الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3471 171 - حدثنا محمد بن مسكين أبو الحسن، حدثنا يحيى بن حسان، حدثنا سليمان، عن شريك بن أبي نمر، عن سعيد بن المسيب قال: أخبرني أبو موسى الأشعري أنه توضأ في بيته، ثم خرج فقلت: لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن معه يومي هذا. قال: فجاء المسجد فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: خرج ووجه هاهنا، فخرجت على إثره أسأل عنه حتى دخل بئر [ ص: 189 ] أريس، فجلست عند الباب وبابها من جريد حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فتوضأ، فقمت إليه، فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر، فسلمت عليه ثم انصرفت فجلست عند الباب فقلت: لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم، فجاء أبو بكر فدفع الباب فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلت: على رسلك، ثم ذهبت فقلت: يا رسول الله، هذا أبو بكر يستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه، ثم رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا؛ يريد أخاه يأت به، فإذا إنسان يحرك الباب فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب فقلت: على رسلك ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقلت: هذا عمر بن الخطاب يستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فجئت فقلت له: ادخل وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القف عن يساره ودلى رجليه في البئر، ثم رجعت فجلست فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا يأت به، فجاء إنسان يحرك الباب فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفان، فقلت: على رسلك، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فجئته فقلت له: ادخل وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك فدخل فوجد القف قد ملئ فجلس وجاهه من الشق الآخر. قال شريك: قال سعيد بن المسيب: فأولتها قبورهم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن فيه التصريح بفضيلة هؤلاء الثلاثة: أبو بكر وعمر وعثمان، وأن أبا بكر أفضلهم لسبقه بالبشارة بالجنة، ولجلوسه على يمين النبي صلى الله عليه وسلم، والغرض من إيراده في مناقب أبي بكر خاصة الإشارة إلى هذا الوجه.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم ستة: الأول: محمد بن مسكين بن نميلة اليمامي يكنى أبا الحسن، وهو شيخ مسلم أيضا. الثاني: يحيى بن حسان بن حبان أبو زكرياء التنيسي، حكى البخاري عن حسن بن عبد العزيز أنه مات سنة ثمان ومائتين. الثالث سليمان بن بلال أبو أيوب وأبو محمد القرشي التيمي مولى القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وكان بربريا، مات سنة سبع وسبعين ومائة. الرابع: شريك بن عبد الله بن أبي نمر بلفظ الحيوان المشهور أبو عبد الله القرشي، ويقال: الليثي من أنفسهم، مات سنة أربعين ومائة وهو منسوب إلى جده. الخامس: سعيد بن المسيب. السادس: أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، واسمه عبد الله بن قيس.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفتن عن سعيد بن أبي مريم، وأخرجه مسلم في الفضائل عن محمد بن مسكين به، وعن الحسن بن علي الحلواني وأبي بكر بن أبي إسحاق.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه). قوله: " لألزمن " باللام المفتوحة وبالنون الثقيلة للتأكيد، وكذلك قوله: " لأكونن ". قوله: " وجه " بفتح الواو وتشديد الجيم على لفظ الماضي هكذا في رواية الأكثرين، ومعناه: توجه أو وجه نفسه، وفي رواية الكشميهني بسكون الجيم بلفظ الاسم مضافا إلى الظرف أي: جهة كذا. وقال الكرماني: وفي بعضها أي: في بعض الرواية وجهته يعني بالرفع وهو مبتدأ [ ص: 190 ] وهاهنا خبره. قوله: " أريس " بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف بعدها سين مهملة، وهو بستان بالمدينة معروف قريب من قباء وفي هذا البئر سقط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من إصبع عثمان رضي الله تعالى عنه، وهو منصرف، وإن جعلته اسما لتلك البقعة يكون غير منصرف للعلمية والتأنيث. قوله: " وتوسط قفها " أي: صار في وسط قفها، والقف بضم القاف وتشديد الفاء قال النووي: هو حافة البئر، وأصله الغليظ المرتفع من الأرض. وقال غيره: القف الدكة التي جعلت حول البئر والجمع قفاف، ويقال: القف اليابس، ويحتمل أن يكون سمي به؛ لأن ما ارتفع حول البئر يكون يابسا دون غيره غالبا. قوله: " فدلاهما " أي: أرسلهما. قوله: " فقلت لأكونن بوابا للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم " ظاهره أنه اختار ذلك وفعله من تلقاء نفسه، وقد صرح بذلك في رواية محمد بن جعفر عن شريك في الأدب، وزاد فيه: ولم يأمرني به.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن التين: فيه أن المرء يكون بوابا للإمام وإن لم يأمره، (فإن قلت): وقع في رواية أبي عثمان التي تأتي في مناقب عثمان عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطا وأمره بحفظ باب الحائط، وأخرج أبو عوانة في صحيحه من رواية عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب في هذا الحديث فقال: يا أبا موسى، أملك علي هذا الباب، فانطلق فقضى حاجته وتوضأ، ثم جاء فقعد على قف البئر. وروى الترمذي من طريق أبي عثمان عن أبي موسى، وقال لي: يا أبا موسى، أملك علي الباب فلا يدخلن علي أحد. قلت: وجه الجمع بينهما بأنه لما حدث نفسه بذلك صادف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحفظ عليه الباب.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): يعارض هذا قول أنس رضي الله تعالى عنه لم يكن له بواب، وقد سبق في كتاب الجنائز قلت: مراد أنس أنه لم يكن له بواب مستمر مرتب لذلك على الدوام. قوله: " على رسلك " بكسر الراء على هينتك وهو من أسماء الأفعال ومعناه: اتئد. قوله: " وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني " كان لأبي موسى أخوان: أبو رهم وأبو بردة ويقال: إن له أخا آخر اسمه محمد وأشهرهم أبو بردة واسمه عامر، وقد أخرج أحمد في مسنده عنه حديثا.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فإذا إنسان يحرك الباب " فيه حسن الأدب في الاستئذان. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون هذا قبل أن ينزل قوله تعالى: لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا واعترض عليه باستبعاد ما قاله، وذلك لأنه وقع في رواية عبد الرحمن بن حرملة: فجاء رجل فاستأذن فعرف من هذا أن معنى قوله: يحرك الباب يعني مستأذنا لا دافعا. قوله: " يبشرك بالجنة " زاد أبو عثمان في روايته: فحمد الله تعالى. قوله: " فقال عثمان إلى قوله فقال: ائذن له " وفي رواية أبي عثمان: ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة ثم قال: ائذن له. قوله: " على بلوى تصيبك " وهي البلية التي صار بها شهيد الدار. وفي رواية أبي عثمان: فحمد الله ثم قال: الله المستعان. وفي رواية عند أحمد فجعل يقول: اللهم صبرا حتى جلس. قوله: " فجلس وجاهه " بضم الواو وكسرها أي: مقابله. قوله: " قال شريك " هو شريك بن أبي نمر الراوي وهو موصول بالإسناد الماضي. قوله: " فأولتها قبورهم " أي: أولت هؤلاء الثلاثة الجالسين على الهيئة المذكورة بقبورهم، والتأويل بالقبور من جهة كون الشيخين مصاحبين له عند الحفرة المباركة لا من جهة أن أحدهما في اليمين والآخر في اليسار، وأما عثمان فهو في البقيع مقابلا لهم، وهذا من الفراسة الصادقة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية