الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فلا يصح ) الرهن ( بالعين ) [ ص: 250 ] المضمونة كالمأخوذة بالبيع الفاسد أو السوم و ( المغصوبة والمستعار ) وألحق بها ما يجب رده فورا كالأمانة الشرعية ( في الأصح ) لأنه تعالى ذكر الرهن في المداينة فلا يثبت في غيرها ، ولأنها لا تستوفى من ثمن المرهون فيدوم حبسه لا إلى غاية ، والثاني يصح كضمانها ، وفرق الأول بأن الضامن للعين يقدر على تحصيلها فيحصل المطلوب بالضمان ، وحصول العين من ثمن المرهون لا يتصور ، أما الأمانة كالوديعة فلا يصح بها جزما ، وبه علم بطلان ما اعتيد من أخذ رهن من مستعير كتاب موقوف ، وبه صرح الماوردي وما أفتى به القفال من لزوم شرط الواقف ذلك ، والعمل به مردود بأنه رهن بالعين لا سيما وهي غير مضمونة لو تلفت من غير تقصير وبأن الراهن بعض المستحقين وهو لا يكون كذلك ، وقال السبكي : إن عنى الرهن الشرعي فباطل أو اللغوي وأراد أن يكون المرهون تذكرة صح وإن جهل مراده احتمل بطلان الشرط حملا على الشرعي ، فلا يجوز إخراجه برهن تعذره ولا بغيره لمخالفته للشرط أو لفساد الاستثناء ، فكأنه قال : لا يخرج مطلقا ، وشرط هذا صحيح لأن خروجه مظنة ضياعه ، واحتمل صحته حملا على اللغوي وهو الأقرب تصريحا للكلام ما أمكن انتهى . واعترض الزركشي ترجيحه بأن الأحكام الشرعية لا تتبع اللغة ، وكيف يحكم بصحته مع امتناع حبسه شرعا فلا فائدة لها . وأجيب عنه بأنه إنما عمل بشرطه مع ذلك لأنه لم يرض بالانتفاع به إلا بإعطاء الآخذ وثيقة تبعثه على إعادته وتذكره به حتى لا ينساه وإن كان ثقة لأنه مع ذلك قد يتباطأ في رده كما هو مشاهد ويبعث الناظر على طلبه لأنه يشق عليه مراعاتها ، وإذا قلنا بهذا فالشرط بلوغها ثمنه لو أمكن بيعه على ما بحث إذ لا يبعث على ذلك إلا حينئذ واعلم أن محل اعتبار شرط عدم إخراجه وإن ألغينا شرط الرهن ما لم يتعسر الانتفاع به في ذلك المحل وإلا جاز إخراجه منه لموثوق به ينتفع به في محل آخر ويرده [ ص: 251 ] لمحله عند قضاء حاجته كما أفتى بذلك بعضهم وهو ظاهر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ فرع ] وقع السؤال عن النذر والكفارة هل يصح الرهن عليهما ( قوله : بالعين ) أي بسبب العين إلخ [ ص: 250 ] قوله : وألحق بها ) أي العين المضمونة ( قوله : وردها فورا ) المراد بردها فورا إعلام مالكها وبعد الإعلام سقط الوجوب ومع ذلك لا يصح الرهن بها لأنها صارت كالوديعة ( قوله : والثاني يصح كضمانها ) قضيته صحة ضمان الأمانة الشرعية لإلحاقه لها بالعين المضمونة ، وظاهره جريان الخلاف فيها بتوجيهه ، والظاهر خلافه لتخصيصهم صحة ضمان العين بالمضمونة فليراجع ( قوله وبه علم ) أي بقوله أما الأمانة إلخ ( قوله من مستعير ) فيه تجوز ، فإن أخذه لينتفع به لا يسمى استعارة فإن الناظر مثلا لا يملك المنفعة حتى يعير ( قوله : وبه صرح الماوردي ) معتمد ( قوله : وهو ) أي الراهن ( قوله كذلك ) أي مستحقا ( قوله : وقال السبكي ) : قال سم على حج : المعتمد بطلان الشرط المذكور مطلقا ، ولا معول على ما قاله السبكي ، نعم ينبغي امتناع إخراج الكتاب من محله حيث تأتى الانتفاع به فيه لأن الشرط المذكور وإن كان باطلا يتضمن منع الواقف إخراجه فيعمل به بالنسبة لذلك

                                                                                                                            ( قوله : واحتمل صحته ) أي الشرط ( قوله : واعترض الزركشي ترجيحه ) أي صحة الشرط ( قوله : فلا فائدة لها ) أي الصحة ( قوله وأجيب عنه ) أي فيكون الشرط صحيحا يعمل به لكن قال سم ما تقدم ( قوله : مع ذلك ) أي مع إرادة المعنى اللغوي حيث علم أنه أراده أو الحمل عليه حيث جهل مراده ( قوله وإلا جاز إخراجه ) أي من غير رهن ، وعليه فلو خالف واضع اليد على الكتب المذكورة وأخذ رهنا وتلف عنده فلا ضمان لأن حكم فاسد العقود كصحيحها في الضمان وعدمه ، أما لو أتلفه فعليه الضمان بقيمته بتقدير كونه مملوكا ( قوله : في محل آخر ) أي ولو بعيدا على [ ص: 251 ] ما اقتضاه إطلاقه ، لكن الظاهر أنه مقيد ببلد ما شرط عدم إخراجه منه رعاية لغرض الواقف ما أمكن فإنه يكفي في رعاية عرضه جواز إخراجه لما يقرب من ذلك المحل ، وقد يشهد له ما لو انهدم مسجد وتعطل الانتفاع به ولم يرج عوده حيث قالوا : تصرف غلته لأقرب مسجد إليه ، ولا بد مع ذلك من رعاية المصلحة فيراعى ما جرت به العادة في إخراج الكتب من إعطاء نحو كراسة لينتفع بها ويعيدها ثم يأخذ بدلها ، فلا يجوز إعطاء الكتاب بتمامه حتى لو كان محبوكا ، فينبغي جواز ذلك الحبكة لأنه أسهل من إخراج جملته الذي هو سبب لضياعه ، وعليه فلو جرت العادة بالانتفاع بجملته كالمصحف جاز إخراجه ، وعلى الناظر تعهده في طلب رده أو نقله إلى من ينتفع به وعدم قصره على واحد دون غيره ، ومثل المصحف كتب اللغة التي يحتاج من يطالع كتابه إلى مراجعة مواضع متفرقة فيها لأنه لا يتأتى مقصوده بأخذ كراسة مثلا .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 250 ] قوله : أما الأمانة ) أي : الجعلية بقرينة ما مر . ( قوله : وهو لا يكون كذلك ) انظر ما موقع الإشارة ( قوله : واعلم أن محل اعتبار شرط عدم إخراجه إلخ ) فهم منه وجوب اتباع شرط الواقف في عدم إخراجه من محله وهو ما بحثه سم قال : ; لأن [ ص: 251 ] الشرط المذكور وإن كان باطلا لكنه يتضمن منع الواقف إخراجه بالنسبة لذلك




                                                                                                                            الخدمات العلمية