الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ولمن له الخيار الفسخ من غير حضور صاحبه ولا رضاه ) . هذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وأطلقوا . [ وقال المجد في شرحه : هو ظاهر كلام الأصحاب ] . [ ص: 378 ] ونقل أبو طالب له الفسخ برد الثمن . وجزم به الشيخ تقي الدين رحمه الله ، كالشفيع .

قلت : وهذا الصواب الذي لا يعدل عنه ، خصوصا في زمننا هذا . وقد كثرت الحيل . ويحتمل أن يحمل كلام من أطلق على ذلك . وخرج أبو الخطاب ، ومن تبعه من عزل الوكيل : أنه لا يفسخ في غيبته حتى يبلغه في المدة .

قال في القاعدة الثالثة والستين : وفيه نظر . فإن من له الخيار يتصرف في الفسخ .

قوله ( وإن مضت المدة ولم يفسخاه بطل خيارهما ) . يعني ولزم البيع . وهذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وقطع به كثير منهم وقيل : لا يلزم بمضي المدة . اختاره القاضي . لأن مدة الخيار ضربت لحق له لا لحق عليه . فلم يلزم الحكم بمضي المدة كمضي الأجل في حق المولى . فعلى هذا : ينبغي أن يقال : إذا مضت المدة يؤمر بالفسخ . وإن لم يفعل ، فسخ عليه الحاكم . كما قلنا في المولى على ما يأتي .

قوله ( وينتقل الملك إلى المشتري بنفس العقد في أظهر الروايتين ) وكذا قال في الهداية ، والمستوعب ، والتلخيص ، وغيرهم . وهذا المذهب بلا ريب . وعليه الأصحاب .

قال في القواعد الفقهية : وهي المذهب الذي عليه الأصحاب . قال المصنف ، والشارح ، وصاحب الفروع ، وغيرهم : هذا ظاهر المذهب . قال في المحرر : هذا أشهر الروايتين . قال في الفائق : هذا أصح الروايتين . قال في الرعاية الكبرى : وإذا ثبت الملك في المبيع للمشتري ثبت في الثمن للبائع . انتهى . [ ص: 379 ] والرواية الثانية : لا ينتقل الملك عن البائع حتى ينقضي الخيار . فعليها يكون الملك للبائع .

وقال في القواعد الفقهية : ومن الأصحاب من حكى أن الملك يخرج عن البائع ولا يدخل إلى المشتري . قال : وهو ضعيف .

فائدة :

حكم انتقال الملك في خيار المجلس حكم انتقاله في خيار الشرط . خلافا ومذهبا .

تنبيه :

لهذا الخلاف فوائد كثيرة . ذكرها العلامة ابن رجب رحمه الله في قواعده ، وغيره .

منها لو اشترى من يعتق عليه ، أو زوجته ، فعلى المذهب : يعتق وينفسخ نكاحها . وعلى الثانية : لا يثبت ذلك .

ومنها لو حلف لا يبيع ، فباع بشرط الخيار : خرج على الخلاف . قدمه في القواعد . وقال : ذكره القاضي . وأنكر المجد ذلك ، وقال : يحنث على الروايتين . قلت : وهو الصواب .

وأما للأخذ بالشفعة : فلا يثبت في مدة الخيار ، على كلا الروايتين ، عند أكثر الأصحاب . ونص عليه في رواية حنبل .

فمنهم من علل بأن الملك لم يستقر بعد . ومنهم من علل بأن الأخذ بالشفعة يسقط حق البائع من الخيار . فلذلك لم يجز المطالبة به في مدته . وهو تعليل القاضي في خلافه .

فعلى هذا : لو كان الخيار للمشتري وحده تثبت الشفعة . وذكر أبو الخطاب احتمالان بثبوت الشفعة مطلقا ، إذا قلنا بانتقال الملك إلى المشتري . قال في الفروع : تفريعا على المذهب . [ ص: 380 ] قال أبو الخطاب وغيره : ويأخذ بالشفعة . ويأتي ذلك في آخر الشفعة في أول الفصل الأخير من كلام المصنف .

ومنها : لو باع أحد الشريكين شقصا بشرط الخيار ، فباع الشفيع حصته في مدة الخيار . فعلى المذهب : يستحق المشتري الأول انتزاع شقص الشفيع من يد مشتريه . لأنه شريك الشفيع حالة بيعه .

وعلى الثانية : يستحقه البائع الأول ، لأن الملك باق له .

ومنها : لو باع عبدا بشرط الخيار ، وأهل هلال الفطر وهو في مدة الخيار . فعلى المذهب : الفطرة على المشتري . وعلى الثانية : على البائع .

ومنها : لو باع نصابا من الماشية بشرط الخيار حولا . فعلى المذهب : زكاته على المشتري . وعلى الثانية : على البائع .

ومنها : الكسب والنماء المنفصل في مدته . فعلى المذهب : هو للمشتري على الصحيح من المذهب ، أمضيا العقد أو فسخاه . وعنه إن فسخ أحدهما فالنماء المنفصل للبائع . وعنه وكسبه . وعلى الثاني للبائع . وقيل : هما للمشتري إن ضمنه . وستأتي هذه المسألة في كلام المصنف .

ومنها : مؤنة المبيع من الحيوان والعبيد . فعلى المذهب : على المشتري . وعلى الثانية على البائع .

ومنها : لو تلف المبيع في مدة الخيار . فإن كان بعد القبض أو لم يكن فيها : فمن مال المشتري على المذهب . ومن مال البائع على الثانية . على ما يأتي في كلام المصنف .

ومنها : لو تعيب في مدة الخيار . فعلى المذهب : لا يرد بذلك إلا أن يكون غير مضمون على المشتري لانتفاء القبض . وعلى الثانية : له الرد بكل حال .

ومنها : لو باع الملتقط اللقطة بعد الحول ، بشرط الخيار . ثم جاء ربها في [ ص: 381 ] مدة الخيار . فإن قلنا لم ينتقل الملك . فالرد واجب . وإن قلنا بانتقاله ، فوجهان . جزم في الكافي بالوجوب .

قلت : ويتوجه عدم الوجوب ، وتكون له القيمة أو المثل .

ومنها : لو باع محل صيدا بشرط الخيار ، ثم أحرم في مدته . فإن قلنا بانتقال الملك عنه ، فليس له الفسخ . لأنه ابتداء ملك على الصيد ، وهو ممنوع منه . وإن قلنا : لم ينتقل الملك عنه فله ذلك . ثم إن كان في يده المشاهدة أرسله ، وإلا فلا .

ومنها : لو باعت الزوجة الصداق قبل الدخول ، بشرط الخيار ، ثم طلقها الزوج . فإن قلنا بانتقال الملك عنها ، ففي لزوم استردادها وجهان . قلت : الأولى عدم لزوم استردادها . وإن قلنا لم يزل عنها : استرده وجها واحدا .

ومنها لو باع أمة بشرط الخيار ، ثم فسخ البيع ، وجب على البائع الاستبراء على المذهب . وعلى الثانية : لا يلزمه . لبقاء الملك .

ومنها : لو اشترى أمة بشرط الخيار واستبرأها في مدته . فإن قلنا : الملك لم ينتقل إليه ، لم يكفه ذلك الاستبراء . وإن قلنا بانتقاله . فقال في الهداية ، والمغني ، وغيرهما : يكفي .

وذكر في الترغيب والمحرر وجهين لعدم استقرار الملك .

ومنها : التصرف في مدة الخيار والوطء . ويأتيان في كلام المصنف قريبا .

فائدة :

الحمل وقت العقد مبيع . على الصحيح من المذهب . جزم به المصنف والشارح ، وغيرهما . وقدمه في الفروع وغيره . قال في القواعد الفقهية : قال القاضي ، وابن عقيل : إن قلنا للحمل حكم ، فهو داخل في العقد ، ويأخذ قسطا من العوض . ولمن قلنا : لا حكم له لم يأخذ [ ص: 382 ] قسطا . وكان حكمه حكم النماء المنفصل . فلو ردت العين بعيب . فإن قلنا له حكم : رد مع الأصل ، وإلا كان حكمه حكم النماء .

قال : وقياس المذهب : يقتضي أن حكمه حكم الأجزاء ، لا حكم الولد المنفصل ، فيجب رده مع العين . وأن لا حكم له ، وهو أصح . انتهى .

وذكر في أول القاعدة الرابعة والثمانين : أن القاضي ، وابن عقيل ، وغيرهما قالوا : الصحيح من المذهب ، أن له حكما . انتهى . وعنه الحمل نماء . فترد الأم بعيب بالثمن كله . قطع به في الوسيلة ، واقتصر عليه في الفروع . فعلى المذهب : هل هو كأحد عينين ، أو بيع للأم لا حكم له ؟ فيه روايتان . ذكرهما في المنتخب في الصداق . وقد تقدم كلام ابن رجب . وقال القاضي في المجرد ، في أثناء التفليس : وإن كانت حين البيع حاملا ، ثم أفلس المشتري . فله الرجوع فيها وفي ولدها . لأنها إذا كانت حاملا حين البيع فقد باع عينين ، وقد رجع فيهما . قوله ( فما حصل من كسب أو نماء منفصل : فهو له ، أمضيا العقد أو فسخاه ) هذا مبني على المذهب . وهو أنه ينتقل الملك إلى المشتري . وهذا المذهب . وعليه الأصحاب . وجزم به في القواعد وغيرها . وقدمه في الفروع . وعنه إن فسخ أحدهما فالنماء المنفصل للبائع . عنه : والكسب . وعلى الرواية الثانية : يكون للبائع . وقيل : هما للمشتري إن ضمنه . وتقدم ذلك في الفوائد . وقال في القاعدة الثانية والثمانين : لو فسخ البيع في مدة الخيار ، وكان له نماء متصل ، مخرج في المستوعب والتلخيص وجهين كالفسخ بالعيب . وذكر القاضي في خلافه ، وابن عقيل في عمده : أن الفسخ بالخيار فسخ [ ص: 383 ] للعقد من أصله . لأنه لم يرض فيه بلزوم البيع ، بخلاف الفسخ بالعيب ونحوه . فعلى هذا : يرجع بالنماء المنفصل في الخيار ، بخلاف العيب . انتهى . ويأتي في خيار العيب : هل الحمل والطلع ، أو الحب يصير زرعا : زيادة متصلة ، أو منفصلة

التالي السابق


الخدمات العلمية