الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  434 105 - ( حدثنا عبد الله بن يوسف قال : أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث تقول : اللهم اغفر له اللهم ارحمه ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة لأن المراد من قوله : ( ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ) هو المسجد ، يدل على ذلك رواية البخاري فيما يتعلق بالمساجد على ما لم يأت ، وهي : " فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء ، وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد ، فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه ، وتصلي الملائكة عليه ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه : اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه ، ما لم يؤذ بحدث فيه " ، والأحاديث يفسر بعضها بعضا ، فعلم أن المراد بقوله ( في مصلاه ) هو المكان الذي يصلي فيه في المسجد ، وإن كان بحسب اللغة يطلق على المصلى الذي في غير المسجد .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة قد ذكروا غير مرة ، وأبو الزناد بكسر الزاي المعجمة بعدها النون عبد الله بن ذكوان ، والأعرج هو عبد الله بن هرمز .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد ، وفيه الإخبار كذلك ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن القعنبي عن مالك ، وأخرجه أبو داود أيضا فيه عن القعنبي عن مالك ، وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة ، وفي الملائكة عن محمد بن سلمة عن ابن القاسم عن مالك به ، وأخرجه مسلم من حديث أبي صالح عن أبي هريرة ، وأخرجه البخاري أيضا من هذا الوجه ، وأخرجه مسلم أيضا من حديث أبي رافع الصائغ ، ومحمد بن سيرين عن أبي هريرة ، ويأتي في البخاري أيضا من حديث عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله ( إن الملائكة تصلي ) هكذا في رواية الكشميهني بزيادة " إن " ، وفي رواية غيره "الملائكة" بدون " إن " ، قال بعضهم : المراد بالملائكة الحفظة أو السيارة أو أعم من ذلك ، قلت : الملائكة جمع محلى باللام فيفيد الاستغراق ؛ قوله ( في مصلاه ) بضم الميم ، وهو اسم المكان ؛ قوله ( تقول ) بيان لقوله ( تصلي ) ، وتفسير له ؛ قوله ( اللهم اغفر له ) يعني : يا الله اغفر له وارحمه ، والفرق بين المغفرة والرحمة أن المغفرة ستر الذنوب ، والرحمة إفاضة الإحسان إليه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستنبط منه ) قال السفاقسي : الحدث في المسجد خطيئة يحرم به المحدث استغفار الملائكة ، ولما لم يكن للحدث فيه كفارة ترفع [ ص: 204 ] أذاه كما يرفع الدفن أذى النخامة فيه عوقب بحرمان الاستغفار من الملائكة لما آذاهم به من الرائحة الخبيثة ، وقال ابن بطال : من أراد أن تحط عنه ذنوبه من غير تعب فليغتنم ملازمة مصلاه بعد الصلاة ليستكثر من دعاء الملائكة ، واستغفارهم له فهو مرجو إجابته لقوله تعالى : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وفيه بيان فضيلة من انتظر الصلاة مطلقا سواء ثبت في مجلسه ذلك من المسجد أو تحول إلى غيره ، وفيه أن الحدث في المسجد يبطل ذلك ، ولو استمر جالسا ، وفيه أن الحدث في المسجد أشد من النخامة ، وقال المازري : أشار البخاري إلى الرد على من منع المحدث أن يدخل المسجد أو يجلس فيه ، قلت : قد اختلف السلف في جلوس المحدث في المسجد ، فروي عن أبي الدرداء أنه خرج من المسجد فبال ثم دخل فتحدث مع أصحابه ، ولم يمس ماء ، وعن علي رضي الله تعالى عنه مثله ، وروي ذلك عن عطاء ، والنخعي ، وابن جبير ، وكره ابن المسيب ، والحسن البصري أن يتعمد الجلوس في المجلس على غير وضوء .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية