الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  7072 136 - حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا معبد بن هلال العنزي، قال: اجتمعنا ناس من أهل البصرة فذهبنا إلى أنس بن مالك، وذهبنا معنا بثابت البناني إليه يسأله لنا عن حديث الشفاعة، فإذا هو في قصره فوافقناه يصلي الضحى، فاستأذنا، فأذن لنا وهو قاعد على فراشه فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة، فقال: يا أبا حمزة هؤلاء إخوانك من أهل البصرة جاءوك يسألونك عن حديث الشفاعة، فقال: حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم؛ فإنه خليل الرحمن، فيأتون إبراهيم فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى؛ فإنه كليم الله، فيأتون موسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى؛ فإنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيأتوني فأقول: أنا لها، فأستأذن على ربي فيؤذن لي، ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد، وأخر له ساجدا، فيقول: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقول انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان فأخرجه، فأنطلق فأفعل، ثم أعود، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا فيقول: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقول انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل، فلما خرجنا من عند أنس قلت لبعض أصحابنا لو مررنا بالحسن وهو متوار في منزل أبي خليفة فحدثناه بما حدثنا أنس بن [ ص: 166 ] مالك، فأتيناه، فسلمنا عليه، فأذن لنا، فقلنا له: يا أبا سعيد جئناك من عند أخيك أنس بن مالك، فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة، فقال هيه، فحدثناه بالحديث، فانتهى إلى هذا الموضع فقال: هيه، فقلنا لم يزد لنا على هذا، فقال: لقد حدثني وهو جميع منذ عشرين سنة فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا، قلنا يا أبا سعيد: فحدثنا، فضحك وقال خلق الإنسان عجولا، ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم، حدثني كما حدثكم به قال: ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، فإن فيه سؤالات من النبي صلى الله عليه وسلم والأجوبة من الله عز وجل، ومعبد بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الباء الموحدة وبالدال المهملة ابن هلال العنزي نسبة إلى عنز بالعين المهملة وبالنون والزاي، وهو عبد الله بن وائل بن قاسط ينتهي إلى ربيعة بن نزار وهو بصري، وقال الكرماني: لم يتقدم ذكره.

                                                                                                                                                                                  قلت: كأنه أشار بهذا إلى أنه لم يرو في البخاري إلا حديث الشفاعة هذا.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن أبي ربيع الزهراني وغيره، وأخرجه النسائي في التفسير عن يحيى بن جندب، ولم يذكر فيه حديث الحسن.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ناس من أهل البصرة " بيان لقوله: "اجتمعنا" وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: وهم ناس أو ونحن ناس من أهل البصرة يعني ليس فيهم أحد من غير أهلها.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بثابت" بالثاء المثلثة في أوله ابن أسلم البصري أبو محمد البناني نسبة إلى بنانة بضم الباء الموحدة وتخفيف النون الأولى، وكانت أمة لسعد بن لؤي حضنت بنته، وقيل: زوجته، ونسب إليها ولد سعد وعبد العزيز بن صهيب ليس منسوبا إلى القبيلة، وإنما قيل له: البناني; لأنه كان ينزل سكة بنانة بالبصرة، وعلي بن إبراهيم البناني منسوب إلى بنانة ناحية من نواحي الشاهجان.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يسأله" أي: يسأل ثابت أنسا وهو من الأحوال المقدرة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "في قصره" كان قصر أنس رضي الله تعالى عنه بموضع يسمى الزاوية على نحو فرسخين من البصرة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أول" أي: أسبق ووزنه أفعل أو فوعل فيه اختلاف بين علماء التصريف.

                                                                                                                                                                                  قوله: "يأبا حمزة" أصله يا أبا حمزة، حذفت الألف للتخفيف، وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي كنية أنس.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فقال: حدثنا" أي: فقال أنس: حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ماج الناس" أي: اضطربوا واختلطوا من هيبة ذلك اليوم، يقال: ماج البحر اضطربت أمواجه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لست لها" أي: ليس لي هذه المرتبة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "عليكم بإبراهيم" لم يذكر فيه نوحا فإنه سبق في الروايات الأخر قال آدم: عليكم بنوح، ونوح قال: عليكم بإبراهيم. وقال الكرماني: لعل آدم قال: ائتوا غيري نوحا وإبراهيم وغيرهما.

                                                                                                                                                                                  قلت: ليس فيه ما يغني عن الجواب، ويمكن أن يكون آدم ذكر نوحا أيضا وذهل عنه الراوي هنا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فإنه كليم الله" كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني "فإنه كلم الله" بلفظ الفعل الماضي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فيقال: يا محمد" وفي رواية الكشميهني: "فيقول" في المواضع الثلاثة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أنا لها" أي: للشفاعة يعني: أنا أتصدى بهذا الأمر.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فأقول يا رب أمتي أمتي" قيل: الطالبون للشافعة منه عامة الخلائق، وذلك أيضا للإراحة من هول الموقف لا للإخراج من النار، وأجاب القاضي عياض وقال المراد: فيؤذن لي في الشفاعة الموعود بها في إزالة الهول، وله شفاعات أخر خاصة بأمته وفيه اختصار.

                                                                                                                                                                                  وقال المهلب: فأقول: يا رب أمتي أمتي مما زاد سليمان بن حرب على سائر الرواة، وقال الداودي : ولا أراه محفوظا؛ لأن الخلائق اجتمعوا واستشفعوا، ولو كانت هذه الأمة لم تذهب إلى غير نبيها، وأول هذا الحديث ليس متصلا بآخره، وإنما أتى فيه بأول الأمر وآخره وفيما بينهما: ليذهب كل أمة من كان يعبد، وحديث يؤتى بجهنم، وحديث ذكر الموازين والصراط، وتناثر الصحف والخصام بين يدي الرب جل جلاله، وأكثر أمور يوم القيامة هي فيما بين أول هذا الحديث وآخره.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ذرة" بفتح الذال المعجمة [ ص: 167 ] وتشديد الراء، وصحف شعبة فرواه بالضم والتخفيف.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أدنى" أي: أقل، وفائدة التكرار التأكيد، ويحتمل أن يراد التوزيع على الحبة والخردلة والإيمان، أقل حبة من أقل خردلة من أقل إيمان.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بالحسن" أي: البصري.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وهو متوار" أي: مختف في منزل أبي خليفة الطائي البصري خوفا من الحجاج بن يوسف الثقفي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "من عند أخيك" أي: في الدين والمؤمنون أخوة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فقال هيه " بكسر الهاءين وهي كلمة استزادة في الحديث، وقد تنون، وقال ابن التين: قرأناه بكسر الهاء من غير تنوين، ومعناه زد من هذا الحديث، والهاء بدل من الهمزة كما أبدلت في هراق وأصله أراق، وقال الجوهري: إذا قلت: إيه يا رجل تريد بكسر الهاء غير منونة، فإنما تأمره أن يزيدك من الحديث المعهود، كأنك قلت: هات الحديث، وإن نونت كأنك قلت: هات حديثا ما.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وهو جميع" أي: مجتمع أراد أنه كان حينئذ شابا، وقال الجوهري: الرجل المجتمع الذي بلغ أشده، ولا يقال ذلك للأنثى.

                                                                                                                                                                                  قوله: "منذ عشرين سنة" منذ ومذ يصح أن يكونا حرفي جر، ويصح أن يكونا اسمين فترفع ما بعدهما على التاريخ أو على التوقيت، تقول في التاريخ: ما رأيته مذ يوم الجمعة، أي: أول انقطاع الرؤية يوم الجمعة، وفي التوقيت: ما رأيته منذ سنة أي: أمد ذلك سنة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أن تتكلوا" أي: تعتمدوا على الشفاعة فتتركون العمل.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وعزتي" لا فرق بين هذه الألفاظ وأنها مترادفة، وقيل: نقيض العزة الذل، ونقيض الكبر الصغر، ونقيض العظمة الحقارة ونقيض الجليل الدقيق، وبضدها تتبين الأشياء، وإذا أطلقت على الله فالمراد لوازمها بحسب ما يليق به، وقيل: الكبرياء يرجع إلى كمال الذات، والعظمة إلى كمال الصفات، والجلال إلى كمالهما.

                                                                                                                                                                                  قوله: "لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله" فإن قلت: لو لم يقل محمد رسول الله لكفاه، قلت: لا، وهذا إشعار كمال الكلمة وتمامها، كإطلاق "الحمد لله رب العالمين" وإرادة السورة بتمامها.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية