الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  473 144 - حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنا شعبة ، عن عون بن أبي جحيفة ، قال : سمعت أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم بالبطحاء ، وبين يديه عنزة ، الظهر ركعتين ، والعصر ركعتين ، تمر بين يديه المرأة ، والحمار .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من الوجه الذي ذكرناه في الحديث السابق .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم أربعة ، الأول : أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري . الثاني : شعبة بن الحجاج . الثالث : عون بفتح العين المهملة ، وسكون الواو ، وبالنون . الرابع : أبوه أبو جحيفة بضم الجيم ، وفتح الحاء ، مر في كتاب العلم ، واسمه وهب بن عبد الله السوائي ، بضم السين المهملة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في موضع واحد ، وفيه السماع ، وفيه التحديث بصيغة المضارع المفرد ، وفيه أن رواته ما بين بصري وكوفي .

                                                                                                                                                                                  ( ( ذكر تعدد موضعه ، ومن أخرجه غيره ) ) أخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن آدم ، وأخرجه مطولا ومختصرا في باب استعمال وضوء الناس ، وفي ستر العورة ، وفي الأذان ، وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم في موضعين ، وفي اللباس في موضعين ، وأخرجه أيضا بعد بابين في باب الصلاة إلى العنزة ، وفي باب السترة بمكة ، وغيرها ، وأخرجه مسلم في الصلاة ، وكذلك أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، وقد ذكرناه في باب الصلاة في الثوب الأحمر .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله : ( بالبطحاء ) ، أي : بطحاء مكة ، ويقال لها : الأبطح أيضا . قوله : ( وبين يديه عنزة ) جملة وقعت حالا . قوله : ( الظهر ) منصوب ؛ لأنه مفعول صلى . قوله : ( ركعتين ) نصب إما على أنه حال ، وإما على أنه بدل من الظهر ، وكذلك الكلام في قوله : ( والعصر ركعتين ) . قوله : ( تمر بين يديه المرأة والحمار ) جملة وقعت حالا ، والجملة الفعلية إذا وقعت حالا ، وكان فعلها مضارعا يجوز فيها الواو وتركها .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) : فيه جعل السترة بين يديه إذا كان في الصحراء ، وفيه أن مرور المرأة والحمار لا يقطع الصلاة ، وهو قول عامة العلماء ، وروي عن أنس ومكحول ، وأبي الأحوص ، والحسن ، وعكرمة : يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة . وعن ابن عباس : يقطع الصلاة الكلب الأسود ، والمرأة الحائض ، وعن عكرمة : يقطع الصلاة الكلب والحمار والخنزير والمرأة واليهودي والنصراني والمجوسي ، وعن عطاء : لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود ، والمرأة الحائض ، وعن أحمد في المشهور عنه : يقطع الصلاة مرور الكلب الأسود البهيم ، وفي رواية : يقطعها أيضا الحمار ، والمرأة ، والكلب البهيم الذي لا يخالط لونه لون آخر ، وفي ( جامع شمس الأئمة ) تفسد الصلاة بمرور المرأة بين يديه ، وفي ( الكافي ) عند أهل العراق : تفسد بمرور الكلب ، والمرأة ، والحمار ، والخنزير ، والحديث المذكور حجة على من يقول بقطع الصلاة بمرور المرأة ، والحمار ، والحجة على من يرى بقطع الصلاة بالأشياء المذكورة من هؤلاء المذكورين ما رواه أبو داود في سننه ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم ، فإنما هو شيطان ) ، وفي الباب عن ابن عمر ، وأبي أمامة ، وأنس ، وجابر ، فحديث ابن عمر عند الدارقطني في ( سننه ) وحديث أبي أمامة ، وأنس أيضا عنده ، وحديث جابر عند الطبراني في ( الأوسط ) ، ( قلت ) : أما حديث الخدري ، ففيه مقال ، وأما حديث ابن عمر ، وأبي أمامة ، وأنس ، فقال ابن الجوزي : لا يصح منها شيء ، وأما حديث جابر ، ففيه عيسى بن ميمون [1] ، قال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج به ومستند المذكورين ما رواه مسلم عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه كأخرة الرحل المرأة ، والحمار ، والكلب الأسود . قلت : ما بال الأسود من الأحمر ؟ قال : يا ابن أخي ، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني ، فقال : الكلب الأسود شيطان ) وحجة العامة ما رواه البخاري ، ومسلم عن عروة عن عائشة ، قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا معترضة بين يديه كاعتراض الجنازة ) ، وقد روي هذا بوجوه مختلفة منها فيه : وأنا حذاءه ، وأنا حائض ، وجه الاستدلال به أن اعتراض [ ص: 279 ] المرأة - خصوصا الحائض - بين المصلي ، وبين القبلة لا يقطع الصلاة ، فالمارة بطريق الأولى ، وبوب عليه أبو داود في ( سننه ) باب : من قال : الحمار لا يقطع الصلاة ، وبوب أيضا باب : من قال : الكلب لا يقطع الصلاة ، ثم روى عن الفضل بن عباس ، قال : ( أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية ، ومعه عباس ، فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة ، وحمارة لنا ، وكلبة تعبثان بين يديه ، فما بالى ذلك ) ، وأخرجه النسائي أيضا ، وقال النووي : وتأول الجمهور القطع المذكور في الأحاديث المذكورة على قطع الخشوع جمعا بين الأحاديث ، ( قلت ) : هذا جيد فيما إذا كانت الأحاديث التي رويت في هذا الباب مستوية الأقدام ، وأما إذا قلنا : أحاديث الجمهور أقوى وأصح من أحاديث من خالفهم ، فالأخذ بالأقوى أولى وأقوى . ( ( فإن قلت ) ) : قال ابن القصار : من قال : إن الحمار يقطع الصلاة ، قال : إن مرور حمار عبد الله كان خلف الإمام بين يدي بعض الصف ، والإمام سترة لمن خلفه ، ( قلت ) : رد هذا بما رواه البزار أن المرور كان بين يديه صلى الله عليه وسلم ، ( ( فإن قلت ) ) : روى أبو داود من حديث سعيد بن غزوان ، عن أبيه أنه نزل بتبوك وهو حاج ، فإذا برجل مقعد ، فسأله عن أمره ، فقال : سأحدثك بحديث ، فلا تحدث به ما سمعت أني حي ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بتبوك إلى نخلة ، فقال : هذه قبلتنا ، ثم صلى إليها ، قال : فأقبلت وأنا غلام أسعى حتى مررت بينه وبينها ، فقال : قطع صلاتنا قطع الله أثره ، فما قمت عليها إلى يومي هذا ، ( قلت ) : قوله : عليها ، أي : على رجلي ، وليس بإضمار قبل الذكر لوجود القرينة ، ( قلت ) : أبو داود سكت عنه ، وقال غيره : هذا حديث واه ، ولئن سلمنا صحته ، فهو منسوخ بحديث ابن عباس ؛ لأن ذلك كان بتبوك ، وحديثه كان في حجة الوداع بعدها ، والله أعلم ، وفيه جواز قصر الصلاة الرباعية ، بل هو أفضل من الإتمام ، وهل هو رخصة ، أو عزيمة ؟ فيه خلاف بيننا وبين الشافعي على ما يأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية