الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القسم الثالث : من خاف العنت . فالنكاح في حق هذا : واجب . قولا واحدا ، إلا أن ابن عقيل ذكر رواية : أنه غير واجب . ويأتي كلامه في تعداد الطرق . قال الزركشي : ولعله أراد بخوف العنت : خوف المرض والمشقة ، لا خوف الزنا . فإن العنت يفسر بكل واحد من هذه .

تنبيهات :

أحدها : " العنت " هنا : هو الزنا . على الصحيح . وقيل : هو الهلاك بالزنا . ذكره في المستوعب .

الثاني : مراده بقوله " إلا أن يخاف على نفسه مواقعة المحظور " إذا علم وقوع ذلك أو ظنه . قاله الأصحاب . وقال في الفروع : ويتوجه إذا علم وقوعه فقط .

الثالث : هذه الأقسام الثلاثة : هي أصح الطرق . وهي طريقة المصنف ، والشارح ، وغيرهما . قال الزركشي : هي الطريقة المشهورة . وقال ابن شيخ السلامية في نكته على المحرر : ذكر غير واحد من أصحابنا في وجوب النكاح : روايتين . واختلفوا في محل الوجوب . فمنهم : من أطلقه ولم يقيده بحال . وهذه طريقة أبي بكر ، وأبي حفص ، وابن الزاغوني قال في مفرداته : النكاح واجب في إحدى الروايتين . [ ص: 10 ] وكذلك أطلقه القاضي أبو يعلى الصغير في مفرداته ، وأبو الحسين ، وصاحب الوسيلة . وقد وقع ذلك في كلام الإمام أحمد رحمه الله لما سئل عن التزويج ؟ فقال : أراه واجبا . وأشار إلى هذا أبو البركات ، حيث قال : وعنه الوجوب مطلقا . قلت : وهو ظاهر كلام المصنف هنا ، وصاحب الهداية ، والمذهب ، والخلاصة ، وغيرهم . قلت : وهو ضعيف جدا فيمن لا شهوة له . قال : ومنهم من خص الوجوب بمن يجد الطول ، ويخاف العنت . قال في المستوعب : فهذا يجب عليه النكاح رواية واحدة . كذا قال في الترغيب ، وابن الجوزي ، وأبو البركات . وعليها حمل القاضي إطلاق الإمام أحمد رحمه الله وأبي بكر .

قلت : وقيده ابن عقيل بذلك أيضا . وأن الشيخ تقي الدين رحمه الله قال : وظاهر كلام أحمد والأكثرين : أن ذلك غير معتبر . واختار ابن حامد : عدم الوجوب حتى في هذه الحالة . قلت : الذي يظهر أن هذا خطأ من الناقل عنه . ومن أصحابنا : من أجرى الخلاف فيه . فحكى ابن عقيل في التذكرة في وجوب النكاح على من يخاف العنت ويجد الطول روايتين . ومنهم : من جعل محل الوجوب في الصورة الأولى ، وهذه الصورة . ومنهم : من جعل الخلاف في الصورة الثانية ، وهو من يجد الطول ، ولا يخاف العنت وله شهوة . فهاهنا جعل محل الخلاف غير واحد . وحكوا فيه روايتين . وهذه طريقة القاضي ، وأبي البركات . [ ص: 11 ] وقطع الشيخ موفق الدين رحمه الله : بعدم الوجوب من غير خلاف . وكذلك القاضي في الجامع الكبير ، وابن عقيل في التذكرة . واختاره ابن حامد ، والشريف أبو جعفر . قالوا : ويدل على رجحانها في المذهب : أن الإمام أحمد رحمه الله لم يتزوج حتى صار له أربعون سنة ، مع أنه كان له شهوة . ومنهم : من جعل محل الوجوب في الصورتين المتقدمتين وفي صورة ثالثة ، وهو من يجد الطول ولا شهوة له . حكاه في الترغيب . قال أبو العباس : وكلام القاضي وتعليله يقتضي أن الخلاف في الوجوب ثابت ، وإن لم يكن له شهوة . ومنهم : من جعل محل الوجوب : القدرة على النفقة والصداق .

قال في المبهج : النكاح مستحب . وهل هو واجب أم لا ؟ ينظر فيه . فإن كان فقيرا لا يقدر على الصداق ، ولا على ما يقوم بأود الزوجة : لم يجب ، رواية واحدة . وإن كان قادرا مستطيعا : ففيه روايتان ، لا يجب . وهي المنصورة . والوجوب قال : قلت : ونازعه في ذلك كثير من الأصحاب . ومنهم : من أضاف قيدا آخر ، فجعل الوجوب مختصا بالقدرة على نكاح الحرة قال أبو العباس : إذا خشي العنت جاز له التزوج بالأمة ، مع أن تركه أفضل ، أو مع الكراهة وهو يخاف العنت . فيكون الوجوب مشروطا بالقدرة على نكاح الحرة . قلت : قدم في الفروع : أنه لا يجب عليه نكاح الحرة . قال القاضي ، وابن الجوزي ، والمصنف ، وغيرهم : يباح ذلك . والصبر عنه أولى . وقال في الفصول : في وجوبه خلاف . واختار أبو يعلى الصغير الوجوب . [ ص: 12 ] قلت : الصواب أنه يجب إذا لم يجد حرة . ومنهم : من جعل الوجوب من باب وجوب الكفاية لا العين . قال أبو العباس : ذكر أبو يعلى الصغير في ضمن مسألة التخلي لنوافل العبادة إنا إذا لم نوجبه على كل واحد فهو فرض على الكفاية . قلت : وذكر أبو الفتح ابن المنى أيضا : أن النكاح فرض كفاية . فكان الاشتغال به أولى . كالجهاد . قال : وكان القياس يقتضي وجوبه على الأعيان . تركناه للحرج والمشقة . انتهى .

وانتهى كلام ابن خطيب السلامية ، مع ما زدنا عليه فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية