الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا أحمد بن عبدة ) : بعين مفتوحة وسكون الموحدة . ( الضبي ) : بفتح الضاد المعجمة وتشديد الموحدة نسبة إلى بني ضبة قبيلة من العرب من سكان البصرة ; ولذا قال : ( البصري ) : وهو بفتح الباء وتكسر ، قيل احترز بالضبي من الأبلي وهو أوثق من الأبلي فإن الضبي ثقة ، رمي بالنصب يعني بكونه من الخوارج دون الأبلي ، وفيه أيضا سوء المذهب ، قال شارح : روى عن حماد بن زيد وخلق ، وعنه البخاري وأبو داود والترمذي وخلق ، وثقه . . . أبو حاتم والنسائي . ( وعلي بن حجر ) : بضم مهملة وسكون جيم ، ثقة حافظ ، أخرج حديثه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ، وقال شارح : هو علي بن حجر بن إياس بن مقاتل بن مخادش السعدي المروزي ، أحد أئمة الحديث ، سمع كثيرا من أئمة الحديث . ( وأبو جعفر محمد بن الحسين وهو ) : أي الحسين على ما ذكر ميرك والحنفي ، وقال العصام : هو راجع إلى محمد إذ لو كان راجعا إلى الحسين لقال : الحسين بن أبي حليمة لكن في شرحين لهذا الكتاب أن الضمير للحسين ولا ريب في أنه سهو إذ ذكر في أحد هذين الشرحين في تكملة شرحه في ضبط أسماء الرجال محمد بن الحسين أبو جعفر بن أبي حليمة ، انتهى . وفيه بحث لا يخفى إذ يمكن أن يكون من كلام المصنف بيانا لما أجمله أولا وأن يكون من كلام أحد تلامذته بين إجمال كلامه وتحقيق مرامه والواو للحال على كل مقال . ( ابن أبي حليمة ) : بفتح الحاء واللام المكسورة مقبول ، أخرج حديثه الترمذي وكأنه لعدم اشتهاره بالغ في توضيحه . ( والمعنى واحد ) : بالواو في النسخ المصححة حال من الفاعل أي حدثونا حال كون المعنى في أحاديثهم واحدا ، قال ميرك : أي مروياتهم وقعت بألفاظ مختلفة ومعنى الكل [ ص: 29 ] واحد في بعض النسخ المعنى واحد وهو حال من الفاعل بغير واو ، وقال ابن حجر : جملة حالية من الفاعل أو المفعول ; أي حال كون المعنى في أحاديثهم واحدا ، والأحاديث حال كونها بحسب المعنى واحد ، وفي نسخة بحذف الواو صفة لمفعول حدثنا ; أي الأحاديث المعنى فيها واحد ، انتهى . وتوضيحه : حدثنا أحمد إلى آخره الأحاديث المعنى فيها واحد ، قال العصام : أي حدثنا بعبارات مختلفة والمعنى واحد ، ونبه على أن اللفظ المروي لا يعلم أنه لفظ علي بعينه وهنا بحث هو من أسرار المباحث وهو أن الاتحاد في اللفظ ليس عبارة عن أن لا تختلف العبارة بل أن لا يختلف اللفظان في الصيغة لحكم واحد والاتحاد في المعنى أن يكون كل منهما مسوقا لمعنى ويلزم ما سيق له أحدهما من الآخر فإنهم في الفرق بين الشاهد والتابع قد ذكروا أن الشاهد حديث بمعنى حديث والتابع ما يكون بلفظه ، وذكروا في أمثال المتابعة قوله عليه الصلاة والسلام : " ألا نزعتم جلدها فدبغتموه فاستمتعتم به " ، وجعلوه متابعا لقوله : " لو أخذوا إهابها فدبغوه فاستمتعوا به " ، وذكروا شاهدا له قوله : " أيما إهاب دبغ فقد طهر " فأحسن التأمل لو بلغت حقيقة التحقيق بمعونة التوفيق . ( قالوا ) : هو استئناف بيان لحدثنا الأول أي " حدثنا أحمد وعلي ومحمد " ، ومعنى كلامهم واحد حيث قالوا أي كل واحد منهم . ( حدثنا عيسى بن يونس ) : ثقة مأمون ، أخرج حديثه الأئمة الستة ، رأى جده أبا إسحاق السبيعي وسمع منه ، وروى عن مالك بن أنس والأوزاعي وغيرهما ، وعنه أبوه يونس وإسحاق بن راهويه وجماعة ، سكن الشام ، ويقال لما حج الرشيد دخل الكوفة أمر أبا يوسف أن يأمر المحدثين بملاقاته فأطاعوه إلا اثنين عبد الله بن إدريس وعيسى بن يونس ، فأرسل ولديه المأمون والأمين أن يروحا إليه ويقرأا بالحديث عليه ففعلا ، فأمر له بعشرة آلاف درهم فامتنع ، فظنوا أنه استقلها فضوعفت له فقال : إن ملأتم المسجد إلى السقف ذهبا لم آخذ شيئا على الحديث . كان علما في العلم والعمل ، كان يغزو سنة ويحج سنة قيل ، حج خمسا وأربعين حجة وغزا خمسا وأربعين غزوة . ( عن عمر بن عبد الله ) : كثير الإرسال أخرج حديثه الترمذي وغيره ، يقال أدرك ابن عباس وسمع الحديث من أنس وسعيد بن المسيب وضعفه النسائي . ( مولى غفرة ) : بضم المعجمة وسكون الفاء بعدها راء فهاء . ( قال : حدثني إبراهيم بن محمد ) : صدوق ، روى عنه الترمذي والنسائي وابن ماجه . ( من ولد علي بن أبي طالب ) : صفة لإبراهيم ، وهذا بالمقام أنسب اهتماما بحال الراوي ، قال الجوهري : الولد بفتحتين قد يكون مفردا وجمعا ، وكذلك الولد بضم أوله وسكون ثانيه ، وقد يكون الثاني جمعا للأول مثل أسد وأسد ، والولد بالكسر لغة في الولد ، وقال ميرك : الرواية بالواو واللام المفتوحتين ، قال العصام : ومن تبعيضية أو بيانية والجملة لبيان محمد كما هو الظاهر من الولد بغير واسطة ، يعني به محمد بن الحنفية المكنى بأبي القاسم المشتهر بالعلم والشجاعة والعبادة ، وهو أفضل أولاد علي بعد السبطين ، انتهى . والحاصل أنه جملة معترضة لبيان تعيين محمد وقيل ( من ولد ) حال [ ص: 30 ] من إبراهيم لكن لا حسن في تقييد العامل ، قال ابن حجر : والحنفية أمه حصلت لعلي من سبي بني حنيفة ، قيل من سخافة عقول طائفة من الرافضة أنهم يعتقدون في محمد هذا الألوهية مع أن أبا بكر هو المعطي عليا أمه فلولا إعطاؤه له لحقية كونه الإمام الأعظم لكان إلههم دعيا ، ثم أغرب العصام في هذا المقام أيضا حيث قال : الأولى أن يقول أمير المؤمنين وسبق تحقيق المرام . ( قال كان علي ) : قال ميرك : فيه انقطاع لأن إبراهيم هذا لم يسمع من جده أمير المؤمنين علي ، ولذا قال المؤلف في جامعه بعد إيراد هذا الحديث بهذا الإسناد ليس إسناده بمتصل . ( إذا وصف رسول الله ) : وفي نسخة ( النبي ) . ( صلى الله عليه وسلم قال : ) : أي علي . ( لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطويل الممغط ) : قال ميرك : بتشديد الميم الثانية بالغين المعجمة المكسورة بعدها طاء مهملة اسم فاعل من الانمغاط من باب الانفعال أي المتناهي في الطول ، من قولهم : امغط النهار إذا امتد ، وأصله منمغط والنون للمطاوعة فقلبت ميما وأدغمت في الميم هذا هو الصواب في تصحيح هذا اللفظ ، قال ابن الأثير في جامع الأصول : هو بتشديد الميم ، وبعض المحدثين يقولونه بتشديد الغين وليس بشيء وكذا النهاية أيضا بتشديد الميم ، قال : ويقال بالعين المهملة وهو بمعناه وصححه الجوهري بضم الميم الأولى وفتح الثانية وتشديد العين المعجمة المفتوحة ، وهو اسم مفعول من التفعيل ، واختار الشيخ الجزري في تصحيح المصابيح قوله : وأغرب شارح المصابيح المعروف بزين العرب فقال : هو اسم مفعول بتشديد الميم بالغين المعجمة ولم أره لغيره . ( ولا بالقصير المتردد ) : أي المتناهي في القصر كأنه رد بعض خلقه على بعض وتداخلت أجزاؤه كذا في النهاية . ( وكان ربعة من القوم ) : عطف على قوله لم يكن بالطويل ، وفي كثير من النسخ كان بدون الواو وعلى التقديرين فهو كالمبين أو المؤكد لما قبله ، وينبغي أن يراد بربعة نوعا منه وهو المائل إلى الطول فلا ينافي ما ورد أنه كان أطول من المربوع . ( لم يكن بالجعد القطط ) : بكسر الطاء الأولى ويفتح . ( ولا بالسبط ) : بكسر الموحدة ويسكن ويفتح وسبق معناهما . . ( كان ) : بلا واو بيان لما قبله . ( جعدا رجلا ) : قال العسقلاني : بفتح الراء وكسر الجيم وقد يضم وقد يفتح وقد يسكن أي فيه تكسر يسير فكان بين السبوطة والجعودة . . . . [ ص: 31 ] ( لم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم ) : قال ميرك : الرواية فيهما بلفظ اسم المفعول لا غير ، الأول من التطهيم والثاني من الكلثمة ، انتهى . وقال الحنفي : وفي بعض النسخ التكلثم من المتكلثم على وزن التفعل ، وكلام المصنف في شرح غريب الحديث يدل على الأول ، انتهى . ومعنى المطهم : المنتفخ الوجه الذي فيه جهامة أي عبوس من السمن ، وقيل النحيف الجسم وهو من الأضداد ، والمكلثم المدور الوجه ، وقال الشارح : التوربشتي : لما كان المكلثم المستدير بينه بقوله : ( وكان في وجهه تدوير ) : وفي بعض النسخ : " في الوجه " بدل " في وجهه " ، وأما جعل الحنفي " في الوجه " أصلا ، وقوله في بعض النسخ " وجهه " فلا وجه له لمخالفته الأصول ; أي لم يكن مستديرا كل الاستدارة بل كان فيه بعض ذلك ويكون معناه في وجهه تدوير ما ، ويعبر عنه بأنه كان فيه سهولة وهي أحلى عند العرب ، والسهولة ضد الحزونة وهي في الأصل ما غلظ من الأرض ، والحاصل أنه كان بين الاستدارة والإسالة كذا قاله البيضاوي وأبو عبيد على ما ذكره ميرك . ( أبيض ) : أي هو أبيض . ( مشرب ) : صفة أبيض أي مشرب حمرة كما في رواية وهو بصيغة المفعول من الإفعال ، وفي نسخة بالتشديد ، والإشراب خلط لون بلون كأن أحد اللونين سقى اللون الآخر ، يقال بياض مشرب حمرة بالتخفيف فإذا شدد كان للتكثير والمبالغة فعلى هذا البياض المثبت هنا ما يخالطه الحمرة والبياض المنفي فيما سبق ما لا يخالطه الحمرة . ( أدعج العينين ) : أي شديد سواد حدقتهما كما في رواية عن علي أيضا : " كان أسود الحدقة " لكن قيد مع سعة العين وشدة بياضها . ( أهدب الأشفار ) : بفتح الهمزة جمع شفر بضم أوله وقد يفتح وهو حرف جفن العين الذي ينبت عليه الشعر ، ويقال له : الهدب بضم الهاء وسكون المهملة بعده موحدة ، ففي القاموس هدب العين كفرح طال أهدابها أي أشفارها ، والحاصل أن الأهدب هو [ ص: 32 ] الذي شعر أجفانه كثير مستطيل . ( جليل المشاش ) : بضم الميم وتخفيف الشين ; أي عظيم رءوس العظام كالمرفقين والكتفين والركبتين . ( والكتد ) : بفتح التاء ويكسر أي مجمع الكتفين وهو الكاهل أي عظيم ذلك كله ، وهو يدل على غاية القوة وفخامة الشجاعة . ( أجرد ) : أي هو أجرد أي غير أشعر ، وهو من عم الشعر جميع بدنه ، فالأجرد من لم يعمه الشعر فيصدق بمن في بعض بدنه شعر كالمسربة والساعدين والساقين وقد كان له صلى الله عليه وسلم في ذلك شعر ، فوصفه صلى الله عليه وسلم به باعتبار أكثر مواضعه إما بجعل الأكثر في حكم الكل أو تغليب ما لا شعر له على ما له شعر ، قال العصام : ومن قال أنه جاء أجرد ، بمعنى صغير الشعر ، فيمكن أن يكون الغرض وصفه صلى الله عليه وسلم بصغر شعر بدنه ، ففيه أنه مع أنه لا يصح في شعر الرأس واللحية والأهداب والحاجبين يرده ما في القاموس أن الأجرد إذا جعل وصفا للفرس كان بمعنى صغر شعره ، وأما إذا جعل وصفا للرجل فمعناه أنه لا شعر عليه ، انتهى . وقيل أجرد أي ليس فيه غل ولا غش فهو على أصل الفطرة فنور الإيمان يزهر فيه وفيه أنه بإشارات الصوفية أشبه . ( ذو مسربة شثن الكفين والقدمين ) : مر الكلام عليهما . ( إذا مشى تقلع ) : جملة مستقلة على طريق التعديد ، وقوله . ( كأنما ينحط ) : في موقع البيان للجزاء يقال تقلع في مشيه إذا كان كأنه يقلع رجله من رجل إذا أراد قوة مشيه كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعا بائنا لا كمن مشى اختيالا ويقارب خطاه فإن ذلك من مشي النساء ، فالتقلع قريب من التكفي وقد سبق ، وفي بعض النسخ كما في رواية عن الترمذي يمشي بدل ينحط ، وقوله . ( في صبب ) : قيل بمعنى من صبب كما في رواية ولأنه بالتقلع أنسب ، ويجوز وقوع قيام بعض حروف الجر مقام بعض ، ثم الظاهر أن من هنا ابتدائية ، والأظهر أن في ظرفية إذ هي مناسبة للانحطاط كما لا يخفى . ( وإذا التفت التفت معا ) : أي جميعا يعني أنه لا يسارق النظر ، وقيل أراد أنه لا يلوي عنقه يمنة ويسرة إذا نظر إلى الشيء وإنما يفعل ذلك الطائش الخفيف ولكن كان يقبل جميعا إظهارا للاهتمام بشأن من أقبل إليه ويدبر جميعا بعد ما قضى حاجته عنه ، وحاصله أنه إذا توجه إلى إنسان للتكلم أو غيره يلتفت إليه بجميعه ولا يتوجه إليه بلي العنق لأنه فعل المختالين ، قيل ولعل المعنى الأخير أظهر لما سيأتي في وصفه " جل نظره الملاحظة " أي النظر بلحاظ العين . ( بين كتفيه خاتم النبوة ) : بفتح التاء وكسرها ما يختم به الأول اسم والثاني صفة فعبر عن الآلة باسم الفاعل وإضافته إلى النبوة لأنه ختم به بيت النبوة حتى لا يدخل بعده أحد ، وقيل لأنه علامة تمامها لأن الشيء يختم بعد تمامه - وسيأتي مزيد الكلام عليه - ، وهو جملة من غير عطف على ما قبلها لعدم المناسبة بينهما ، وقوله [ ص: 33 ] ( وهو خاتم النبيين ) : يحتمل أن تكون جملة حالية مكملة لما قبلها وأن تكون معطوفة على ما قبلها لوجود المناسبة ، وهو كالخاتم المذكور لفظا ومعنى أي خاتم نبوة النبيين بمعنى علامة تمامها أو علامة الوثوق بالنبوة أو خاتم بيت نبوتهم ، والحاصل أن كسر التاء بمعنى أنه ختمهم أي جاء آخرهم فلا نبي بعده أي لا يتنبأ أحد بعده فلا ينافي نزول عيسى عليه السلام متابعا لشريعته مستمدا من القرآن والسنة ، وأما فتح التاء فمعناه أنهم به ختموا فهو الطابع والخاتم لهم . ( أجود الناس صدرا ) : جعل صدره أجود لأن الجود فرع انشراح الصدر والصدر محل القلب الذي فيه الجود فيكون من تسمية الشيء باسم محله أو مجاوره ، والمعنى أجود الناس قلبا أي قلبه أجود القلوب فإنه لا يبخل شيئا من زخارف الدنيا ولا من عوارف المولى ، والمراد أن جوده كان عن طيب قلب وشرح صدر وسجية طبع لا عن تكلف وتصلب ، وقيل أنه من الجودة بفتح الجيم بمعنى السعة أي أوسعهم قلبا بمعنى أنه لا يمل ولا يضجر قلبه ، ويؤيده ما أخرجه ابن سعد في كتاب الطبقات من طريق سعيد بن منصور والحكم بن موسى ، قالا : ثنا عيسى بن يونس ، بهذا الإسناد بلفظ " أجود الناس كفا وأرحب الناس صدرا " والرحب بمعنى السعة ، قيل : ويحتمل أنه سقط من راوية الترمذي شيء ، وقيل : أجود مأخوذ من الجودة بفتح الجيم مصدر جاد إذ صار جيدا أي أحسنهم قلبا بسلامته من كل رذيلة من بخل وغش وغيرهما من الأدناس الباطنية والصفات الدنية كيف وقد صح أن جبريل شقه واستخرج منه علقة ، وقال : هذا حظ الشيطان منك . ثم غسله في طست ذهب بماء زمزم . ( وأصدق الناس لهجة ) : بفتحتين ويسكن الثاني أي لسانا على ما في المهذب أو تحريكه على ما في الفائق والمعنى أصدقهم قولا ، وأغرب شارح وقال : يريد أنه صلى الله عليه وسلم كان لسانه أصدق الألسنة فيتكلم بمخارج الحروف كما ينبغي بحيث لا يقدر عليه أحد . ( وألينهم عريكة ) : أي طبيعة وزنا ومعنى أي سلسا مطاوعا منقادا قليل الخلاف والنفور ، وهذه الجملة منبئة عن كمال مسامحته صلى الله عليه وسلم ووفور حلمه وتواضعه مع أمته . ( وأكرمهم عشيرة ) : بوزن القبيلة ومعناه وهو كذلك في المصابيح ، ووقع في بعض النسخ الموافق للترمذي وجامع الأصول عشرة بكسر أولها وسكون ثانيها صحبة ويؤيده ما نقله المصنف عن الأصمعي وكلا المعنيين صادق في حقه صلى الله عليه وسلم لأن قبيلته أشرف القبائل كما ورد : " إن الله اختار القبائل فجعلني من خيرهم قبيلة " ، وقال تعالى : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) بفتح الفاء على ما روي عنه مرفوعا ومعاشرته ومخالطته أكرم من جميع [ ص: 34 ] مخالطة الناس كما يدل عليه قوله : ( من رآه بديهة ) : أي رؤية بديهة فهو مفعول مطلق أي أول رؤية من غير معرفة . ( هابه ) : أي خافه لأن معه الهيبة والمهابة السماوية . ( ومن خالطه ) : أي عاشره وصاحبه . ( معرفة ) : أي خالطه معرفة تبين بها حسن خلقه . ( أحبه ) : لكمال معاشرته وباهر عظيم مؤالفته حبا شديدا حتى صار عنده أحب إليه من والديه وولده والناس أجمعين . ( يقول ناعته ) : أي واصفه إجمالا عجزا عن بيان جماله وكماله تفصيلا . ( لم أر قبله ولا بعده مثله ) : إذ ليس في الناس من يماثله في الجمال ولا في خلق من يشابهه على وجه الكمال . ( قال أبو عيسى : ) : كذا في الأصول المصححة ولم يوجد في بعض النسخ لفظ " أبو عيسى " ، قال السيد أصيل الدين : يريد به نفسه إذ هذه كنيته ، ويحتمل أن يكون من كلام الرواة عنه كما سبق مثله في أول الكتاب ويشعر به ذكر الكنية . ( سمعت أبا جعفر محمد بن الحسين ) : يعني ابن أبي حليمة ، وهو أحد الشيوخ الثلاثة الذين روي عنهم هذا الحديث [ ص: 35 ] قيل : وفي بعض النسخ عن عيسى بن يونس . ( يقول : ) : قال الحنفي ، وفي بعض النسخ قال : قال العصام : يقول مفعول ثان لقوله : " سمعت " ، وقد عرفت أنه يجب أن يكون مضارعا فما في بعض النسخ بدل يقول قال ، ليس كما ينبغي ، انتهى . والأظهر أن يقول حال . ( سمعت الأصمعي ) : لغوي مشهور منسوب إلى جده أصمع ، بصري ، روى الحديث عن جماعة من الأئمة ، وروى عنه جماعة ، قال يحيى بن معين : سمعت الأصمعي يقول : سمع عن مالك بن أنس ، واتفقوا على أنه ثقة ، قيل : وكان هارون الرشيد استخلصه لمجلسه ، وكان يقدمه على أبي يوسف القاضي ، وكان علمه على لسانه ، وروى الأزهري عن الرياشي قال : كان الأصمعي شديد التوقي لتفسير القرآن ، وقال أبو جعفر : كان شديد التوقي للتفسير والحديث . ( يقول في تفسير صفة النبي صلى الله عليه وسلم ) : أي في شرح بعض اللغات الواقعة في الخبر المروي ، واعترض بأن المصنف لم يراع ترتيب الحديث في تفسير غريبه وليس بشيء لأنه روى كلام الأصمعي كما سمع ، والأصمعي لم يذكره في تفسير هذا الحديث ، ولقد نبه عليه المصنف بقوله في تفسير صفة النبي دون أن يقول في تفسير هذا الحديث . ( الممغط ) : وسبق ضبطه . ( الذاهب طولا ) : أي الشخص الذي يكون طول قامته مفرطا ، وطولا تمييز عن نسبة الذاهب إلى فاعله أو مفعول له ، كذا ذكره الحنفي ، وقال العصام : الطول الامتداد على ما في القاموس أي الذاهب طوله ، والإسناد إلى مفعوله بواسطة في أي الذاهب في طوله ، ومن جعله مفعولا له لا أظن أنه صار مفعولا له . ( قال : ) أي الأصمعي ، ووهم من زعم أن فاعله أبو جعفر ، وأبعد من جوز احتمال رجوعه إلى المصنف . ( وسمعت أعرابيا ) : قيل : وفي بعض النسخ بتقديم الواو على ما قال ، وفي بعض آخر لا واو أصلا . ( يقول : ) : أي الأعرابي وهو منسوب إلى الإعراب ; أهل البادية من العرب وهم أفصح من العرب الذين هم أهل الحضر من القرى لمخالطتهم العجم يقول : ( في كلامه ) : أي في أثناء عباراته . ( تمغط ) : إنما أتى بهذا الكلام للمناسبة بين معناه وبين أصل المعنى المراد من الحديث ، وهو الامتداد وإلا فما في الحديث اسم الفاعل من باب الانفعال - كما سبق - لا من باب التفعل ، وأما ما ذكره ابن حجر من أنه ليس هذا من المادة التي الكلام فيها وهو الممغط فذكره لبيان أن المادتين تقاربتا لفظا ومعنى فبعيد جدا لأن مادتهما متحدة غاية ما في الباب أن بابهما مختلف ، وقيل : إنما ذكره لأنه نظير المبحوث عنه ، وذكره في أحاديث أخر واقع وتفسيره نافع . ( في نشابته ) : بضم النون وشد المعجمة وفتح الموحدة ، وفي بعض النسخ بحذف الفوقية وهو السهم ، و " في " للتعدية ، وفي القاموس : تمغط في قوسه ومغطه أغرق فيه ، والتمغط في النشابة مجاز عن التمغط في القوس ; لأن النشابة سبب التمغط في القوس ، وقيل إضافة المد إلى النشابة بطريق المجاز لأن الممدود حقيقة وتر القوس ، قال العصام : وهذا من قبيل توضيح اللغة بتوضيح نظيره ، وبيان أن الكلمة لا تخرج عن المد والامتداد ، ومثله غير عزيز في كتب اللغة . فقوله : ( أي مدها مدا شديدا ) : إشارة إلى لزوم المد والامتداد للكلمة ، وبهذا اندفع ما استصعبه الشارح من أنه ليس في الحديث لفظ التمغط فلا وجه [ ص: 36 ] للتعرض له ومن أنه كيف فسر التمغط بالمتعدي فاعتذر بأن " في " مزيدة لتقوية العمل ولا ريبة للمتدرب في كثرة زيادة حروف الجر للتقوي ، ولا يخفى ما في اعتذاره فإن المسموع زيادة اللام للتقوية ، لكن لا لتقوية الفعل المتقدم بل لتقوية الاسم والفعل المتأخر ، والتمغط لازم ، وما استصعبه الشارح من أنه لا يجيء سوى الباء للتعدية فكيف جعل تمغط متعديا بفي ، انتهى . وقيل : تفسيره هذا يقوي أن مقول الأعرابي هو النشابة بالتأنيث ، وفيه نظر لأن النشاب بدون التاء جنس ويجوز تأنيث ضميره . ( والمتردد الداخل بعضه في بعضه ) : وفي نسخة صحيحة في بعض بدون الضمير . ( قصرا ) : بكسر القاف وفتح الصاد مفعول له للدخول يعني من كان في غاية القصر يقال له المتردد بلا تردد قالوا : كأن بعض أعضائه تردد إلى بعض وتداخلت أجزاؤه ، وقيل : لأنه يتردد الناظر فيه هل هو صبي أو رجل . ( وأما القطط ) : أي على الضبط السابق . ( فالشديد الجعودة ) : وفي بعض النسخ فشديد الجعودة بدون اللام أي كالزنوج وفي بعض الهنود . ( والرجل ) : بكسر الجيم وسكونها . ( الذي في شعره ) : بفتح العين وسكونها وصف صاحب الشعر به مجازا والحقيقة وصف نفس الشعر المذكور به ، وقيل أنه بيان للمراد به في الحديث دون اللغة . ( حجونة ) : بضم الحاء والمهملة والجيم أي انعطاف . وقوله : ( أي تثن ) : بفتح الفوقية والمثلثة وتشديد النون مصدر تثنى على زنة تفعل تفسير لكلام الأصمعي من غيره أعم من أبي عيسى أو أبي جعفر فلا يرد أن الأولى الذي في شعره تثن قصرا للمسافة . وقوله : ( قليلا ) : أي انعطاف بوصف القلة لا على طريق المبالغة ، وفيه أنه يخالف ما في القاموس : شعر حجن ككتف متسلسل مسترسل رجل جعد الأطراف ، انتهى . فكان وصف القلة باعتبار الواقع في وصفه صلى الله عليه وسلم ، فأي التفسيرية بمنزلة الاستدراك لأن الأصمعي لما قال : في شعره حجونة وهو غير صحيح على إطلاقه فقيده من قيده بقوله أي تثن قليلا . ( وأما المطهم ) : بفتح الهاء المشددة . ( فالبادن ) : وتقدم قول آخر في معناه ، والبادن هو الضخم ، من بدن بمعنى ضخم . ( الكثير اللحم ) : بخفض اللحم صفة كاشفة . ( والمكلثم ) : بفتح المثلثة . ( المدور الوجه والمشرب ) : بفتح الراء . ( الذي في بياضه حمرة ) : فإذا شدد كان للمبالغة ، والإشراب خلط لون بلون آخر كأن أحد اللونين سقى اللون الآخر ، فالتقييد بالبياض والحمرة وقع مثلا أو لبيان الواقع في وصفه صلى الله عليه وسلم . ( والأدعج الشديد سواد العين ) : بإضافة الشديد إلى سواد العين ، وقيل الدعج شدة سواد العين في شدة بياضها ، وهو الأنسب بمقام المدح . ( والأهدب الطويل الأشفار ) : قال ميرك : الأشفار جمع شفرة بالضم وقد تفتح ، وهو حروف الأجفان أي أطرافها التي ينبت عليها الشعر وهو الهدب ، والأهدب هو الذي شعر أجفانه كثير مستطيل ، وقول المؤلف : الطويل الأشفار يوهم أن الأشفار هي الأهداب لكنه على حذف المضاف أي الطويل شعر الأشفار ، قال في المغرب : إن أحدا من الثقات لم يذكر أن الأشفار الأهداب . [ ص: 37 ] ( والكتد ) : بفتح التاء وكسرها . ( مجتمع الكتفين ) : بفتح الميم الأولى وفتح الثانية اسم مكان ، وقول العصام : على صيغة المفعول ، موهم ففيه مسامحة ، والكتف بفتح أوله وكسر ثانيه على ما ضبط في الأصول ، وفي القاموس : كفرح ومثل وحبل . ( وهو ) : أي مجتمعهما . ( الكاهل ) : بكسر الهاء ، ويقال بالفارسية ميان هردوشانه ، وقيل : ما بين الكاهل إلى الظهر ، وفي القاموس : الكاهل كصاحب الحارك ، وهو بالفارسية بال وبالعربية الغارب أو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق وهو الثلث الأعلى أو ما بين الكتفين ، فقول ابن حجر : والمعنى واحد ، غير صحيح . ( والمسربة ) : بفتح الميم وضم الراء . ( هو الشعر ) : بفتح العين ويسكن . ( الدقيق الذي كأنه قضيب ) : أي غصن نظيف أو سيف لطيف على ما في القاموس أو سهم ظريف على ما في المهذب . ( من الصدر ) : أي ابتداؤها . ( إلى السرة ) : أي انتهاؤها . ( والشثن ) : بسكون المثلثة . ( الغليظ الأصابع من الكفين والقدمين ) : وسبق تحقيقه . ( والتقلع أن يمشي بقوة ) : كأنه يرفع رجله من الأرض رفعا قويا لا كمشي المختالين والمتكبرين ولا كمشي النساء والمريضين . ( والصبب ) : بفتح الصاد والموحدة الأولى . ( الحدور ) : بفتح الحاء المهملة ضد الصعود وكذا الحدر على ما في المهذب . ( تقول : انحدرنا ) : أي أنزلنا . ( في صبوب ) : أي مكان منحدر وهو بفتح المهملة وضمها أيضا ، وقيل : بالضم جمع . ( وصبب ) : بفتحتين ولم يدغم لئلا يشتبه بالصب الذي بمعنى العاشق . واعلم أنه وقع في الحديث السابق كأنما ينحط من صبب ، وفي رواية أبي داود في صبوب . قال الخطابي : إذا فتحت الصاد كان اسما لما يصب على الإنسان من ماء ونحوه كالطهور والغسول ومن رواه بالضم فعلى أنه جمع الصبب ، وهو ما انحدر من الأرض ، قال : وقد جاء في أكثر الروايات كأنما يمشي في صبب ، قال : وهو المحفوظ كذا في جامع الأصول فيتعين أن " من " بمعنى " في " لا عكسه كما سبق عن بعض ، وعلى جميع التقادير فالمقصود أن مشيه صلى الله عليه وسلم كان على سبيل القوة وعلى وجه التواضع لا على طريق التكبر والخيلاء ، قال تعالى : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ) ، وقال عز وجل : ( واقصد في مشيك ) : أي توسط بين الإسراع والتواني ، وقوله : ( جليل المشاش ) : بضم الميم جمع مشاشة . ( يريد رءوس المناكب ) : أي ونحوها كالمرافق والكتف والركب على ما في النهاية ، وكان الأنسب تقديم تفسير " المشاش " على " الكتد " لتقدمه في الأصل . ( والعشرة ) : بكسر العين . ( الصحبة والعشير الصاحب ) : أي المعاشر أي ومنها العشير بمعنى الصاحب وإلا فالعشير ليس مذكورا في الحديث ، وقيل الجمع بين تفسير العشير أو العشرة مشعر بوجود النسختين ، وتقديم العشرة إشارة إلى أنه الأصل الأصح ، وقول ابن حجر والعشير يطلق على الزوج كما في حديث : " وتكفرن العشير " فيه أنه صاحب أيضا ، وفي الحقيقة العشيرة بمعنى القبيلة أيضا مأخوذة منه لأن الغالب صحبة العشيرة . ( والبديهة المفاجأة ) : بالهمزة أي البغتة ، ومنه البديهي الحاصل من غير التروي . ( يقال : بدهته ) : من حد سأل . ( بأمر ) : الباء للتعدية . ( أي فجأته ) : [ ص: 38 ] من حد علم أو منع ، قال النووي : والأول روايتنا في هذا المقام ، انتهى . وفي بعض النسخ فاجأته وهو المناسب لقوله والبديهة المفاجأة .

التالي السابق


الخدمات العلمية