الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن تزوج أمة يظنها حرة ) [ ص: 169 ] وكذا لو شرطها حرة فبانت أمة . ( فأصابها وولدت منه . فالولد حر . ويفديهم بمثلهم يوم ولادتهم ، ويرجع بذلك على من غره . ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء . وإن كان يجوز له ذلك : فله الخيار . فإن رضي بالمقام معها ، فما ولدت بعد ذلك : فهو رقيق ) . اعلم أنه إذا تزوج أمة يظنها حرة ، أو شرطها حرة واعتبر في المستوعب مقارنة الشرط للعقد . واختاره قبله القاضي فبانت أمة ، فلا يخلو : إما أن يكون ممن يجوز له نكاح الإماء أو لا . فإن كان ممن لا يجوز له نكاح الإماء . فالمذهب : أن النكاح باطل كما لو علم بذلك . وعليه الأصحاب . وقطعوا به . وقدمه في الفروع ، وقال : وعند أبي بكر يصح . فلا خيار . واعلم أن قول أبي بكر : إنما حكي عنه فيما إذا شرطها أمة فبانت حرة . كما تقدم . وذكر القاضي في الجامع : أنه قياس قوله " فيما إذا شرطها كتابية فبانت مسلمة " ثم فرق بينهما . فالذي نقطع به : أن نقل صاحب الفروع هنا عن أبي بكر : إما سهو ، أو يكون هنا نقص . وهو أولى . ويدل على ذلك : أنه قال بعده : وبناه في الواضح على الخلاف في الكفاءة . فهذا لا يلائم المسألة . والله أعلم .

وإن كان ممن يجوز له نكاح الإماء : فله الخيار . كما قال المصنف . وظاهره وظاهر كلام جماعة : إطلاق الظن . فيدخل فيه : ظنه أنها حرة الأصل أو عتيقة . [ ص: 170 ] وقطع في المحرر ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي ، والمنور ، والفروع وغيرهم : أنه لا خيار له إذا ظنها عتيقة . وهذا المذهب . ولعله مراد من أطلق . وظاهر كلام الزركشي : التنافي بين العبارتين . وقدم في الترغيب : أنه لو ظنها حرة لا خيار له . وقيل : لا خيار لعبد . وهو احتمال في المغني ، والشرح . وقيل : لا فسخ مطلقا . حكاه في الرعاية الصغرى . فإذا اختار المقام تقرر عليه المهر المسمى كاملا . على الصحيح من المذهب . وقيل : ينسب قدر مهر المثل إلى مهر المثل كاملا . فيكون له بقدر نسبته من المسمى ، يرجع به على من غره .

فائدة :

لو أبيح للحر نكاح أمة ، فنكحها ، ولم يشترط حرية أولاده : فهم أرقاء لسيدها . على الصحيح من المذهب . وعليه الأصحاب . وعنه : أن ولد العربي يكون حرا . وعلى أبيه فداؤه . ذكره الزركشي في آخر كتاب النفقات على الأقارب . وإن شرط حرية الولد ، فقال في الروضة في إرث غرة الجنين : إن شرط زوج الأمة حرية الولد : كان حرا . وإن لم يشرط : فهو عبد . انتهى .

ذكره في الفروع في أواخر " باب مقادير ديات النفس " . قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين في الجزء الثالث في الحيل المثال الثالث والسبعون : إذا شرط الزوج على السيد حرية أولاده : صح . وما ولدته فهم أحرار . قوله ( والولد حر ) . هذا المذهب . وعليه الأصحاب ، وقال : ينعقد حرا باعتقاده .

قال ابن عقيل : ينعقد حرا كما يعد ولد القرشي قرشيا . وعنه : الولد بدون الفداء رقيق . [ ص: 171 ] قوله ( ويفديهم ) . هذا المذهب . قاله في المغني ، وغيره . قال الشارح : وهو الصحيح . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في الفروع ، وغيره . وعنه : لا يلزمه فداؤهم . قال الزركشي : نقل ابن منصور : لا فداء عليه ، لانعقاد الولد حرا . وعنه : أنه يقال له " افتد أولادك ، وإلا فهم يتبعون الأم " . قال المصنف ، والشارح : فظاهر هذا أنه خيره بين فدائهم وبين تركهم رقيقا . فعلى المذهب : يفديهم بقيمتهم . على الصحيح . اختاره المصنف ، والشارح ، وصاحب التلخيص ، وابن منجا . وقدمه في الفروع في " باب الغصب " لأنه أحاله عليه . وجزم به في الوجيز . وعنه : يفديهم بمثلهم في القيمة . قدمه في الفائق . واختاره أبو بكر . قاله المصنف ، والشارح . ويحتمله كلام المصنف هنا . وعنه : يضمنهم بأيهما شاء . اختاره أبو بكر في المقنع . وعنه : يفديهم بمثلهم في صفاتهم تقريبا . اختاره الخرقي ، والقاضي ، وأصحابه .

قال ابن منجا في شرحه : هذا المذهب . وهو ظاهر كلام المصنف هنا . والخلاف هنا كالخلاف المذكور في باب الغصب ، فيما إذا اشترى الجارية من الغاصب ، أو وهبها له ، ووطئها وهو غير عالم . فإن الأصحاب أحالوه عليه .

قوله ( يوم ولادتهم ) . هذا الصحيح من المذهب . وعليه الأصحاب . وعنه : وقت الخصومة . [ ص: 172 ]

فائدتان

إحداهما : لا يضمن منهم إلا من ولد حيا في وقت يعيش لمثله ، سواء عاش أو مات بعد ذلك . الثانية : ولد المكاتبة مكاتب . ويغرم أبوه قيمته ، على الصحيح من الروايتين . والمعتق بعضها : يجب لها البعض فيسقط . وولدها يغرم أبوه قدر رقه .

تنبيه :

قوله ( فبانت أمة ) . يعني : بالبينة لا غير . على الصحيح من المذهب . وقيل : وبإقرارها أيضا . قوله ( وإن كان عبدا ، فولده أحرار . ويفديهم إذا عتق ) . فيكون الفداء متعلقا بذمته . وهو المذهب . جزم به الخرقي ، وصاحب الوجيز ، والمحرر ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي وغيرهم . وقدمه في الفروع ، وشرح ابن منجا . وقيل : يتعلق برقبته . وهو رواية في الترغيب . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : وهذا هو المتوجه قولا واحدا ; لأنه ضمان جناية محضة . وأطلقهما في المغني ، والشرح . وقيل : يتعلق بكسبه . فيرجع به سيده في الحال . قوله ( ويرجع بذلك على من غره ) . بلا نزاع كأمره بإتلاف مال غيره بأنه له . فلم يكن له . ذكره في الواضح . لكن من شروط رجوعه على من غره : أن يكون قد شرط له أنها حرة مطلقا . على الصحيح من المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وقطع به كثير منهم . [ ص: 173 ]

وقيل : إن كان الشرط مقارنا للعقد : رجع ، وإلا فلا . اختاره القاضي . وقطع به في المستوعب ، فقال " الشرط الثالث : أن يشترط حريتها في نفس العقد . فأما إن تقدم ذلك على العقد : فهو كما لو تزوجها مطلقا من غير اشتراط الحرية . فلا يثبت له خيار الفسخ " انتهى .

وقال في المغني ، والشرح : ويرجع أيضا بذلك على من غره ، مع إيهامه بقرينة حريتها . وفي المغني أيضا : ولو كان الغار أجنبيا كوكيلها . قال في الفروع : وما ذكره في المغني : هو إطلاق نصوصه . وقاله أبو الخطاب . وقاله أيضا فيما إذا دلس غير البائع . قال الزركشي : وظاهر كلام أحمد رحمه الله في رواية حرب يقتضي الرجوع مع الظن . وهو اختيار أبي محمد ، وأبي العباس . إذ الصحابة الذين قضوا بالرجوع لم يستفصلوا . ويحقق ذلك : أن الأصحاب لم يشترطوا ذلك في الرجوع في العيب . انتهى .

فائدة :

لمستحق الفداء مطالبة الغار ابتداء . نص عليه . وجزم به في المحرر ، والرعايتين ، والفروع ، والحاوي الصغير ، وغيرهم . قال في الرعاية ، قلت : كما لو مات عبدا أو عتيقا أو مفلسا . وجعل الشيخ تقي الدين رحمه الله : في المسألة روايتين . قال ابن رجب : وكذلك أشار إليه جده في تعليقه على الهداية . قال ابن رجب رحمه الله : وهو الأظهر . ويرجع هذا إلى أن المغرور : هل يطالب ابتداء بما يستقر ضمانه على الغار ، أم لا يطالب به سوى الغار ؟ كما نص عليه في رواية جماعة هنا . ومتى قلنا : يخير بين مطالبة الزوج والغار ، فلا فرق بين أن يكون أحدهما موسرا والآخر معسرا ، أو يكونا موسرين . [ ص: 174 ] وإن قلنا : لا يجوز سوى مطالبة الغار ابتداء ، وكان الغار معسرا والآخر موسرا : فهل يطالب هنا ؟ فيه تردد . وقد تشبه المسألة بما إذا كانت عاقلة القاتل خطأ ممن لا تحمل العقل . فهل يحمل القاتل الدية ، أم لا ؟ انتهى .

تنبيهان :

الأول : سكوت المصنف عن ذكر المهر يدل على أنه لا يرجع به . وهو إحدى الروايتين . اختاره أبو بكر . قال القاضي : الأظهر أنه لا يرجع ; لأن الإمام أحمد رحمه الله قال : كنت أذهب إلى حديث علي رضي الله عنه ثم هبته . وكأني أميل إلى حديث عمر رضي الله عنه فحديث علي رضي الله عنه بالرجوع بالمهر . وحديث عمر رضي الله عنه عنه بعدمه . والرواية الثانية : يرجع به أيضا . اختاره الخرقي . قال الزركشي : اختاره القاضي ، وأبو محمد يعني به المصنف وغيرهما . وقدمه في المستوعب ، والمغني ، والشرح ، والزركشي ، وغيرهم . قلت : وهو المذهب . فعلى هذه الرواية : يجب المهر المسمى . على الصحيح من المذهب . وعنه : مهر المثل . اختاره المصنف . ويأتي ذلك في آخر كتاب الصداق في النكاح الفاسد . الثاني قوله ( ويرجع بذلك على من غره ) إن كان الغار السيد : عتقت إذا أتى بلفظ الحرية ، وزالت المسألة . وإن كان بغير لفظ الحرية : لم تعتق ، ولم يجب له شيء ; إذ لا فائدة في وجوب شيء له ، ويرجع به عليه . [ ص: 175 ] لكن إن قلنا : إن الزوج لا يرجع بالمهر ، وجب للسيد . وإن كان الغار للأمة رجع عليها . على الصحيح من المذهب . وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب . واختاره القاضي ، وغيره . وقدمه في المغني ، والشرح ، والفروع . وقيل : لا يرجع عليها . وأطلقهما الزركشي . نقل ابن الحكم لا يرجع عليها . قال المصنف : ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله : لا يرجع عليها . قال الزركشي : ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله في رواية جماعة : لا يرجع عليها . فعلى الأول : هل يتعلق بذمتها ، أو برقبتها ؟ فيه وجهان . وأطلقهما في الفروع

قال المصنف ، والشارح ، وابن رزين في شرحه ، والزركشي : هل يتعلق برقبتها أو بذمتها ؟ على وجهي استدانة العبد بدون إذن سيده . وتقدم ذلك في أواخر " باب الحجر " وأن الصحيح : أنه يتعلق برقبته . وقال القاضي : قياس قول الخرقي : أنه يتعلق بذمتها . لأنه قال في الأمة إذا خالعت زوجها بغير إذن سيدها يتبعها به إذا عتقت . فكذا هنا . وإن كانت الغارة مكاتبة : فلا مهر لها في أصح الوجهين . قاله في الفروع . وجزم به في المغني ، والشرح . وإن كان الغار أجنبيا ، فالصحيح من المذهب : أنه يرجع عليه . ونص عليه في رواية عبد الله ، وصالح . وعليه جماهير الأصحاب . وقطعوا به . وظاهر كلام القاضي : عدم الرجوع عليه . فإنه قال : الغار وكيلها ، أو هي نفسها . قاله الزركشي وإن كان الغار الوكيل : رجع عليه في الحال . [ ص: 176 ] وإن كان الغرر منها ومن وكيلها : فالضمان بينهما نصفان . قاله في المستوعب وغيره . ويأتي نظيرها في الغرر بالعيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية