تبارك
[ ص: 1008 ] وتعالى - أقسامهم التي قسمهم عليها بمقتضى حكمته ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ) ، ( فاطر 32 ) الآيات .
فقسم تعالى الناجين منهم إلى مقتصدين ، وهم الأبرار أصحاب اليمين ، الذين اقتصروا على التزام الواجبات واجتناب المحرمات ، فلم يزيدوا على ذلك ولم ينقصوا منه ، وإلى سابق بالخيرات ، وهم المقربون الذين تقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض ، وتركوا ما لا بأس به خوفا مما به بأس ، وما زالوا يتقربون إلى الله تعالى بذلك حتى كان سمعهم الذي يسمعون به ، وبصرهم الذي يبصرون به ، إلى آخر معنى الحديث السابق ، فبه يسمعون وبه يبصرون ، وبه يبطشون وبه يمشون ، وبه ينطقون وبه يعقلون ، يسبحون الليل والنهار لا يفترون . وأما الظالم لنفسه ففي المراد به عن السلف الصالح قولان :
( أحدهما ) : أن المراد به الكافر ، فيكون كقول الله - عز وجل - في تقسيمهم في سورة الواقعة عند البعث (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=7وكنتم أزواجا ثلاثة nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=8فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=9وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10والسابقون السابقون nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أولئك المقربون ) ، ( الواقعة 7 - 11 ) إلى آخر الآيات .
وقسمهم عند الاحتضار كذلك ، فقال - عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=88فأما إن كان من المقربين nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=89فروح وريحان وجنة نعيم nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=90وأما إن كان من أصحاب اليمين nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=91فسلام لك من أصحاب اليمين nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=92وأما إن كان من المكذبين الضالين nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=93فنزل من حميم nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=94وتصلية جحيم ) ، ( الواقعة 88 - 94 ) ، فإن تفاضل أهل الإيمان في تقسيم هذه السورة ، إنما هو على درجتين : سابقين مقربين ، وأبرار هم أصحاب اليمين . وأما أصحاب الشمال الذين هم المكذبون الضالون ، فليسوا من أهل الإسلام باتفاق ، وإنما الخلاف في الظالم نفسه في آية فاطر .
والقول الثاني : أن المراد به
nindex.php?page=treesubj&link=30525_30526_30443عصاة الموحدين ، فإنهم ظالمون لأنفسهم ، ولكن ظلم دون ظلم ، لا يخرج من الدين ولا يخلد في النار ، فعلى هذا يكون قسم
[ ص: 1009 ] ثالث في تفاضل أهل الإيمان . ورجح هذا القول ابن القيم - رحمه الله تعالى ، فإذا كان هذا التفاوت بين أتباع الرسل ، فكيف تفاوت ما بينهم وبين رسلهم ، وقد ذكر الله - تبارك وتعالى - أن الرسل متفاضلون ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=253تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات ) ، ( البقرة 253 ) ، وقد تقدم تقرير ذلك في موضعه .
وكما أخبر الله - تبارك وتعالى - عن تفاوتهم في الإيمان في دار التكليف ، كذلك جعل الجنة التي هي دار الثواب متفاوتة الدرجات مع كون كل منهم فيها ، فقال في سورة الرحمن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=46ولمن خاف مقام ربه جنتان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=47فبأي آلاء ربكما تكذبان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=48ذواتا أفنان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=49فبأي آلاء ربكما تكذبان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=50فيهما عينان تجريان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=51فبأي آلاء ربكما تكذبان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=52فيهما من كل فاكهة زوجان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=53فبأي آلاء ربكما تكذبان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=54متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=55فبأي آلاء ربكما تكذبان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=57فبأي آلاء ربكما تكذبان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=58كأنهن الياقوت والمرجان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=59فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ، ( الرحمن 46 - 59 ) إلى آخر السورة .
وكذا في سورة الواقعة أخبر بصفة الجنة التي يدخلها السابقون أعظم وأعلى من صفات الجنة التي يدخلها أصحاب اليمين ، وكذلك في سورة المطففين ، قال - تبارك وتعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=22إن الأبرار لفي نعيم nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=35على الأرائك ينظرون nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=24تعرف في وجوههم نضرة النعيم nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=25يسقون من رحيق مختوم nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=26ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=27ومزاجه من تسنيم nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=28عينا يشرب بها المقربون ) ، ( المطففين 22 - 28 ) وغير ذلك من الآيات .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025413جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن .
[ ص: 1010 ] nindex.php?page=treesubj&link=30401وأهل الجنة متفاوتون في الدرجات ، حتى إنهم يتراءون ، أهل عليين يرون غرفهم من فوقهم كما يرى الكوكب في الأفق الشرقي أو الغربي ، ومتفاوتون في الأزواج ، ومتفاوتون في الفواكه من المطعوم والمشروب ، ومتفاوتون في الفرش والملبوسات ، ومتفاوتون في الملك ، ومتفاوتون في الحسن والجمال والنور ، ومتفاوتون في قربهم من الله - عز وجل ، ومتفاوتون في تكثير زيارتهم إياه ، ومتفاوتون في مقاعدهم يوم المزيد ، ومتفاوتون تفاوتا لا يعلمه إلا الله - عز وجل .
وقد قدمنا أحاديث الشفاعة وفيها أن عصاة الموحدين الذين تمسهم النار بقدر ذنوبهم متفاوتون تفاوتا بعيدا : متفاوتون في مقدار ما تأخذ منهم ، فمنهم من تأخذه النار إلى كعبيه ، ومنهم من تأخذه إلى أنصاف ساقيه ، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من تأخذه إلى حقويه ، ومنهم من تأخذه كله إلا مواضع السجود .
وكذلك يتفاوتون في مقدار لبثهم فيها ، وسرعة خروجهم منها ; لأنهم متفاوتون في الإيمان والتوحيد ، الذي بسببه يخرجون منها ، ولولاه لكانوا مع الكافرين خالدين مخلدين أبدا . فيقال للشفعاء : أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان ، ثم من كان في قلبه نصف دينار من إيمان ، ثم من كان في قلبه وزن برة من إيمان ، ثم من كان في قلبه ذرة من إيمان ، ثم من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من إيمان ، فأين هذا ممن الإيمان في قلبه مثل الجبل العظيم ؟ ! وأين من نوره على الصراط كالشمس ، ممن نوره على إبهام قدمه ينونص تارة ويطفأ أخرى ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=35أفنجعل المسلمين كالمجرمين nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=36ما لكم كيف تحكمون ) ، ( القلم 36 ) .
وفي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025414بينا أنا نائم ، رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص ، فمنها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما يبلغ دون ذلك ، وعرض علي عمر وعليه قميص يجره ، قالوا " فما أولته يا رسول الله ؟ قال : الدين .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة : أدركت
[ ص: 1011 ] ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخاف النفاق على نفسه ، ما منهم أحد يقول : إنه على إيمان
جبريل وميكائيل . ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري تعليقا مجزوما به .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025415ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه ، وقال - صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025416nindex.php?page=treesubj&link=20193_20191_25448من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه : لو وزن إيمان
أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض - رحمه الله - أول الأنفال حتى بلغ (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=4أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ) ، ( الأنفال 4 ) قال حين فرغ : إن هذه الآية تخبرك أن الإيمان قول وعمل ، وأن المؤمن إذا كان مؤمنا حقا ، فهو من أهل الجنة ، فمن لم يشهد أن المؤمن حقا من أهل الجنة ، فهو شاك في كتاب الله مكذب به ، أو جاهل لا يعلم ، فمن كان على هذه الصفة ، فهو مؤمن حقا مستكمل الإيمان ، ولا يستكمل الإيمان إلا بالعمل ، ولا يستكمل عبد الإيمان ولا يكون مؤمنا حقا حتى يؤثر دينه على شهوته ، ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه . يا سفيه ، ما أجهلك ، لا ترضى أن تقول : أنا مؤمن حتى
[ ص: 1012 ] تقول : أنا مؤمن حقا مستكمل الإيمان . والله ، لا تكون مؤمنا حقا مستكمل الإيمان حتى تؤدي ما افترض الله عليك ، وتجتنب ما حرم الله عليك ، وترضى بما قسم الله لك ، ثم تخاف مع هذا أن لا يقبل الله منك .
ووصف
فضيل الإيمان بأنه قول وعمل ، وقرأ (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) ، ( البينة 5 ) ، فقد سمى الله تعالى دين القيمة بالقول والعمل ، فالقول الإقرار بالتوحيد والشهادة للنبي - صلى الله عليه وسلم ، والعمل أداء الفرائض واجتناب المحارم ، وقرأ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=54واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=55وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا ) ، ( مريم 55 ) ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا ) ، ( الشورى 13 ) ، فالدين التصديق بالعمل كما وصفه الله تعالى ، وكما أمر أنبياءه ورسله بإقامته ، والتفرق فيه ترك العمل والتفريق بين القول والعمل ، قال الله - تبارك وتعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=11فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ) ، ( التوبة 11 ) ، فالتوبة من الشرك جعلها الله تعالى قولا وعملا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة .
وقال أصحاب الرأي : ليس الصلاة ولا الزكاة ولا شيء من الفرائض من الإيمان ، افتراء على الله وخلافا لكتابه وسنة نبيه ، ولو كان القول كما يقولون ، لم يقاتل
أبو بكر أهل الردة .
وقال
فضيل :
nindex.php?page=treesubj&link=28648يقول أهل البدع : الإيمان الإقرار بلا عمل ، والإيمان واحد ، وإنما
nindex.php?page=treesubj&link=30483يتفاضل الناس بالأعمال ولا يتفاضلون بالإيمان . قال : فمن قال ذلك ، فقد خالف الأثر ، ورد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024737الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أفضلها لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان .
وتفسير من يقول الإيمان لا يتفاضل ، يقول : إن فرائض
[ ص: 1013 ] الله ليست من الإيمان ، فميز أهل البدع العمل من الإيمان ، وقالوا : إن فرائض الله ليست من الإيمان ، ومن قال ذلك ، فقد أعظم الفرية ، أخاف أن يكون جاحدا للفرائض ، رادا على الله أمره .
ويقول أهل السنة : إن الله تعالى قرر العمل بالإيمان ، وإن فرائض الله من الإيمان . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=7والذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ، ( العنكبوت 7 ) ، فهذا موصول العمل بالإيمان .
ويقول أهل الإرجاء : لا ، ولكنه مقطوع غير موصول .
وقال أهل السنة : قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ) ، ( النساء 124 ) فهذا موصول ، وأهل الإرجاء يقولون : بل هو مقطوع .
وقال أهل السنة : قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن ) ، ( الإسراء 19 ) فهذا موصول ، وكل شيء في القرآن من أشباه هذا ، فأهل السنة يقولون : هو موصول مجتمع ، وأهل الإرجاء يقولون : بل هو مقطوع متفرق ، ولو كان الأمر كما يقولون ، كان من عصى وارتكب المعاصي والمحارم لم يكن عليه سبيل ، فكان إقراره يكفيه من العمل ، فما أسوأ هذا من قول وأقبحه ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وقال
فضيل : أصل الإيمان عندنا وفرعه بعد الشهادة لله بالتوحيد ، والشهادة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالبلاغ ، وبعد أداء الفرائض ، صدق الحديث ، وحفظ الأمانة ، وترك الخيانة ، والوفاء بالعهد ، وصلة الرحم ، والنصيحة لجميع المسلمين ، والرحمة للناس عامة .
قيل له - يعني :
فضيلا - هذا من رأيك ، تقوله أو سمعته ؟ قال : بل سمعناه وتعلمناه ، ولو لم آخذه من أهل الفقه والفضل ، لم أتكلم به . وقال
فضيل : يقول أهل الإرجاء : الإيمان قول بلا عمل ، ويقول
الجهمية : الإيمان المعرفة بلا قول ولا عمل ، ويقول أهل السنة : الإيمان المعرفة والقول والعمل ، فمن قال الإيمان قول وعمل ، فقد أخذ بالوثيقة ، ومن قال الإيمان قول بلا عمل ، فقد خاطر ; لأنه لا
[ ص: 1014 ] يدري ، أيقبل إقراره أو يرد عليه بذنوبه ؟ وقال - يعني فضيلا : قد بينت لك إلا أن تكون أعمى .
وقال
فضيل : لو قال لي رجل : مؤمن أنت ؟ ما كلمته ما عشت . وقال : إذا قلت آمنت بالله ، فهو يجزيك من أن تقول أنا مؤمن ، وإذا قلت أنا مؤمن ، لا يجزيك من أن تقول آمنت بالله ; لأن آمنت بالله أمر . قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=136قولوا آمنا بالله ) ، ( البقرة 136 ) الآية ، وقولك أنا مؤمن تكلف ، لا يضرك أن لا تقوله ، ولا بأس إن قلته على وجه الإقرار ، وأكرهه على وجه التزكية .
وقال
فضيل : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري يقول :
nindex.php?page=treesubj&link=29676_30526_24589_28635من صلى إلى هذه القبلة ، فهو عندنا مؤمن ، والناس عندنا مؤمنون بالإقرار في المواريث والمناكحة والحدود والذبائح والنسك ، ولهم ذنوب وخطايا ، الله حسبهم ، إن شاء عذبهم ، وإن شاء غفر لهم ، لا ندري ما لهم عند الله - عز وجل .
وقال
فضيل : سمعت
المغيرة الضبي يقول :
nindex.php?page=treesubj&link=10014_28648من شك في دينه ، فهو كافر ، وأنا مؤمن إن شاء الله .
قال
فضيل : الاستثناء ليس بشك ، وقال
فضيل : المرجئة كلما سمعوا حديثا فيه تخويف ، قالوا : هذا تهديد ، وإن المؤمن يخاف تهديد الله وتحذيره وتخويفه ووعيده ويرجو وعده ، وإن المنافق لا يخاف تهديد الله ولا تحذيره ولا تخويفه ولا وعيده ولا يرجو وعده .
وقال
فضيل : الأعمال تحبط الأعمال ، والأعمال تحول دون الأعمال . قال
عبد الله : قال أبي : أخبرت ، عن
فضيل ، عن
ليث ، عن
مجاهد في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=269ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) ، ( البقرة 269 ) ، قال : الفقه والعلم ، اه من كتاب السنة .
وفيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال : القلوب أربعة : قلب أجرد كأنما
[ ص: 1015 ] فيه سراج يزهر ، فذلك قلب المؤمن ، وقلب أغلف ، فذلك قلب الكافر ، وقلب مصفح ، فذلك قلب المنافق ، وقلب فيه إيمان ونفاق ، ومثل الإيمان فيه كمثل شجرة يسقيها ماء طيب ، ومثل النفاق فيه كمثل قرحة يمدها قيح ودم ، فأيهما غلب عليه غلبه ، اه . وهذا الموقوف قد روي مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد جيد حسن ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد - رحمه الله تعالى : حدثنا
أبو النضر ، حدثنا
أبو معاوية ، حدثنا
شيبان ، عن
ليث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16718عمرو بن مرة ، عن
أبي البختري ، عن
أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025417القلوب أربعة : قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر ، وقلب أغلف مربوط على غلافه ، وقلب منكوس ، وقلب مصفح ، فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن ، سراجه فيه نوره ، وأما القلب الأغلف ، فقلب الكافر ، وأما القلب المنكوس ، فقلب المنافق ، عرف ثم أنكر ، وأما القلب المصفح ، فقلب فيه إيمان ونفاق ، ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها الدم والقيح ، فأي المادتين غلبت على الأخرى ، غلبت عليه .
والآيات والأحاديث وآثار الصحابة والتابعين في هذا الباب أكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تذكر ، والمقصود بيان أن الناس متفاوتون في الدين بتفاوت الإيمان في قلوبهم ، متفاضلون فيه بحسب ذلك ، فأفضلهم وأعلاهم أولو العزم من الرسل ، وأدناهم المخلطون من أهل التوحيد ، وبين ذلك مراتب ودرجات لا يحيط بها إلا الله - عز وجل - الذي خلقهم ورزقهم ، وكما يتفاوتون في مبلغ الإيمان من قلوبهم ، يتفاوتون في أعمال الإيمان الظاهرة ، بل والله ، يتفاضلون في عمل واحد يعمله كلهم في آن واحد وفي مكان واحد ، فإن الجماعة في الصلاة صافون كلهم في رأي العين ، مستوون في القيام والركوع والسجود ، والخفض والرفع ، والتكبير والتحميد ، والتسبيح والتهليل ، والتلاوة وسائر الأذكار ، والحركات والسكنات ، في مسجد واحد ، ووقت واحد وخلف إمام واحد ، وبينهم من التفاوت
[ ص: 1016 ] والتفاضل ما لا يحصى ، فهذا قرة عينه في الصلاة ، يود إطالتها ما دام عمره ، وآخر يرى نفسه في أضيق سجن ، يود انقضاءها في أسرع من طرفة عين ، أو يود الخروج منها ، بل يتندم على الدخول فيها ، وهذا يعبد الله على وجه الحضور والمراقبة ، كأنه يشاهده ، وآخر قلبه في الفلوات ، قد تشعبت به الضيعات وتفرقت به الطرقات ، حتى لا يدري ما يقول ولا ما يفعل ولا كم صلى ، وهذا ترفع صلاته تتوهج بالنور حتى تخترق السماوات إلى عرش الرحمن - عز وجل ، وهذا تخرج مظلمة لظلمة قلبه ، فتغلق أبواب السماء دونها ، فتلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها ، وهذا يكتب له أضعافها وأضعاف مضاعفة ، وهذا يخرج منها وما كتب له إلا نصفها إلا ربعها إلا ثمنها إلا عشرها ، وهذا يحضرها صورة ولم يكتب له منها شيء ، وهذا منافق يأتيها رئاء الناس ، ولا يؤمن بالله واليوم الآخر .
هذا والناظر إليهم يراهم مستوين في فعلها ، ولو كشف له الحجاب ، لرأى من الفرقان ما لا يقدر قدره إلا الله ، الرقيب على كل نفس بما كسبت ، الذي أحاط بكل شيء علما لا تخفى عليه خافية ، وكذلك الجهاد ، ترى الأمة من الناس يخرجون فيه مع إمام واحد ، ويقاتلون عدوا واحدا على دين واحد ، متساوين ظاهرا في القوى والعدد ، فهذا يقاتل حمية وعصبية ، وهذا يقاتل رياء وسمعة ; لتعلم شجاعته ويرى مكانه ، وهذا يقاتل للمغنم ليس له هم غيره ، وهذا
nindex.php?page=treesubj&link=7920يقاتل ; لتكون كلمة الله هي العليا ، وذا هو المجاهد في سبيل الله لا لغيره ، وهذا هو الذي يكتب له بكل حركة أو سكون أو نصب أو مخمصة عمل صالح .
وهكذا الزكاة والصوم والحج ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وجميع أعمال الإيمان ، الناس فيها على هذا التفاوت والتفاضل بحسب ما وقر في قلوبهم من العلم واليقين ، وعلى ذلك يموتون ، وعليه يبعثون ، وعلى قدره يقفون في عرق الموقف ، وعلى ذلك الوزن والصحف ، وعلى ذلك تقسم الأنوار على الصراط ، وبحسب ذلك يمرون عليه ، ومن يبطأ به عمله لم يسرع به نسبه ، وبذلك يتسابقون في دخول الجنة ، وعلى حسبه رفع درجاتهم ، وبقدره تكون مقاعدهم من ربهم - تبارك وتعالى - في يوم المزيد ، وبمقدار ذلك ممالكهم فيها ونعيمهم ، والله يختص برحمته من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم .
2 - تُفَاضُلُ أَهْلِ الْإِيمَانِ .
وَأَهْلُهُ فِيهِ عَلَى تَفَاضُلٍ هَلْ أَنْتَ كَالْأَمْلَاكِ أَوْ كَالرُّسُلِ
.
هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ، وَهِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=30483تَفَاضُلُ أَهْلِ الْإِيمَانِ فِيهِ ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ - تَبَارَكَ
[ ص: 1008 ] وَتَعَالَى - أَقْسَامَهُمِ الَّتِي قَسَمَهُمْ عَلَيْهَا بِمُقْتَضَى حِكْمَتِهِ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ) ، ( فَاطِرٍ 32 ) الْآيَاتِ .
فَقَسَّمَ تَعَالَى النَّاجِينَ مِنْهُمْ إِلَى مُقْتَصِدِينَ ، وَهُمُ الْأَبْرَارُ أَصْحَابُ الْيَمِينِ ، الَّذِينَ اقْتَصَرُوا عَلَى الْتِزَامِ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ ، فَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَنْقُصُوا مِنْهُ ، وَإِلَى سَابِقٍ بِالْخَيْرَاتِ ، وَهُمُ الْمُقَرَّبُونَ الَّذِينَ تَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ ، وَتَرَكُوا مَا لَا بَأْسَ بِهِ خَوْفًا مِمَّا بِهِ بَأْسٌ ، وَمَا زَالُوا يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ حَتَّى كَانَ سَمْعَهُمِ الَّذِي يَسْمَعُونَ بِهِ ، وَبَصَرَهُمِ الَّذِي يُبْصِرُونَ بِهِ ، إِلَى آخِرِ مَعْنَى الْحَدِيثِ السَّابِقِ ، فَبِهِ يَسْمَعُونَ وَبِهِ يُبْصِرُونَ ، وَبِهِ يَبْطِشُونَ وَبِهِ يَمْشُونَ ، وَبِهِ يَنْطِقُونَ وَبِهِ يَعْقِلُونَ ، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ . وَأَمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فَفِي الْمُرَادِ بِهِ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ قَوْلَانِ :
( أَحَدُهُمَا ) : أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَافِرُ ، فَيَكُونُ كَقَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي تَقْسِيمِهِمْ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ عِنْدَ الْبَعْثِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=7وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=8فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=9وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) ، ( الْوَاقِعَةِ 7 - 11 ) إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ .
وَقَسَّمَهُمْ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ كَذَلِكَ ، فَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=88فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=89فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=90وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=91فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=92وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=93فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=94وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ) ، ( الْوَاقِعَةِ 88 - 94 ) ، فَإِنْ تَفَاضَلَ أَهْلُ الْإِيمَانِ فِي تَقْسِيمِ هَذِهِ السُّورَةِ ، إِنَّمَا هُوَ عَلَى دَرَجَتَيْنِ : سَابِقِينَ مُقَرَّبِينَ ، وَأَبْرَارٍ هُمْ أَصْحَابُ الْيَمِينِ . وَأَمَّا أَصْحَابُ الشِّمَالِ الَّذِينَ هُمُ الْمُكَذِّبُونَ الضَّالُّونَ ، فَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِاتِّفَاقٍ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الظَّالِمِ نَفْسَهُ فِي آيَةِ فَاطِرٍ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=30525_30526_30443عُصَاةُ الْمُوَحِّدِينَ ، فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ، وَلَكِنْ ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ ، لَا يَخْرُجُ مِنَ الدِّينِ وَلَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قِسْمٌ
[ ص: 1009 ] ثَالِثٌ فِي تُفَاضِلِ أَهْلِ الْإِيمَانِ . وَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، فَإِذَا كَانَ هَذَا التَّفَاوُتُ بَيْنَ أَتِّبَاعِ الرُّسُلِ ، فَكَيْفَ تَفَاوَتَ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رُسُلِهِمْ ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَنَّ الرُّسُلَ مُتَفَاضِلُونَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=253تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) ، ( الْبَقَرَةِ 253 ) ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ .
وَكَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - عَنْ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْإِيمَانِ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ ، كَذَلِكَ جَعَلَ الْجَنَّةَ الَّتِي هِيَ دَارُ الثَّوَابِ مُتَفَاوِتَةَ الدَّرَجَاتِ مَعَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمْ فِيهَا ، فَقَالَ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=46وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=47فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=48ذَوَاتَا أَفْنَانٍ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=49فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=50فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=51فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=52فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=53فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=54مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=55فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=56فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=57فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=58كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=59فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ، ( الرَّحْمَنِ 46 - 59 ) إِلَى آخِرِ السُّورَةِ .
وَكَذَا فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ أَخْبَرَ بِصِفَةِ الْجَنَّةِ الَّتِي يَدْخُلُهَا السَّابِقُونَ أَعْظَمَ وَأَعْلَى مِنْ صِفَاتِ الْجَنَّةِ الَّتِي يَدْخُلُهَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ، وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْمُطَفِّفِينَ ، قَالَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=22إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=35عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=24تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=25يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=26خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=27وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=28عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ) ، ( الْمُطَفِّفِينَ 22 - 28 ) وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025413جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ .
[ ص: 1010 ] nindex.php?page=treesubj&link=30401وَأَهْلُ الْجَنَّةِ مُتَفَاوِتُونَ فِي الدَّرَجَاتِ ، حَتَّى إِنَّهُمْ يَتَرَاءَوْنَ ، أَهْلُ عِلِّيِّينَ يَرَوْنَ غُرَفَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يُرَى الْكَوْكَبُ فِي الْأُفُقِ الشَّرْقِيِّ أَوِ الْغَرْبِيِّ ، وَمُتَفَاوِتُونَ فِي الْأَزْوَاجِ ، وَمُتَفَاوِتُونَ فِي الْفَوَاكِهِ مِنَ الْمَطْعُومِ وَالْمَشْرُوبِ ، وَمُتَفَاوِتُونَ فِي الْفُرُشِ وَالْمَلْبُوسَاتِ ، وَمُتَفَاوِتُونَ فِي الْمِلْكِ ، وَمُتَفَاوِتُونَ فِي الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ وَالنُّورِ ، وَمُتَفَاوِتُونَ فِي قُرْبِهِمْ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ ، وَمُتَفَاوِتُونَ فِي تَكْثِيرِ زِيَارَتِهِمْ إِيَّاهُ ، وَمُتَفَاوِتُونَ فِي مَقَاعِدِهِمْ يَوْمَ الْمَزِيدِ ، وَمُتَفَاوِتُونَ تَفَاوُتًا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ .
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَحَادِيثَ الشَّفَاعَةِ وَفِيهَا أَنَّ عُصَاةَ الْمُوَحِّدِينَ الَّذِينَ تَمَسُّهُمُ النَّارُ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ مُتَفَاوِتُونَ تَفَاوُتًا بَعِيدًا : مُتَفَاوِتُونَ فِي مِقْدَارِ مَا تَأْخُذُ مِنْهُمْ ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حِقْوَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ كُلَّهُ إِلَّا مَوَاضِعَ السُّجُودِ .
وَكَذَلِكَ يَتَفَاوَتُونَ فِي مِقْدَارِ لَبْثِهُمْ فِيهَا ، وَسُرْعَةِ خُرُوجِهِمْ مِنْهَا ; لِأَنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ ، الَّذِي بِسَبَبِهِ يَخْرُجُونَ مِنْهَا ، وَلَوْلَاهُ لَكَانُوا مَعَ الْكَافِرِينَ خَالِدِينَ مُخَلَّدِينَ أَبَدًا . فَيُقَالُ لِلشُّفَعَاءِ : أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ ، ثُمَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ نِصْفُ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ ، ثُمَّ مِنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ ، ثُمَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ ذَرَّةٌ مِنْ إِيمَانٍ ، ثُمَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ ، فَأَيْنَ هَذَا مِمَّنِ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ ؟ ! وَأَيْنَ مَنَّ نُورُهُ عَلَى الصِّرَاطِ كَالشَّمْسِ ، مِمَّنْ نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يُنَوْنِصُ تَارَةً وَيُطْفَأُ أُخْرَى ؟ (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=35أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=36مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) ، ( الْقَلَمِ 36 ) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025414بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ ، رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ ، قَالُوا " فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الدِّينَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : أَدْرَكْتُ
[ ص: 1011 ] ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ : إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ
جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ . ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا مَجْزُومًا بِهِ .
وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025415مُلِئَ عَمَّارٌ إِيمَانًا إِلَى مُشَاشِهِ ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025416nindex.php?page=treesubj&link=20193_20191_25448مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ
أَبِي بَكْرٍ بِإِيمَانِ أَهْلِ الْأَرْضِ لَرَجَحَ .
وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=14919الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلَ الْأَنْفَالِ حَتَّى بَلَغَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=4أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) ، ( الْأَنْفَالِ 4 ) قَالَ حِينَ فَرَغَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُخْبِرُكَ أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ مُؤْمِنًا حَقًّا ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ حَقًّا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَهُوَ شَاكٌّ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُكَذِّبٌ بِهِ ، أَوْ جَاهِلٌ لَا يَعْلَمُ ، فَمَنْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ حَقًّا مُسْتَكْمِلُ الْإِيمَانِ ، وَلَا يَسْتَكْمِلُ الْإِيمَانَ إِلَّا بِالْعَمَلِ ، وَلَا يَسْتَكْمِلُ عَبْدٌ الْإِيمَانَ وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا حَقًّا حَتَّى يُؤْثِرَ دِينَهُ عَلَى شَهْوَتِهِ ، وَلَنْ يَهْلِكَ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْثِرَ شَهْوَتَهُ عَلَى دِينِهِ . يَا سَفِيهُ ، مَا أَجْهَلَكَ ، لَا تَرْضَى أَنْ تَقُولَ : أَنَا مُؤْمِنٌ حَتَّى
[ ص: 1012 ] تَقُولَ : أَنَا مُؤْمِنٌ حَقًّا مُسْتَكْمِلُ الْإِيمَانِ . وَاللَّهِ ، لَا تَكُونُ مُؤْمِنًا حَقًّا مُسْتَكْمِلَ الْإِيمَانِ حَتَّى تُؤَدِّيَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكَ ، وَتَجْتَنِبَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ ، وَتَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ ، ثُمَّ تَخَافَ مَعَ هَذَا أَنْ لَا يَقْبَلَ اللَّهُ مِنْكَ .
وَوَصَفَ
فُضَيْلٌ الْإِيمَانَ بِأَنَّهُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ ، وَقَرَأَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) ، ( الْبَيِّنَةِ 5 ) ، فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى دِينَ الْقَيِّمَةِ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ، فَالْقَوْلُ الْإِقْرَارُ بِالتَّوْحِيدِ وَالشَّهَادَةُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْعَمَلُ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ ، وَقَرَأَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=54وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=55وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ) ، ( مَرْيَمَ 55 ) ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا ) ، ( الشُّورَى 13 ) ، فَالدِّينُ التَّصْدِيقُ بِالْعَمَلِ كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَكَمَا أَمَرَ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ بِإِقَامَتِهِ ، وَالتَّفَرُّقُ فِيهِ تَرْكُ الْعَمَلِ وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ، قَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=11فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) ، ( التَّوْبَةِ 11 ) ، فَالتَّوْبَةُ مِنَ الشِّرْكِ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَوْلًا وَعَمَلًا بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : لَيْسَ الصَّلَاةُ وَلَا الزَّكَاةُ وَلَا شَيْءٌ مِنَ الْفَرَائِضِ مِنَ الْإِيمَانِ ، افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ وَخِلَافًا لِكِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ، وَلَوْ كَانَ الْقَوْلُ كَمَا يَقُولُونَ ، لَمْ يُقَاتِلْ
أَبُو بَكْرٍ أَهْلَ الرِّدَّةِ .
وَقَالَ
فُضَيْلٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=28648يَقُولُ أَهْلُ الْبِدَعِ : الْإِيمَانُ الْإِقْرَارُ بِلَا عَمَلٍ ، وَالْإِيمَانُ وَاحِدٌ ، وَإِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=30483يَتَفَاضَلُ النَّاسُ بِالْأَعْمَالِ وَلَا يَتَفَاضَلُونَ بِالْإِيمَانِ . قَالَ : فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ ، فَقَدْ خَالَفَ الْأَثَرَ ، وَرَدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024737الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً ، أَفْضَلُهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ .
وَتَفْسِيرُ مَنْ يَقُولُ الْإِيمَانُ لَا يَتَفَاضَلُ ، يَقُولُ : إِنَّ فَرَائِضَ
[ ص: 1013 ] اللَّهِ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ ، فَمَيَّزَ أَهْلُ الْبِدَعِ الْعَمَلَ مِنَ الْإِيمَانِ ، وَقَالُوا : إِنْ فَرَائِضَ اللَّهِ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ ، فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ ، أَخَافُ أَنْ يَكُونَ جَاحِدًا لِلْفَرَائِضِ ، رَادًّا عَلَى اللَّهِ أَمْرَهُ .
وَيَقُولُ أَهْلُ السُّنَّةِ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَّرَ الْعَمَلَ بِالْإِيمَانِ ، وَإِنَّ فَرَائِضَ اللَّهِ مِنَ الْإِيمَانِ . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=7وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) ، ( الْعَنْكَبُوتِ 7 ) ، فَهَذَا مَوْصُولُ الْعَمَلِ بِالْإِيمَانِ .
وَيَقُولُ أَهْلُ الْإِرْجَاءِ : لَا ، وَلَكِنَّهُ مَقْطُوعٌ غَيْرُ مَوْصُولٍ .
وَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=124وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) ، ( النِّسَاءِ 124 ) فَهَذَا مَوْصُولٌ ، وَأَهْلُ الْإِرْجَاءِ يَقُولُونَ : بَلْ هُوَ مَقْطُوعٌ .
وَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) ، ( الْإِسْرَاءِ 19 ) فَهَذَا مَوْصُولٌ ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَشْبَاهِ هَذَا ، فَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ : هُوَ مَوْصُولٌ مُجْتَمِعٌ ، وَأَهْلُ الْإِرْجَاءِ يَقُولُونَ : بَلْ هُوَ مَقْطُوعٌ مُتَفَرِّقٌ ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُونَ ، كَانَ مَنْ عَصَى وَارْتَكَبَ الْمَعَاصِيَ وَالْمَحَارِمَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ ، فَكَانَ إِقْرَارُهُ يَكْفِيهِ مِنَ الْعَمَلِ ، فَمَا أَسْوَأَ هَذَا مِنْ قَوْلٍ وَأَقْبَحَهُ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .
وَقَالَ
فُضَيْلٌ : أَصْلُ الْإِيمَانِ عِنْدَنَا وَفَرْعُهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ ، وَالشَّهَادَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَلَاغِ ، وَبَعْدَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ ، صِدْقُ الْحَدِيثِ ، وَحِفْظُ الْأَمَانَةِ ، وَتَرْكُ الْخِيَانَةِ ، وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ ، وَالنَّصِيحَةُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ، وَالرَّحْمَةُ لِلنَّاسِ عَامَّةً .
قِيلَ لَهُ - يَعْنِي :
فُضَيْلًا - هَذَا مِنْ رَأْيِكَ ، تَقُولُهُ أَوْ سَمِعْتَهُ ؟ قَالَ : بَلْ سَمِعْنَاهُ وَتَعَلَّمْنَاهُ ، وَلَوْ لَمْ آخُذْهُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْفَضْلِ ، لَمْ أَتَكَلَّمْ بِهِ . وَقَالَ
فُضَيْلٌ : يَقُولُ أَهْلُ الْإِرْجَاءِ : الْإِيمَانُ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ ، وَيَقُولُ
الْجَهْمِيَّةُ : الْإِيمَانُ الْمَعْرِفَةُ بِلَا قَوْلٍ وَلَا عَمَلٍ ، وَيَقُولُ أَهْلُ السُّنَّةِ : الْإِيمَانُ الْمَعْرِفَةُ وَالْقَوْلُ وَالْعَمَلُ ، فَمَنْ قَالَ الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ ، فَقَدْ أَخَذَ بِالْوَثِيقَةِ ، وَمَنْ قَالَ الْإِيمَانُ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ ، فَقَدْ خَاطَرَ ; لِأَنَّهُ لَا
[ ص: 1014 ] يَدْرِي ، أَيُقْبَلُ إِقْرَارُهُ أَوْ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِذُنُوبِهِ ؟ وَقَالَ - يَعْنِي فُضَيْلًا : قَدْ بَيَّنْتُ لَكَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَعْمَى .
وَقَالَ
فُضَيْلٌ : لَوْ قَالَ لِي رَجُلٌ : مُؤْمِنٌ أَنْتَ ؟ مَا كَلَّمْتُهُ مَا عِشْتَ . وَقَالَ : إِذَا قُلْتَ آمَنْتُ بِاللَّهِ ، فَهُوَ يَجْزِيكَ مِنْ أَنْ تَقُولَ أَنَا مُؤْمِنٌ ، وَإِذَا قُلْتَ أَنَا مُؤْمِنٌ ، لَا يَجْزِيكَ مِنْ أَنْ تَقُولَ آمَنْتُ بِاللَّهِ ; لِأَنَّ آمَنْتُ بِاللَّهِ أَمْرٌ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=136قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ ) ، ( الْبَقَرَةِ 136 ) الْآيَةَ ، وَقَوْلُكَ أَنَا مُؤْمِنٌ تَكَلُّفٌ ، لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَقَوُّلَهُ ، وَلَا بَأْسَ إِنْ قُلْتَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِقْرَارِ ، وَأَكْرَهُهُ عَلَى وَجْهِ التَّزْكِيَةِ .
وَقَالَ
فُضَيْلٌ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيَّ يَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29676_30526_24589_28635مَنْ صَلَّى إِلَى هَذِهِ الْقِبْلَةِ ، فَهُوَ عِنْدَنَا مُؤْمِنٌ ، وَالنَّاسُ عِنْدَنَا مُؤْمِنُونَ بِالْإِقْرَارِ فِي الْمَوَارِيثِ وَالْمُنَاكَحَةِ وَالْحُدُودِ وَالذَّبَائِحِ وَالنُّسُكِ ، وَلَهُمْ ذُنُوبٌ وَخَطَايَا ، اللَّهُ حَسْبُهُمْ ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ ، لَا نَدْرِي مَا لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ .
وَقَالَ
فُضَيْلٌ : سَمِعْتُ
الْمُغِيرَةَ الضَّبِّيَّ يَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=10014_28648مَنْ شَكَّ فِي دِينِهِ ، فَهُوَ كَافِرٌ ، وَأَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
قَالَ
فُضَيْلٌ : الِاسْتِثْنَاءُ لَيْسَ بِشَكٍّ ، وَقَالَ
فُضَيْلٌ : الْمُرْجِئَةُ كُلَّمَا سَمِعُوا حَدِيثًا فِيهِ تَخْوِيفٌ ، قَالُوا : هَذَا تَهْدِيدٌ ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَخَافُ تَهْدِيدَ اللَّهِ وَتَحْذِيرَهُ وَتَخْوِيفَهُ وَوَعِيدَهُ وَيَرْجُو وَعْدَهَ ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ لَا يَخَافُ تَهْدِيدَ اللَّهِ وَلَا تَحْذِيرَهُ وَلَا تَخْوِيفَهُ وَلَا وَعِيدَهُ وَلَا يَرْجُو وَعْدَهُ .
وَقَالَ
فُضَيْلٌ : الْأَعْمَالُ تُحْبِطُ الْأَعْمَالَ ، وَالْأَعْمَالُ تَحُولُ دُونَ الْأَعْمَالِ . قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ : قَالَ أَبِي : أُخْبِرْتُ ، عَنْ
فُضَيْلٍ ، عَنْ
لَيْثٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=269وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) ، ( الْبَقَرَةِ 269 ) ، قَالَ : الْفِقْهُ وَالْعِلْمُ ، اه مِنْ كِتَابِ السُّنَّةِ .
وَفِيهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : الْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ : قَلْبٌ أَجْرَدُ كَأَنَّمَا
[ ص: 1015 ] فِيهِ سِرَاجٌ يُزْهِرُ ، فَذَلِكَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ ، وَقَلْبٌ أَغْلَفُ ، فَذَلِكَ قَلْبُ الْكَافِرِ ، وَقَلْبٌ مُصْفَحٌ ، فَذَلِكَ قَلْبُ الْمُنَافِقِ ، وَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ ، وَمَثَلُ الْإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ يَسْقِيهَا مَاءٌ طَيِّبٌ ، وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ كَمَثَلِ قُرْحَةٍ يَمُدُّهَا قَيْحٌ وَدَمٌ ، فَأَيُّهُمَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَلَبَهُ ، اه . وَهَذَا الْمَوْقُوفُ قَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ حَسَنٍ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : حَدَّثَنَا
أَبُو النَّضْرِ ، حَدَّثَنَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ ، عَنْ
لَيْثٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16718عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ
أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025417الْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ : قَلْبٌ أَجْرَدُ فِيهِ مِثْلُ السِّرَاجِ يُزْهِرُ ، وَقَلْبٌ أَغْلَفُ مَرْبُوطٌ عَلَى غِلَافِهِ ، وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ ، وَقَلْبٌ مُصْفَحٌ ، فَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَجْرَدُ فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ ، سِرَاجُهُ فِيهِ نُورُهُ ، وَأَمَّا الْقَلْبُ الْأَغْلَفُ ، فَقَلْبُ الْكَافِرِ ، وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمَنْكُوسُ ، فَقَلْبُ الْمُنَافِقِ ، عَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ ، وَأَمَّا الْقَلْبُ الْمُصْفَحُ ، فَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ ، وَمَثَلُ الْإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ الْبَقْلَةِ يَمُدُّهَا الْمَاءُ الطَّيِّبُ ، وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ كَمَثَلِ الْقُرْحَةِ يَمُدُّهَا الدَّمُ وَالْقَيْحُ ، فَأَيُّ الْمَادَّتَيْنِ غَلَبَتْ عَلَى الْأُخْرَى ، غَلَبَتْ عَلَيْهِ .
وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ وَآثَارُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي هَذَا الْبَابِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تَحْصُرَ ، وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ ، وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ أَنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي الدِّينِ بِتَفَاوُتِ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ ، مُتَفَاضِلُونَ فِيهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ ، فَأَفْضَلُهُمْ وَأَعْلَاهُمْ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ، وَأَدْنَاهُمُ الْمُخَلِّطُونَ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ ، وَبَيْنَ ذَلِكَ مَرَاتِبُ وَدَرَجَاتٌ لَا يُحِيطُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الَّذِي خَلَقَهُمْ وَرَزَقَهُمْ ، وَكَمَا يَتَفَاوَتُونَ فِي مَبْلَغِ الْإِيمَانِ مِنْ قُلُوبِهِمْ ، يَتَفَاوَتُونَ فِي أَعْمَالِ الْإِيمَانِ الظَّاهِرَةِ ، بَلْ وَاللَّهِ ، يَتَفَاضَلُونَ فِي عَمَلٍ وَاحِدٍ يَعْمَلُهُ كُلُّهُمْ فِي آنٍ وَاحِدٍ وَفِي مَكَانٍ وَاحِدٍ ، فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الصَّلَاةِ صَافُّونَ كُلُّهُمْ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ ، مُسْتَوُونَ فِي الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، وَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ ، وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ ، وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ ، وَالتِّلَاوَةِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ ، وَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ ، فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ ، وَوَقْتٍ وَاحِدٍ وَخَلَفَ إِمَامٍ وَاحِدٍ ، وَبَيْنَهُمْ مِنَ التَّفَاوُتِ
[ ص: 1016 ] وَالتَّفَاضُلِ مَا لَا يُحْصَى ، فَهَذَا قُرَّةُ عَيْنِهِ فِي الصَّلَاةِ ، يَوَدُّ إِطَالَتَهَا مَا دَامَ عُمْرُهُ ، وَآخَرُ يَرَى نَفْسَهُ فِي أَضْيَقِ سِجْنٍ ، يَوَدُّ انْقِضَاءَهَا فِي أَسْرَعِ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ ، أَوْ يَوَدُّ الْخُرُوجَ مِنْهَا ، بَلْ يَتَنَدَّمُ عَلَى الدُّخُولِ فِيهَا ، وَهَذَا يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى وَجْهِ الْحُضُورِ وَالْمُرَاقَبَةِ ، كَأَنَّهُ يُشَاهِدُهُ ، وَآخَرُ قَلْبُهُ فِي الْفَلَوَاتِ ، قَدْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الضَّيَعَاتُ وَتَفَرَّقَتْ بِهِ الطُّرُقَاتُ ، حَتَّى لَا يَدْرِيَ مَا يَقُولُ وَلَا مَا يَفْعَلُ وَلَا كَمْ صَلَّى ، وَهَذَا تُرْفَعُ صَلَاتُهُ تَتَوَهَّجُ بِالنُّورِ حَتَّى تَخْتَرِقَ السَّمَاوَاتِ إِلَى عَرْشِ الرَّحْمَنِ - عَزَّ وَجَلَّ ، وَهَذَا تَخْرُجُ مُظْلِمَةً لِظُلْمَةِ قَلْبِهِ ، فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا ، فَتُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلِقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا ، وَهَذَا يُكْتَبُ لَهُ أَضْعَافُهَا وَأَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ ، وَهَذَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا نِصْفَهَا إِلَّا رُبُعَهَا إِلَّا ثُمُنَهَا إِلَّا عُشْرَهَا ، وَهَذَا يَحْضُرُهَا صُورَةً وَلَمْ يُكْتَبْ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ ، وَهَذَا مُنَافِقٌ يَأْتِيهَا رِئَاءَ النَّاسِ ، وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ .
هَذَا وَالنَّاظِرُ إِلَيْهِمْ يَرَاهُمْ مُسْتَوِينَ فِي فِعْلِهَا ، وَلَوْ كُشِفَ لَهُ الْحِجَابُ ، لَرَأَى مِنَ الْفُرْقَانِ مَا لَا يُقَدِّرُ قَدْرَهُ إِلَّا اللَّهُ ، الرَّقِيبُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ، الَّذِي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ ، وَكَذَلِكَ الْجِهَادُ ، تَرَى الْأُمَّةَ مِنَ النَّاسِ يَخْرُجُونَ فِيهِ مَعَ إِمَامٍ وَاحِدٍ ، وَيُقَاتِلُونَ عَدُوًّا وَاحِدًا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ ، مُتَسَاوِينَ ظَاهِرًا فِي الْقُوَى وَالْعُدَدِ ، فَهَذَا يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَعَصَبِيَّةً ، وَهَذَا يُقَاتِلُ رِيَاءً وَسُمْعَةً ; لِتُعْلَمَ شَجَاعَتُهُ وَيُرَى مَكَانُهُ ، وَهَذَا يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ لَيْسَ لَهُ هَمٌ غَيْرَهُ ، وَهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=7920يُقَاتِلُ ; لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ، وَذَا هُوَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا لِغَيْرِهِ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُكْتَبُ لَهُ بِكُلِّ حَرَكَةٍ أَوْ سُكُونٍ أَوْ نَصْبٍ أَوْ مَخْمَصَةٍ عَمَلٌ صَالِحٌ .
وَهَكَذَا الزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَجَمِيعُ أَعْمَالِ الْإِيمَانِ ، النَّاسُ فِيهَا عَلَى هَذَا التَّفَاوُتِ وَالتَّفَاضُلِ بِحَسَبِ مَا وَقَرَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ ، وَعَلَى ذَلِكَ يَمُوتُونَ ، وَعَلَيْهِ يُبْعَثُونَ ، وَعَلَى قَدْرِهِ يَقِفُونَ فِي عَرَقِ الْمَوْقِفَ ، وَعَلَى ذَلِكَ الْوَزْنِ وَالصُّحُفِ ، وَعَلَى ذَلِكَ تُقَسَمُ الْأَنْوَارُ عَلَى الصِّرَاطِ ، وَبِحَسَبِ ذَلِكَ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ يُبْطِأُ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ، وَبِذَلِكَ يَتَسَابَقُونَ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ ، وَعَلَى حَسَبِهِ رَفْعُ دَرَجَاتِهِمْ ، وَبِقَدْرِهِ تَكُونُ مَقَاعِدُهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فِي يَوْمِ الْمَزِيدِ ، وَبِمِقْدَارِ ذَلِكَ مَمَالِكُهُمْ فِيهَا وَنَعِيمُهُمْ ، وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .