في مسائل تتعلق بما تقدم من مباحث الدين :
( الأولى ) : كون الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
( والثانية ) : تفاضل أهله فيه .
( والثالثة ) : أن فاسق أهل الملة الإسلامية ، لا يكفر بذنب دون الشرك ولوازمه إلا إذا استحله .
( والرابعة ) : أنه لا يخلد في النار .
( والخامسة ) : أنه في العقاب وعدمه تحت المشيئة .
( والسادسة ) : أن التوبة في حق كل فرد مقبولة ، ما لم يغرغر سواء من كفر أو دونه من أي ذنب كان .
1 - الإيمان يزيد وينقص .
إيماننا يزيد بالطاعات ونقصه يكون بالزلات
.هذه هي المسألة الأولى من مسائل الفصل ، وهي أن ، وعلى ذلك ترجم الإيمان يزيد وينقص - رحمه الله تعالى - في كتابه ، فقال في جامعه كتاب [ ص: 1005 ] الإيمان ، باب : قول النبي - صلى الله عليه وسلم : البخاري ، وهو قول وفعل ، ويزيد وينقص ، قال الله تعالى : ( بني الإسلام على خمس ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ) ، ( الفتح 4 ) ، ( وزدناهم هدى ) ، ( الكهف 13 ) ، ( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ) ، ( مريم 76 ) ، وقال تعالى : ( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ) ، ( محمد 17 ) ، ( ويزداد الذين آمنوا إيمانا ) ، ( المدثر 31 ) ، وقوله تعالى : ( وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ) ، ( الأحزاب 22 ) .
وقال الترمذي - رحمه الله تعالى : باب في استكمال الإيمان والزيادة والنقصان ، وساق فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : وألطفهم بأهله أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وحديث : إن . . . الخ ، وهو في الصحيحين ، والشاهد منه قوله - صلى الله عليه وسلم : يا معشر النساء تصدقن . ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذوي الألباب وذوي الرأي منكن
وذكر حديث ، وهو في الصحيحين أيضا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة ، فأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، وأرفعها قول لا إله إلا الله الإيمان بضع وسبعون بابا . هذا لفظ الترمذي ، وقال : حسن صحيح ، ولفظه " بضع وستون " . ولمسلم رواية " بضع وسبعون " لكن قالا : " شعبة " بدل " بابا " .
وقال : باب زيادة الإيمان ، وذكر فيه حديث الشفاعة ، ودلالته منطوقا [ ص: 1006 ] على تفاضل أهل الإيمان فيه ، وأما الزيادة والنقص ، فدلالته عليها مفهوما لا منطوقا . النسائي
ومثله حديث أبي سعيد الخدري : . الحديث ، وفيه : رأيت الناس وعليهم قمص ، منها ما يبلغ الثدي ، وعليه قميص يجره ، قالوا : فما أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال : الدين عمر بن الخطاب . ثم ذكر حديث وعرض علي عمر في نزول قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) ، ( المائدة 3 ) ، ودلالتها على ذلك منطوقا ، وعلى ذلك ترجم - رحمه الله تعالى - وقال : حدثنا البخاري ، سمع الحسن بن الصباح ، حدثنا جعفر بن عون قال : أخبرنا أبو العميس ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب - رضي الله عنه - أن رجلا من عمر بن الخطاب اليهود قال له : يا أمير المؤمنين ، آية في كتابكم تقرءونها ، لو علينا معشر اليهود نزلت ، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا . قال : أي آية ؟ قال : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ، ( المائدة 3 ) ، قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم ، والمكان الذي نزلت فيه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم بعرفة يوم جمعة . وعلى ذلك ترجم أبو داود وغيره من أئمة السنة ، وساقوا في ذلك أحاديث تتضمنه منطوقا ومفهوما .
قال - رحمه الله تعالى : حدثنا مسلم بن الحجاج يحيى بن يحيى التيمي وقطن بن نسير ، واللفظ ليحيى ، أخبرنا ، عن جعفر بن سليمان ، عن سعيد بن إياس الجريري ، أبي عثمان النهدي حنظلة الأسيدي قال ، وكان من كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لقيني أبو بكر - رضي الله عنه - فقال : كيف أنت يا حنظلة ؟ قال قلت : نافق حنظلة . قال : سبحان الله ، ما تقول ؟ قال قلت : نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، عافسنا الأزواج [ ص: 1007 ] والأولاد الصغار ، فنسينا كثيرا . قال أبو بكر - رضي الله عنه : فوالله ، إنا لنلقى مثل هذا . فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت : نافق حنظلة يا رسول الله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : وما ذاك ؟ قلت : يا رسول الله ، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة ، حتى كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عندك ، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ، نسينا كثيرا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ، أن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر ، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ، ساعة وساعة . ثلاث مرات . عن
حدثني ، أخبرنا إسحاق بن منصور عبد الصمد ، سمعت أبي يحدث ، حدثنا ، عن سعيد الجريري ، أبي عثمان النهدي حنظلة قال : كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوعظنا ، فذكر النار . قال : ثم جئت إلى البيت ، فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة ، قال : فخرجت فلقيت أبا بكر ، فذكرت ذلك له . قال : وأنا قد فعلت مثل ما تذكر . فلقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، نافق حنظلة . فقال : مه ! فحدثته بالحديث ، فقال أبو بكر : وأنا قد فعلت مثل ما فعل . فقال : يا حنظلة ، ساعة ساعة ، ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر ، لصافحتكم الملائكة حتى تسلم عليكم في الطرق . ومن طريق ثالث : فذكرنا الجنة والنار . . . الحديث . عن
وعلى هذا إجماع الأئمة المعتد بإجماعهم ، وأن ، وإذا كان ينقص بالفترة عن الذكر ، فلأن ينقص بفعل المعاصي من باب أولى ، كما سيأتي إن شاء الله - تبارك وتعالى - بيانه قريبا . الإيمان قول وعمل ، ويزيد وينقص