الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) قضي ( بقطع ما أضر من ) أغصان ( شجرة بجدار ) لغيره ( إن تجددت ) الشجرة ( وإلا ) بأن كان أقدم من الجدار ( فقولان ) في قطع المضر من أغصانها وهو الراجح وعدمه وهو قول ابن الماجشون ( لا ) يقضى بمنع بناء ( مانع ضوء وشمس وريح ) عن جاره وظاهره ولو منع الثلاثة ( إلا ) أن يكون منع الشمس والريح ( لأندر ) أي عنه فيمنع ومثل الأندر طاحون الريح ( و ) لا يمنع من ( علو بناء ) على بناء جاره إلا أن يكون ذميا فيمنع كما يمنع المسلم الذي أشرف على بناء جاره من الضرر أي التطلع على جاره ( و ) لا يمنع من ( صوت ككمد ) وهو دق القماش وقصار وحداد ونجار ( و ) لا يمنع رب دار من إحداث ( باب ) ولو قبالة باب آخر ( بسكة نافذة ) إلى الفضاء ولو ضيقة ( و ) لا من ( روشن ) وهو جناح يخرجه في علو حائطه ليبني عليه ما شاء .

( و ) لا يمنع من ( ساباط ) سقف ونحوه على حائطين له مكتنفي طريق ولذا قال ( لمن له الجانبان ) قيد في الساباط فقط وقوله ( بسكة نفذت ) إلى الفضاء قيد في الروشن والساباط ولا بد من رفعهما عن رءوس الركبان رفعا بينا ( وإلا ) تكن السكة نافذة ( فكالملك لجميعهم ) فلا يجوز إحداث الروشن والساباط إلا بإذن الجميع [ ص: 371 ] والمعتمد أنهما يجوزان بغير النافذة أيضا إن رفعا على رءوس الركبان رفعا بينا ولم يضر بضوء المارة ( إلا بابا ) أي فتح باب السكة الغير النافذة فيجوز بغير إذن أحد منهم ( إن نكب ) عن باب جاره بحيث لا يشرف منه على ما في داره ولا يقطع عنه منفعة والاستثناء منقطع ( و ) إلا ( صعود نخلة ) لإصلاحها أو جني ثمرها فيجوز ( وأنذر ) جاره ( بطلوعه ) ليستر ما لا يحب الاطلاع عليه من حريم أو غيره وظاهر المصنف وجوب الإنذار وهو ظاهر وقيل يندب ( وندب إعارة جداره ) لجاره المحتاج ( لغرز خشبة ) فيه ; لأنه من المعروف ومكارم الأخلاق ( و ) ندب للجار ( إرفاق بماء ) لجار أو أهل أو غيرهما فضل عنه لشرب أو زرع أو غيرهما ( وفتح باب ) لجاره ليمر منه حيث لا ضرر عليه في ذلك وكان الجار يشق عليه المرور من غيره

التالي السابق


( قوله إن تجددت الشجرة ) أي إن حدثت الشجرة على الجدار ولا مفهوم للأغصان بل إذا أضر بعض جدار الشجرة المتجددة بالجدار فإنه يقطع ذلك البعض أخذا من قول المصنف ومضرا بجدار ولا تقطع الشجرة وكما يقضى بقطع أغصان الشجر المضرة بالجدار يقضى أيضا بقطعها إذا صارت سلما للص يصعد عليها لبيت الجار بخلاف دار خربة بجانب دار الآخر ويخشى توصل السراق منها لذي الدار فلا يلزم صاحب الخربة بناؤها ويلزم صاحب الدار الاحتراس وحفظ متاعه .

( قوله فقولان ) الأول لمطرف وابن حبيب وأصبغ وعيسى بن دينار واستظهره ابن رشد والثاني لابن الماجشون ; لأن باني الجدار علم أن هذا يكون من حريم الشجرة فهو داخل على إضرار الشجرة له وقد علمت أنها إذا كانت قديمة على الجدار فالخلاف إنما هو في قطع ما أضر من أغصانها ، وأما نفس الشجرة فليس للجار قطعها ولو أضر جدرها المغيبة بجداره كما ذكره ابن رشد انظر بن ( قوله ولا يقضى بمنع بناء مانع ضوء وشمس وريح ) هذا هو المشهور ومقابله ما رواه ابن دينار عن ابن نافع أنه يمنع من مانع الضوء والشمس والريح ( قوله إلا أن يكون ) أي البناء .

( قوله ولا يمنع من علو بناء ) أي ولو لغير منفعة تعود عليه وأضر بجاره قال ابن كنانة إلا أن يرفعه ليضر بجاره دون منفعة له فإنه يمنع ا هـ وفي المدونة في آخر كتاب القسم ومن رفع بنيانه فجاوز به بنيان جاره ليشرف عليه لم يمنع من رفع بنائه ويمنع من الضرر بالتطلع على جاره قال أبو الحسن اللام في ليشرف لام العاقبة ا هـ وهذا يفيد أن ما أدى إلى الضرر ولم يدخل عليه ليس كالضرر المدخول عليه ( قوله إلا أن يكون ذميا فيمنع ) أي من علو بنائه على بناء جاره المسلم وفي جواز مساواته لجاره المسلم ومنعه من المساواة قولان قال شيخنا العدوي وللذمي شراء مكان عال وليس له بناء محل عال يشرف منه على المسلمين .

( تنبيه ) كما لا يمنع الشخص من علو بنائه على بناء جاره لا يمنع من إحداث ما ينقص الغلة اتفاقا كإحداث فرن قرب فرن أو حمام قرب حمام آخر أو طاحون قرب طاحون أخرى كما قاله في معين الحكام والتبصرة انظر ح ( قوله وقصار ) أي وصوت قصار وهو الذي يبيض القماش وكما أدخلت الكاف في كلام المصنف صوت القصار ومن معه أدخلت أيضا صوت صبيان بمكتب بأمر معلمهم لا أصواتهم للعب فيمنعون ودخل أيضا صوت معلم الأنغام وصوت الكروان المتخذ للصياح والحمام المتخذ للهدير ، وظاهر المصنف عدم المنع ولو اشتد صوت كالكمد ودام وفي المواق خلافه وأن محل عدم المنع ما لم يشتد ويدم وإلا فيمنع من ذلك وكل هذا إذا لم يضر بالجدار وإلا فالمنع اتفاقا ( قوله بسكة نافذة ) وأما بغير نافذة فإنه يمنع من الإحداث إلا برضا الجيران هذا إذا كان ذلك الباب الذي أريد فتحه قبالة باب آخر ، وأما لو كان منكبا عنه فإنه يجوز فتحه ولو بغير رضا الجيران .

( قوله ولو ضيقة ) هذا إذا كانت واسعة وهي ما كان عرضها سبعة أذرع بل ، وإن كانت ضيقة عرضها أقل مما ذكر ( قوله وإلا فكالملك لجميعهم ) أي وإلا فهي كالملك لجميعهم ( قوله إلا بإذن الجميع ) أي ولو رفعه رفعا بينا ولا يكفي إذن بعضهم وقيل إن المعتبر إذن من يمر من تحتهما لمنزله ، وأما من لم يمر من تحتهما لمنزله فلا يعتبر إذنه وهذا القول الثاني نقله عج عن الكافي وأقره كأنه المذهب والذي في حاشية الفيشي أن الأول هو [ ص: 371 ] المذهب ( قوله والمعتمد إلخ ) أي أن ما ذكره المصنف في الروشن والساباط من التفصيل بين كون السكة نافذة أو غير نافذة ضعيف والمعتمد جواز إحداثهما مطلقا كانت السكة نافذة أو غير نافذة ولا يحتاج لإذن أحد حيث رفع عن رءوس الركبان رفعا بينا ولم يضر بضوء المارة . قال ابن غازي التفصيل بين النافذة وغيرها لأبي عمر بن عبد البر في كافيه ونقله عنه المتيطي وعليه اقتصر ابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام وابن هارون والمصنف ، وأما ابن عرفة فقال لا أعرفه لأقدم من أبي عمر وظاهر سماع أصبغ عن ابن القاسم في الأقضية خلافه ولم يقيده ابن رشد بالطريق النافذة فتأمله ا هـ وتعقبه ح بأن التفصيل الذي ذكره أبو عمر ذكره قبله ابن أبي زيد في النوادر وذكره قبله أبو بكر الوقار ناقلا له عن ابن عبد الحكم وذكره أيضا ابن يونس ثم قال ح بعد نقل كلامهم فقد وجد النص لأقدم من أبي عمر على أن ذكر أبي عمر له وقبول الجماعة المذكورين له كاف في الاعتماد عليه ا هـ . وبهذا تعلم ما في قول شارحنا تبعا لعبق أن التفصيل ضعيف والمعتمد إلخ انظر بن .

( قوله إلا بابا إن نكب ) أي حرف عن باب جاره .

( قوله ولا يقطع عنه منفعة ) خرج ما إذا لاصقه حتى منعه من ربط دابة ببابه مثلا واعترض ح قول المصنف إلا بابا إن نكب بأنه يقتضي أن الباب الذي فتحه إذا كان منكبا عن باب جاره الذي يقابله يجوز فتحه ولو كان ذلك بقرب باب جاره الملاصق له بحيث إنه يضيق عليه فيما بينه وبين بابه ويقطع ارتفاقه بذلك وليس كذلك كما في المدونة وكلام ابن رشد فلو قال المصنف إلا بابا إن نكب ولم يضر بجار ملاصق لوفى بما في المدونة ونص كلام ابن رشد .

واعلم أن في فتح الرجل الباب أو تحويله عن موضعه في الزقاق الذي ليس بنافذ ثلاثة أقوال : أحدها أنه لا يجوز بحال إلا بإذن جميع أهل الزقاق وهو الذي ذهب إليه ابن زرب وبه جرى العمل بقرطبة ، والثاني : أن له ذلك فيما لم يقابل باب جاره ولا قرب منه فيقطع به مرفقا عنه وهو قول ابن القاسم في المدونة وقول ابن وهب ، والثالث : أن له تحويل بابه على هذه الصفة إذا سد الباب الأول وليس له أن يفتح فيه بابا لم يكن قبل بحال وهو قول أشهب ا هـ بن ( قوله والاستثناء منقطع ) أي ; لأن ما قبل إلا متعلق بالروشن والساباط وما بعدها متعلق بالباب ( قوله وإلا صعود نخلة إلخ ) أي بخلاف المنارة المحدثة أو القديمة حيث كانت تكشف على الجيران فإنه يمنع من الصعود عليها ; لأن الصعود لجني الثمرة ونحو ذلك نادر بخلاف الأذان ومحل منع الصعود على المنارة المشرفة ما لم يجعل لها ساتر من كل جهة يمنع من الاطلاع على الجيران بحيث لا تتبين الأشخاص ولا الهيئات ولا الذكر ولا الأنثى وإلا جاز صعودها .

( قوله وظاهر المصنف وجوب الإنذار ) أي وهو المعتمد ( قوله وقيل إلخ ) أي وهو ضعيف ( قوله لغرز خشبة فيه ) أي لإدخال خشبة فيه والدليل على ذلك خبر الموطإ { لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره } رواه ابن وهب خشبة بالإفراد ورواه بعضهم بصيغة الجمع بفتح الخاء والشين وضم الهاء وبضم الخاء والشين وحمل مالك ذلك على الندب وحمله الشافعي وأحمد على الوجوب واختلف هل لجار المسجد غرز خشبة في حائطه وبه أفتى ابن عتاب ناقلا له عن الشيوخ أو ليس له ذلك ويمنع منه وإليه ذهب ابن مالك . قال ابن ناجي والنفس إليه أميل واستظهره غيره أيضا ( قوله وإرفاق ماء ) يعني أنه يندب لمن عنده ماء في بئر أو في زير أو في غيرهما فضل عن حاجته أنه يدفعه لغيره ليرتفق به في شرب أو في سقي زرع كان ذلك الغير جارا له أو من أهله أو غيرهما .

( قوله وفتح باب لجاره ) أي إذا كانت دارك ذات بابين وكان يشق على جارك الذهاب لبيته من بابه أو من طريقه ويسهل عليه ذلك من جهة دارك فيندب لك أن تفتح له بابك ليذهب لداره من بيتك من بابك الثاني حيث لا ضرر عليك في ذلك




الخدمات العلمية