الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
392 65 - حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15628جرير ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17152منصور ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16588علقمة قال : قال nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله : nindex.php?page=hadith&LINKID=650386صلى النبي صلى الله عليه وسلم - قال إبراهيم : لا أدري زاد أو نقص - فلما سلم قيل له : يا رسول الله ، أحدث في الصلاة شيء ؟ قال : وما ذاك ؟ قالوا : صليت كذا وكذا . nindex.php?page=treesubj&link=1885_30965_29376_1867فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم ، فلما أقبل علينا بوجهه قال : إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به ، ولكن إنما أنا بشر مثلكم ؛ أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني ، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ، ثم يسجد سجدتين .
مطابقة هذا الحديث للترجمة في قوله ( فثنى رجليه واستقبل القبلة ) ؛ لأنه استقبلها بعد أن سلم سلام الخروج من الصلاة .
( ذكر رجاله ) : وهم ستة ؛ الأول : nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان بن أبي شيبة . الثاني : nindex.php?page=showalam&ids=15628جرير بن عبد الحميد . الثالث : nindex.php?page=showalam&ids=17152منصور بن المعتمر . الرابع : nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم بن يزيد النخعي . الخامس : nindex.php?page=showalam&ids=16588علقمة بن قيس النخعي . السادس : nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه القول ، وفيه أن رواته كلهم كوفيون وأئمة أجلاء ، وإسناده من أصح الأسانيد .
( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أيضا في النذور عن إسحاق ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان بن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=12508وأبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم ومحمد بن يحيى وأبي كريب ومحمد بن حاتم وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي nindex.php?page=showalam&ids=12166ومحمد بن المثنى ويحيى بن يحيى ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود فيه عن عثمان به ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي فيه عن محمد بن عبد الله المخزومي وعن الحسن بن إسماعيل وعن nindex.php?page=showalam&ids=16073سويد بن نصر ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=16957محمد بن رافع ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه فيه عن nindex.php?page=showalam&ids=15573بندار وعن علي بن محمد عن nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع به .
[ ص: 138 ] ( ذكر معناه وإعرابه ) : قوله ( صلى النبي صلى الله عليه وسلم ) ؛ هذه الصلاة قيل : الظهر ، وقيل : العصر ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بن مصرف عن إبراهيم به أنها العصر فنقص في الرابعة ولم يجلس حتى صلى الخامسة ، ومن حديث nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن حماد عن إبراهيم أنها الظهر وأنه صلاها خمسا .
قوله ( قال إبراهيم ) ؛ أي : nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي المذكور .
قوله ( لا أدري زاد أو نقص ) مدرج ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود : فلا أدري ؛ أي : فلا أعلم هل زاد النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته أو نقص ، والمقصود أن إبراهيم شك في سبب سجود السهو المذكور ؛ هل كان لأجل الزيادة أو النقصان ، وهو مشتق من النقص المتعدي لا من النقصان اللازم ، والصحيح كما قال nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي أنه زاد .
قوله ( أحدث ) الهمزة فيه للاستفهام ، ومعناه السؤال عن حدوث شيء من الوحي يوجب تغيير حكم الصلاة بالزيادة على ما كانت معهودة أو بالنقصان عنه .
قوله ( حدث ) بفتح الدال معناه وقع ، وأما حدث بضم الدال فلا يستعمل في شيء من الكلام إلا في قولهم : أخذني ما قدم وما حدث - للازدواج .
قوله ( وما ذاك ؟ ) سؤال من لم يشعر بما وقع منه ولا يقين عنده ولا غلبة ظن ، وهو خلاف ما عندهم حيث قال : صليت كذا وكذا ، فإنه إخبار من يتحقق ما وقع ، وقوله ( كذا وكذا ) كناية عما وقع إما زائدا على المعهود أو ناقصا .
قوله ( فثنى ) بتخفيف النون مشتق من الثني ؛ أي : عطف ، والمقصود منه فجلس كما هو هيئة القعود للتشهد .
قوله ( رجله ) بالإفراد ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15086الكشميهني nindex.php?page=showalam&ids=13722والأصيلي " رجليه " بالتثنية .
قوله ( لنبأتكم به ) ؛ أي : لأخبرتكم به ، وهذا من باب نبأ بتشديد الباء وهو مما ينصب ثلاثة مفاعيل ، وكذلك أنبأ من باب أفعل ، والثلاثي نبأ ، والمصدر النبأ معناه الخبر ؛ تقول : نبأ وأنبأ ونبأ ، أي : أخبر ، ومنه أخذ النبي لأنه أنبأ عن الله تعالى ، واللام فيه لام الجواب وتفيد التأكيد أيضا ، وزعم بعضهم أن اللام بعد لو جواب قسم مقدر . ( فإن قلت ) : أين المفاعيل الثلاثة هاهنا ؟ قلت : الأول ضمير المخاطبين ، والثاني الجار والمجرور أعني لفظة " به " ، والضمير فيه يرجع إلى الحدوث الذي يدل عليه قوله : " لو حدث في الصلاة شيء " كما في قوله " nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8اعدلوا هو أقرب للتقوى " والثالث محذوف ، قوله : " ولكن إنما أنا بشر مثلكم " ، لا نزاع أن كلمة " إنما " للحصر ، لكن تارة تقتضي الحصر المطلق وتارة حصرا مخصوصا ، ويفهم ذلك بالقرائن والسياق ، ومعنى الحصر في الحديث بالنسبة إلى الاطلاع على بواطن المخاطبين لا بالنسبة إلى كل شيء ، فإن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصافا أخر كثيرة .
قوله ( فذكروني ) ؛ أي : في الصلاة بالتسبيح ونحوه .
قوله ( وإذا شك أحدكم ) ، الشك في اللغة خلاف اليقين ، وفي الاصطلاح : الشك ما يستوي فيه طرف العلم والجهل ، وهو الوقوف بين الشيئين بحيث لا يميل إلى أحدهما ، فإذا قوي أحدهما وترجح على الآخر ولم يأخذ بما رجح ولم يطرح الآخر فهو الظن ، وإذا عقد القلب على أحدهما وترك الآخر فهو أكبر الظن وغالب الرأي فيكون الظن أحد طرفي الشك بصفة الرجحان .
قوله ( فليتحر الصواب ) ، التحري القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم : "فينظر أحرى ذلك إلى الصواب" ، وفي رواية : "فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب" ، وفي رواية : "فليتحر الذي يرى أنه صواب" . ويعلم من هذا أن التحري طلب أحد الأمرين وأولاهما بالصواب . قوله ( فليتم عليه ) ؛ أي : فليتم بانيا عليه ، ولولا تضمين الإتمام معنى البناء لما جاز استعماله بكلمة الاستعلاء ، وقصد الصواب في البناء على غالب الظن عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي الأخذ باليقين .
قوله ( ثم يسجد سجدتين ) ، ويروى " ثم ليسجد سجدتين " ؛ يعني للسهو .
( ذكر استنباط الأحكام ) : منها أن فيه دليلا على nindex.php?page=treesubj&link=22177جواز النسخ وجواز توقع الصحابة ذلك ، دل على ذلك استفهامهم حيث قيل له صلى الله عليه وسلم : أحدث في الصلاة شيء . ومنها أن فيه جواز nindex.php?page=treesubj&link=21386وقوع السهو من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الأفعال ، وقال ابن دقيق العيد : وهو قول عامة العلماء والنظار ، وشذت طائفة فقالوا : لا يجوز على النبي - صلى الله عليه وسلم - السهو ، وهذا الحديث يرد عليهم . قلت : هم منعوا السهو عليه في الأفعال البلاغية ، وأجابوا عن الظواهر الواردة في ذلك بأن السهو لا يناقض النبوة ، وإذا لم يقر عليه لم تحصل منه مفسدة بل تحصل فيه فائدة ؛ وهو بيان أحكام الناس وتقرير الأحكام ، وإليه مال أبو إسحاق الإسفرايني ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : واختلفوا في جواز السهو عليه - صلى الله عليه وسلم - في الأمور التي لا تتعلق بالبلاغ وبيان [ ص: 139 ] أحكام الشرع من أفعاله وعاداته وأذكار قلبه فجوزه الجمهور ، وأما السهو في الأقوال البلاغية فأجمعوا على منعه كما أجمعوا على امتناع تعمده ، وأما السهو في الأقوال الدنيوية وفيما ليس سبيله البلاغ من الكلام الذي لا يتعلق بالأحكام ولا أخبار القيامة وما يتعلق بها ولا يضاف إلى وحي فجوزه قوم ؛ إذ لا مفسدة فيه . قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : والحق الذي لا شك فيه ترجيح قول من منع ذلك على الأنبياء في كل خبر من الأخبار ، كما لا يجوز عليهم خلف في خبر لا عمدا ولا سهوا لا في صحة ولا في مرض ولا رضى ولا غضب ، وأما جواز السهو في الاعتقادات في أمور الدنيا فغير ممتنع .
ومنها أن فيه جواز النسيان في الأفعال على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، واتفقوا على أنهم لا يقرون عليه بل يعلمهم الله تعالى به ، وقال الأكثرون : شرطه تنبيهه - صلى الله عليه وسلم - على الفور ؛ أي : متصلا بالحادثة ، وجوزت طائفة تأخيره مدة حياته ، ( فإن قلت ) : ما الفرق بين السهو والنسيان ؟ قيل : النسيان غفلة القلب عن الشيء والسهو غفلة الشيء عن القلب ، ففي هذا قال قوم : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يسهو ولا ينسى ، فلذلك نفى عن نفسه النسيان في حديث ذي اليدين بقوله " لم أنس " ؛ لأن فيه غفلة ولم يغفل . وقال القشيري : يبعد الفرق بينهما في استعمال اللغة ، وكأنه يتلوح من اللفظ على أن النسيان عدم الذكر لأمر لا يتعلق بالصلاة ، والسهو عدم الذكر لا لأجل الإعراض . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي : لا نسلم الفرق ، ولئن سلم فقد أضاف - صلى الله عليه وسلم - النسيان إلى نفسه في غير ما موضع ؛ كقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=650386إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني . وقال القاضي : إنما أنكر - صلى الله عليه وسلم - نسيت ؛ المضاف إليه وهو قد نهى عن هذا بقوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=665236بئسما لأحدكم أن يقول : نسيت كذا ، ولكنه نسي " ، وقد قال أيضا : nindex.php?page=hadith&LINKID=650386لا أنسى - على النفي - ولكن أنسى . وقد شك بعض الرواة في روايته فقال : أنسى أو أنسى ، وإن " أو " للشك أو للتقسيم ، وإن هذا يكون منه مرة من قبل شغله ومرة يغلب ويجبر عليه ، فلما سأله السائل بذلك في حديث ذي اليدين أنكره وقال : كل ذلك لم يكن ، وفي الرواية الأخرى : لم أنس ولم تقصر ؛ أما القصر فبين ، وكذلك لم أنس حقيقة من قبل نفسي ولكن الله أنساني ، وسنتكلم في هذا كما هو المطلوب في موضعه إن شاء الله تعالى .
ومنها أن بعضهم احتج به على أن nindex.php?page=treesubj&link=1588كلام الناسي لا يبطل الصلاة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر : ذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصحابه إلى أن الكلام والسلام ساهيا في الصلاة لا يبطلها كقول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وأصحابه سواء ، وإنما الخلاف بينهما أن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا يقول : nindex.php?page=treesubj&link=23310لا يفسد الصلاة تعمد الكلام فيها إذا كان في شأنها وإصلاحها ، وهو قول ربيعة وابن القاسم إلا ما روي عنه في المنفرد ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ؛ ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم عنه أنه قال : ما تكلم به الإنسان في صلاته لإصلاحها لم يفسد عليه صلاته ، فإن تكلم لغير ذلك فسدت عليه . وذكر الخرقي عنه أن مذهبه فيمن تكلم عامدا أو ساهيا بطلت صلاته إلا الإمام خاصة ، فإنه إذا تكلم لمصلحة صلاته لم تبطل صلاته . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصحابه ومن تابعهم من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وغيرهم : إن nindex.php?page=treesubj&link=1588من تعمد الكلام وهو يعلم أنه لم يتم الصلاة وأنه فيها أفسد صلاته ، فإن تكلم ناسيا أو تكلم وهو يظن أنه ليس في الصلاة لا تبطل ، وأجمعوا على أن الكلام عامدا إذا كان المصلي يعلم أنه في الصلاة ولم يكن ذلك لإصلاح صلاته أنه يفسد الصلاة إلا ما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي أنه من تكلم لإحياء نفس أو مثل ذلك من الأمور الجسام لم تفسد بذلك صلاته ، وهو قول ضعيف في النظر ، وفي المغني : وقال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر ما ملخصه أن الكلام لغير مصلحة الصلاة ينقسم خمسة أقسام ؛ الأول : الكلام جاهلا بتحريمه فيها ، قال القاضي في الجامع : لا أعرف عن أحد نصا فيه ، ويحتمل أن لا تبطل . الثاني : الكلام ناسيا ، وهو على نوعين ؛ أحدهما أن ينسى أنه في الصلاة ففيه روايتان إحداهما لا تبطل وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، والأخرى تبطل وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=15741وحماد بن أبي سليمان وأصحاب الرأي ، والنوع الآخر أن يظن أن صلاته تمت فيتكلم فإن كان سلاما لا تبطل رواية واحدة ، وإلا فالمنصوص عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد إن كان لأمر الصلاة لا تبطل ، وإن كان لغير أمرها مثل اسقني يا غلام ماء تبطل ، وعنه رواية ثانية أنها تفسد بكل حال ، وهذا مذهب أصحاب الرأي . وفيه رواية ثالثة أنها لا تبطل بالكلام في تلك الحال بحال سواء كان من شأن الصلاة أو لم يكن ، إماما كان أو مأموما ، وهذا مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي . وتخرج رواية رابعة وهو أن المتكلم إن كان إماما تكلم لمصلحة الصلاة لم تفسد ، وإن تكلم غيره فسدت .
القسم الثالث : أن يتكلم مغلوبا على الكلام ، وهو ثلاثة أنواع ؛ أحدها أن تخرج الحروف من فيه بغير اختياره مثل : إن تثاوب فقال : آه ، أو تنفس [ ص: 140 ] فقال : آه ، أو يسعل فينطق في السعلة بحرفين وما أشبه هذا ، أو يغلط في القراءة فيعدل إلى كلمة من غير القرآن ، أو يجيئه بكاء فيبكي ولا يقدر على رده ؛ فهذا لا تفسد صلاته ، نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وقال القاضي فيمن تثاوب فقال : آه آه : فسدت صلاته .
النوع الثاني : أن ينام فيتكلم ، فقد توقف nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن الجواب فيه وينبغي أن لا تبطل .
النوع الثالث : أن يكره على الكلام فيحتمل أن يخرج على كلام الناسي ، والصحيح - إن شاء الله - أن هذا تفسد صلاته .
القسم الرابع : أن يتكلم بكلام واجب ، مثل أن يخشى على صبي أو ضرير الوقوع في هلكة ، أو يرى حية ونحوها تقصد غافلا أو نائما ، أو يرى نارا يخاف أن تشتعل في شيء ونحو هذا ، فلا يمكنه التنبيه بالتسبيح ، فقال أصحابنا : تبطل الصلاة بهذا ، وهو قول بعض أصحاب الشافعي ، ويحتمل أن لا تبطل وهو ظاهر قول nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وهذا ظاهر مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
القسم الخامس : أن يتكلم لإصلاح الصلاة ، وجملته أن من سلم من نقص في صلاته يظن أنها قد تمت ثم تكلم ففيه ثلاث روايات ؛ إحداها : لا تفسد إذا كان لشأن الصلاة . والثانية : تفسد ، وهو قول الخلال وأصحاب الرأي . والثالثة : صلاة الإمام لا تفسد ، وصلاة المأموم الذي تكلم تفسد ، انتهى .
ومذهب أصحابنا : أنه لا يجوز الكلام في الصلاة إلا بالتكبير والتسبيح والتهليل وقراءة القرآن ، ولا يجوز أن يتكلم فيها لأجل شيء حدث من الإمام في الصلاة ، والكلام يبطل الصلاة سواء كان عامدا أو ناسيا أو جاهلا ، وسواء كان إماما أو منفردا ، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=15741وحماد بن أبي سليمان nindex.php?page=showalam&ids=16472وعبد الله بن وهب وابن نافع من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، واحتجوا في ذلك بحديث معاوية بن الحكم السلمي أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم مطولا ، وفيه : nindex.php?page=hadith&LINKID=657844إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن . وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي أيضا ، وهذا نص صريح على تحريم الكلام في الصلاة سواء كان عامدا أو ناسيا لحاجة أو غيرها ، وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها ، فإن احتاج إلى تنبيه إمام ونحوه سبح إن كان رجلا وصفقت إن كانت امرأة ، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=651158من نابه شيء في الصلاة فليقل : سبحان الله ، وإنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال . رواه nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي عنه ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري مطولا ولفظه : nindex.php?page=hadith&LINKID=651158أيها الناس ، ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيق ! إنما التصفيق للنساء ، من نابه شيء في صلاته فليقل : سبحان الله ، فإنه لا يسمعه أحد حين يقول : سبحان الله إلا التفت . وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم nindex.php?page=showalam&ids=14724وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي .
قوله ( من نابه ) ؛ أي : من نزل به شيء من الأمور المهمة ، والمراد من التصفيق ضرب ظاهر إحدى يديه على باطن الأخرى ، وقيل : بإصبعين من أحدهما على صفحة الأخرى للإنذار والتنبيه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : إن هذا الحديث دل على أن كلام ذي اليدين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما كلمه به في حديث عمران nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم كان قبل تحريم الكلام في الصلاة .
ومنها أن فيه دليلا على أن nindex.php?page=treesubj&link=1873سجود السهو سجدتان ، وهو قول عامة الفقهاء ، وحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي أنه يلزمه لكل سهو سجدتان ، وكذا حكي عن nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، وقال النووي : وفيه حديث ضعيف .
ومنها : أن فيه دليلا على أن nindex.php?page=treesubj&link=1885سجدتي السهو بعد السلام ، وهو حجة على nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن تبعه في أنهما قبل السلام ، وفي المغني : السجود كله عند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد قبل السلام إلا في الموضعين اللذين ورد النص بسجودهما بعد السلام ، وهما إذا سلم من نقص في صلاته أو تحرى الإمام فبنى على غالب ظنه ، وما عداهما يسجد له قبل السلام ، نص على هذا في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=14430سليمان بن داود وأبو خيثمة وابن المنذر ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد روايتين أخريين إحداهما أن السجود كله قبل السلام ، والثانية أنها قبل السلام إن كانت لنقص وبعد السلام إن كانت لزيادة ، وهذا مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور وبما قال أصحابنا الحنفية . قال nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري : وهو مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وعبد الله بن عباس nindex.php?page=showalam&ids=56وعمار بن ياسر nindex.php?page=showalam&ids=16414وعبد الله بن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك رضي الله عنهم .
( فإن قلت ) : لو سجد للسهو قبل السلام كيف يكون حكمه عند الحنفية ؟ قلت : قال nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري : لو سجد للسهو قبل السلام جاز عندنا هذا في رواية الأصول ، وروي عنهم أنه لا يجوز لأنه أداه قبل وقته ، وفي الهداية : وهذا الخلاف في الأولوية ، وكذا قاله nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي في الحاوي nindex.php?page=showalam&ids=13332وابن عبد البر وغيرهم .
ومنها : أن فيه nindex.php?page=treesubj&link=1882الرجوع إلى المأمومين ، وفيه إشكال على مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ؛ لأن عندهم أنه لا يجوز للمصلي الرجوع في قدر صلاته إلى قول غيره إماما كان أو مأموما ، ولا يعمل إلا على يقين نفسه ، واعتذر النووي عن هذا بأنه - صلى الله عليه وسلم - سألهم ليتذكر ، فلما ذكروه تذكر فعلم السهو فبنى عليه ، لا أنه رجع إلى مجرد قولهم ، ولو [ ص: 141 ] جاز ترك يقين نفسه والرجوع إلى قول غيره لرجع ذو اليدين حين قال صلى الله تعالى عليه وسلم : لم تقصر ولم أنس .
قلت : هذا ليس بجواب مخلص ، لأنه لا يخلو عن الرجوع سواء كان رجوعه للتذكر أو لغيره ، وعدم رجوع ذي اليدين كان لأجل كلام الرسول لا لأجل يقين نفسه ، فافهم .
وقال ابن القصار : اختلفت الرواية في هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ؛ فمرة قال : يرجع إلى قولهم وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، لأنه قال : يبني على غالب ظنه ، وقال مرة أخرى : يعمل على يقينه ولا يرجع إلى قولهم كقول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
ومنها أن فيه دلالة على أن nindex.php?page=treesubj&link=21343البيان لا يؤخر عن وقت الحاجة ؛ لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به .
ومنها أن فيه حجة nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة ولغيره من أهل الكوفة على أن nindex.php?page=treesubj&link=1867من شك في صلاته في عدد ركعاتها تحرى ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : فليتحر الصواب ، ويبن على غالب ظنه ، ولا يلزمه الاقتصار على الأقل ، وهو حجة على nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن تبعه في قولهم فيمن شك : هل صلى ثلاثا أم أربعا مثلا لزمه البناء على اليقين وهو الأقل ، فيأتي بما بقي ويسجد للسهو . ( فإن قلت ) : أمر الشارع بالتحري وهو القصد بالصواب ، وهو لا يكون إلا بالأخذ بالأقل الذي هو اليقين على ما بينه في حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=64014إذا صلى أحدكم فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليبن على اليقين ويدع الشك . . . الحديث ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم nindex.php?page=showalam&ids=14724وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه - قلت : هذا محمول على ما إذا تحرى ولم يقع تحريه على شيء ، ففي هذا نقول : يبني على الأقل ؛ لأن حديثه ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه ولم يترجح له أحد الطرفين ، ففي هذا يبني على الأقل بالإجماع . ( فإن قلت ) : قال النووي في دفع هذا : إن تفسير الشك هكذا اصطلاح طار للأصوليين ، وأما في اللغة فالتردد بين وجود الشيء وعدمه كله يسمى شكا سواء المستوي والراجح والمرجوح ، والحديث يحمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية ، فلا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح - قلت : هذا غير مجد ولا دافع ؛ لأن المراد الحقيقة العرفية ، وهي أن الشك ما استوى طرفاه ، ولئن سلمنا أن يكون المراد معناه اللغوي فليس معنى الشك في اللغة ما ذكره ، لأن صاحب الصحاح فسر الشك في باب الكاف فقال : الشك خلاف اليقين ، ثم فسر اليقين في باب النون فقال : اليقين العلم ، فيكون الشك ضد العلم ، وضد العلم الجهل ، ولا يسمى المتردد بين وجود الشيء وعدمه جاهلا ، بل يسمى شاكا ، فعلم أن قوله : " وأما في اللغة فالتردد بين وجود الشيء وعدمه يسمى شكا " هو الحقيقة العرفية لا اللغوية .
ومنها أن فيه دليلا على أن nindex.php?page=treesubj&link=1877سجود السهو يتداخل ولا يتعدد بتعدد أسبابه ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلم بعد أن سها واكتفى فيه بسجدتين ، وهذا مذهب الجمهور من الفقهاء ، ومنهم من قال : يتعدد السجود بتعدد السهو .
ومنها أن فيه دليلا على أن nindex.php?page=treesubj&link=1870سجود السهو في آخر الصلاة لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله إلا كذلك ، وقيل في حكمته : إنه أخر لاحتمال سهو آخر ، فيكون جابرا للكل . وفرع الفقهاء على أنه لو سجد ثم تبين أنه لم يكن آخر الصلاة لزمه إعادته في آخرها ، وصوروا ذلك في صورتين ؛ إحداهما : أن يسجد للسهو في الجمعة ثم يخرج الوقت وهو في السجود الأخير فيلزمه إتمام الظهر ويعيد السجود . والثانية : أن يكون مسافرا فيسجد للسهو وتصل به السفينة إلى الوطن أو ينوي الإقامة فيتم ، ثم يعيد السجود .
الأسئلة والأجوبة : منها ما قاله الكرماني : ( فإن قلت ) : قوله ( وسجد سجدتين ) دليل على أنه لم ينقص شيئا من الركعات ولا من السجدات ، وإلا لتداركها ، فكيف صح أن يقول إبراهيم : لا أدري ؟ بل تعين أنه زاد إذ النقصان لا يجبر بالسجدتين ، بل لا بد من الإتيان بالمتروك أيضا - قلت : كل نقصان لا يستلزم الإتيان به ، بل كثير منه ينجبر بمجرد السجدتين ، ولفظ : " نقص " لا يوجب النقص في الركعة ونحوها . قلت : قد ذكرنا فيما مضى عن nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي أنه قال : بل زاد ، وكانت زيادته أنه صلى الظهر خمسا كما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ، فحينئذ كان سجوده لتأخير السلام ولزيادته من جنس الصلاة ، وقوله : " إذ النقصان لا ينجبر بالسجدتين " غير مسلم ؛ لأن النقصان إذا كان في الواجبات أو في تأخيرها عن محلها أو في تأخير ركن من الأركان ينجبر بالسجدتين ، وقوله : " بل لا بد من الإتيان بالمتروك " إنما يجب إذا كان المتروك ركنا ، وأما إذا كان من الواجبات أو من السنن التي هي في قوة الواجب فلا يلزمه الإتيان بمثله ، وإنما ينجبر بالسجدتين .
ومنها ما قاله الكرماني أيضا : ( فإن قلت ) : الصواب غير معلوم ، وإلا لما كان ثمة شك ، فكيف يتحرى الصواب ؟ قلت : المراد منه المتحقق والمتيقن ؛ أي : فليأخذ باليقين . قلت : هذا الذي قاله بناء على مذهب إمامه ؛ فإنه فسر الصواب بالأخذ باليقين ، وأما عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : المراد منه [ ص: 142 ] البناء على غالب الظن ، واليقين في أين هاهنا ؟
ومنها ما قاله الكرماني أيضا : ( فإن قلت ) : كيف رجع إلى الصلاة بانيا عليها وقد تكلم بقوله : " وما ذاك " ؟ قلت : إنه كان قبل تحريم الكلام في الصلاة ، أو أنه كان خطابا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وجوابا وذلك لا يبطل الصلاة ، أو كان قليلا ، وهو - صلى الله عليه وسلم - في حكم الساهي أو الناسي ؛ لأنه كان يظن أنه ليس فيها . قلت : مذهب إمامه أن الكلام في الصلاة إذا كان ناسيا أو ساهيا لا يبطلها ، فلا فائدة حينئذ في قوله : " إنه كان قبل تحريم الكلام في الصلاة " ، والجواب الثاني لا يمشي بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، والجواب الثالث غير موجه لأن قوله صلى الله عليه وسلم : " وما ذاك ؟ " غير قليل على ما لا يخفى .
ومنها ما قاله الكرماني أيضا : فإن قيل : nindex.php?page=treesubj&link=1883كيف رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قول غيره ولا يجوز للمصلي الرجوع في حال صلاته إلا إلى علمه ويقين نفسه ؟ فجوابه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سألهم ليتذكر ، فلما ذكروه تذكر فعلم السهو فبنى عليه ، لا أنه رجع إلى مجرد قول الغير أو أن قول السائل أحدث شكا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسجد بسبب حصول الشك له ، فلا يكون رجوعا إلا إلى حال نفسه . قلت : هذا كلام فيه تناقض ؛ لأن قوله : " سألهم " إلى قوله : " فبنى عليه " رجوع إلى الغير بلا نزاع ، وقوله : " لا أنه رجع إلى مجرد قول الغير " يناقض ذلك ، وقوله : " فسجد بسبب حصول الشك " غير مسلم ؛ لأن سجوده إنما كان للزيادة لا للشك الحاصل من كلامهم ، لأنه لو شك لكان ترددا إذ مقتضى الشك التردد ، فحين سمع قولهم : " صليت كذا وكذا " ثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين .
ومنها ما قاله الكرماني أيضا : ( فإن قلت ) : آخر الحديث يدل على أن سجود السهو بعد السلام وأوله على عكسه - قلت : مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه يسن قبل السلام ، وتأول آخر الحديث بأنه قول والأول فعل ، والفعل مقدم على القول لأنه أدل على المقصود ، أو أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بأن يسجد بعد السلام بيانا للجواز ، وفعل نفسه قبل السلام لأنه أفضل . قلت : لا نسلم أن الفعل مقدم على القول ؛ لأن مطلق القول يدل على الوجوب ، على أنا نقول : يحتمل أن يكون سلم قبل أن يسجد سجدتين ثم سلم سلام سجود السهو ، فالراوي اختصره ، ولأن في السجود بعد السلام تضاعف الأجر وهو الأجر الحاصل من سلام الصلاة ومن سلام سجود السهو ، ولأنه شرع جبرا للنقص أو للزيادة التي في غير محلها وهي أيضا نقص كالإصبع الزائدة ، والجبر لا يكون إلا بعد تمام المجبور ، وما بقي عليه سلام الصلاة فهو في الصلاة .
ومنها ما قاله الكرماني أيضا : ( فإن قلت ) : لم عدل عن لفظ الأمر إلى الخبر وغير أسلوب الكلام ؟ قلت : لعل السلام والسجود كانا ثابتين يومئذ فلهذا أخبر عنهما ، وجاء بلفظ الخبر بخلاف التحري والإتمام فإنهما ثبتا بهذا الأمر ، أو للإشعار بأنهما ليسا بواجبين كالتحري والإتمام . قلت : الفصاحة من التفنن في أساليب الكلام ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أفصح الناس لا يجارى في فصاحته ، وقوله : " أو للإشعار بأنهما ليسا بواجبين " غير مسلم ، بل هما واجبان لمقتضى الأمر المطلق وهو قوله صلى الله عليه وسلم : من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم . والصحيح من المذهب هو الوجوب ، ذكره في المحيط والمبسوط والذخيرة والبدائع ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وعند الكرخي من أصحابنا أنه سنة ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وعلى رواية : nindex.php?page=hadith&LINKID=650386 " فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ، ثم ليسجد سجدتين " لا يرد هذا السؤال فلا يحتاج إلى الجواب .
ومنها ما قاله الكرماني أيضا : ( فإن قلت ) : السجدة مسلم أنها ليست بواجبة ، لكن السلام واجب - قلت : وجوبه بوصف كونه قبل السجدتين ممنوع ، وأما نفس وجوبه فمعلوم من موضع آخر . قلت : قوله " مسلم " غير مسلم لما ذكرنا الآن ، وقوله : " ممنوع " غير ممنوع أيضا ؛ لأن محل السلام الذي هو للصلاة في آخرها متصلا بها ، فوجب بهذا الوصف ، ولا يمتنع أن يكون الشيء واجبا من جهتين .
ومنها : ما قيل إن التحري في حديث الباب محمول على الأخذ بالأقل الذي هو اليقين ؛ لأن التحري هو القصد ، ومنه قوله تعالى : تحروا رشدا . ومعنى قوله : " فليتحر الصواب " فليقصد الصواب فليعمل به ، وقصد الصواب هو ما بينه في حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه عنه مسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=672789إذا شك أحدكم في صلاته فلا يدري كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على اليقين . . . الحديث ، وأجيب بأنه محمول على ما إذا تحرى ولم يقع تحريه على شيء ، فحينئذ نقول : إنه يبني على الأقل ولا يخالف هذا لما قلنا .
ومنها ما قيل : المصير إلى التحري لضرورة ، ولا ضرورة هاهنا ؛ لأنه يمكنه إدراك اليقين بدونه بأن يبني على الأقل ، فلا حاجة إلى التحري . وأجيب بأنه قد يتعذر عليه الوصول إلى ما اشتبه عليه بدليل من الدلائل ، والتحري عند عدم الأدلة مشروع كما في أمر القبلة ، فإن قيل : يستقبل - قلت : لا وجه لذلك ؛ لأنه عسى أن يقع له ثانيا وثانيا إلى ما لا يتناهى . [ ص: 143 ] فإن قيل : يبنيه على الأقل - قلت : لا وجه لذلك أيضا ؛ لأن ذلك لا يوصله إلى ما عليه ، فلا يبني على الأقل إلا عند عدم وقوع تحريه على شيء كما ذكرنا . .