الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3045 - "الأذان تسع عشرة كلمة؛ والإقامة سبع عشرة كلمة" ؛ (ن)؛ عن أبي محذورة ؛ (صح) .

التالي السابق


( الأذان ) ؛ هو لغة: الإعلام؛ من "الأذن"؛ بفتح الهمزة؛ والذال؛ وهو لاستماع الناس؛ من "الأذن"؛ التي هي آلة السمع؛ كأنه يلقي الشيء فيها؛ وشرعا: كلمات مخصوصة؛ شرعت للإعلام بدخول وقت المكتوبة؛ (تسع عشرة كلمة) ؛ بالترجيع؛ وهو أن يأتي بالشهادتين مرتين سرا؛ قبل قولهما جهرا؛ ( والإقامة سبع عشرة كلمة ) ؛ وفي الحديث حجة لما ذهب إليه الشافعي من أن التكبير في أول الأذان أربع؛ إذ لا يكون ألفاظه تسعة عشر؛ إلا بناء على ذلك؛ وذهب مالك إلى أنه مرتين؛ لروايته من وجوه أخر؛ قال القرطبي : الأذان على قلة ألفاظه يشتمل على مسائل العقيدة ؛ لأنه بدأ بالأكبرية؛ المتضمنة لوجوده (تعالى)؛ وكماله؛ ثم ثنى بالتوحيد؛ ونفي الشريك؛ ثم بإثبات الرسالة المحمدية؛ ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة؛ لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول؛ ثم دعا إلى الفلاح؛ وهو البقاء الدائم؛ وهو إشارة إلى المعاد؛ ثم أعاد ما أعاد تأكيدا؛ وحكمة اختيار القول له دون الفعل؛ لسهولة القول؛ وتيسره لكل أحد في كل زمان ومكان.

(تنبيه) :

قال العارف ابن العربي - رضي الله عنه - في حكمة ترتيب الأذان : إذا نظر الإنسان بعين بصره؛ وبصيرته؛ إلى الأسباب التي وضعها الله أعلاما وشعائر لما يريد تكوينه وخلقه من الأشياء؛ حين سبق في علمه أن يربط الوجود بعضه ببعض؛ ودل البرهان على توقف وجود بعضها على بعض؛ وسمع الحق يعظم شعائر الله؛ قال: الله أكبر؛ أي: هي وإن كانت عظيمة في نفسها؛ بما تدل عليه؛ وبما أنه أمر بتعظيمها؛ فهو أكبر منها؛ فلما أتمها؛ كوشف على حقارة الأسباب في أنفسها؛ وافتقارها إلى موجدها؛ ورآها مسبحة خالقها بنطقها؛ وحالها؛ من حيث دلالتها على واضعها؛ قال ثانيا: الله أكبر؛ أي: الذي وضع الأسباب؛ وأمر بتعظيمها؛ أكبر؛ وأتى بها مرتين أخريين؛ إشارة إلى أنه أكبر بدليل الحس؛ وبدليل العقل؛ ثم تشهد خفيا يسمع نفسه؛ كمن يتصور الدليل أولا في نفسه؛ ثم يقولها ثانيا؛ نافيا لألوهية كل من ادعاها لنفسه من دون مثبتها [ ص: 173 ] لمستحقها عقلا وشرعا؛ هذا كله مع نفسه؛ ثم يرفع بها صوته؛ فيسمع غيره من متعلم؛ ومدع؛ وجاهل؛ وغافل؛ ثم لما شهد بالتوحيد؛ بما أعطاه الدليل؛ شهد به علما وقربة بالنداء على أن الرسول جاء به من عند الله؛ ثم شرع بعد الشهادتين [في] الحيعلتين؛ ليدعو بالواحدة نفسه؛ وبالأخرى غيره؛ فيقول للخارج والكائن في المسجد ولنفسه ولغيره: أقبلوا على ما ينجيكم من عذابه؛ بنعيمه؛ ومن حجابه؛ بتجليه؛ ثم يقول: الله أكبر؛ الله أكبر؛ لنفسه؛ ولغيره؛ ولمن ينتظر الصلاة بالمسجد؛ ولمن هو خارجه في أشغاله؛ أي: الله أولى بالتكبير من الذي منعكم من الإقبال على الصلاة؛ وإنما لم يرفع الحيعلتين والتكبير الثاني؛ لأن القصد به القربة؛ والعقل لا يستقل بإدراكها؛ فهي للشرع؛ وثنى لكونه خاطب نفسه وغيره؛ ثم ختمه بالتوحيد المطلق؛ لما تضمن الأذان أفعالا منسوبة للعبد؛ فربما وقع في نفس المدعو؛ أو الداعي إلى فعلها؛ فخيف عليه أن يضيف الفعل إلى نفسه خلقا؛ كما يراه بعضهم؛ فختم بالتوحيد؛ إشارة إلى تفرده بالخلق؛ وإنما قال في الإقامة: "قد قامت"؛ بلفظ الماضي؛ والصلاة مستقبلة؛ إشارة إلى أن من كان منتظرا للصلاة؛ أو آتيا إليها؛ أو مشتغلا ببعض شروطها؛ فمات قبل إدراكها؛ فقد قامت له الصلاة؛ فجاء بلفظ الماضي؛ لتحقق الحصول؛ فإذا حصلت بالفعل؛ فله أجر الحصول بالفعل؛ وإقامة الصلاة تمام نشأتها؛ وكمالها؛ أي: هي لكم قائمة النشأة؛ كاملة الهيئة؛ على حسب ما شرعت؛ فإذا دخلتم فيها؛ وأجرتم الأجر الثاني؛ فقد يكون كالأول في إقامة نشأتها؛ وقولا كمن يأتي بها خداجا من حيث فعلها.

(ن؛ عن أبي محذورة ) ؛ بحاء مهملة؛ وذال معجمة؛ أوس بن معير ؛ وقيل: سمرة بن معير؛ الجمحي ؛ كما مر؛ فظاهر صنيع المصنف أن النسائي تفرد به عن الستة؛ والأمر بخلافه؛ فقد خرجه الترمذي أيضا؛ بل عزاه القسطلاني لمسلم أيضا.




الخدمات العلمية