الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
3096 - "الإيمان بضع وسبعون شعبة؛ فأفضلها قول: لا إله إلا الله ؛ وأدناها إماطة الأذى عن الطريق؛ والحياء شعبة من الإيمان"؛ (م د ن هـ)؛ عن أبي هريرة ؛ (صح) .

التالي السابق


(الإيمان) ؛ أي: ثمراته وفروعه؛ فأطلق الإيمان؛ وهو الإقرار والتصديق؛ عليها مجازا؛ لكونها من حقوقه؛ ولوازمه؛ (بضع) ؛ بفتح الباء؛ وكسرها؛ من ثلاث إلى تسع؛ على الأصح؛ (وسبعون) ؛ بتقديم السين على الموحدة؛ ( شعبة ) ؛ بضم أوله؛ خصلة؛ وأصلها: الطائفة من الشيء؛ والغصن من الشجر؛ قال الكرماني : شبه الإيمان بشجرة ذات أغصان وشعب؛ كما شبهه في حديث: "بني الإسلام على خمس"؛ بخباء ذي أعمد؛ وأطناب؛ قال القاضي : أراد التكثير؛ على حد: إن تستغفر لهم ؛ واستعمال لفظ "السبعة"؛ و"السبعين"؛ للتكثير كثيرا؛ والمراد الحصر؛ فيقال: إن شعب الإيمان؛ وإن كانت متعددة؛ لكن حاصلها يرجع إلى أصل واحد ؛ وهو تكميل النفس على وجه يصلح معاشه؛ ويحسن معاده؛ وذلك أن يعتقد ويستقيم في العمل؛ أهـ؛ قال الطيبي : والأظهر معنى التكثير؛ ويكون ذكر البضع للترقي؛ يعني: شعب الإيمان أعداد مبهمة؛ ولا نهاية لكثرتها؛ إذ لو أريد التحديد؛ لم يبهم؛ ( وأفضلها قول: لا إله إلا الله ) ؛ أي: أفضل الشعب هذا الذكر؛ فوضع القول موضع الذكر؛ لا موضع الشهادة؛ فإنها من أصله؛ لا من شعبه؛ والتصديق القلبي خارج منها إجماعا؛ قال القاضي : ويمكن أن يراد أنه أفضلها من وجه؛ وهو أنه يوجب عصمة الدم؛ والمال؛ لا أنه أفضل من كل وجه؛ وإلا لزم كونه أفضل من الصلاة؛ والصوم؛ ويجوز أن يقصد الزيادة المطلقة؛ لا على ما أضيف إليه؛ أي: المشهور من بينها بالفضل في الأديان؛ قول: لا إله إلا الله؛ (وأدناها) ؛ مقدارا؛ ( إماطة الأذى) ؛ أي: إزالة ما يؤذي؛ كشوك؛ وخبث؛ وحجر؛ (عن الطريق) ؛ الظاهر أن المراد: المسلوك؛ ويحتمل العموم؛ وسيجيء في خبر تقييد الطريق بكونه للمسلمين؛ ( والحياء) ؛ بالمد؛ ( شعبة من الإيمان) ؛ أي: الحياء الإيماني؛ وهو المانع من فعل القبيح؛ بسبب الإيمان؛ لا النفساني المخلوق في الجبلة؛ وأفرده بالذكر؛ لأنه كالداعي إلى سائر الشعب؛ فإن الحيي يخاف فضيحة الدنيا؛ وفظاعة الآخرة؛ فيزجر عن الآثام؛ وزعم أن الحياء قد يمنع الأمر بالمعروف؛ فكيف يدعو إلى سائرها؛ يمنع بأن هذا المانع ليس بحياء حقيقة؛ بل عجز؛ وإعياء؛ وإطلاق الحياء عليه مجاز؛ وإنما الحقيقي خلق يبعث على تجنب القبيح؛ قال الزمخشري : جعل الحياء من الإيمان؛ لأنه قد يكون خلقيا؛ واكتسابيا؛ لجميع أعمال البر؛ وقد يكون [ ص: 186 ] غريزة؛ لكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب؛ ونية؛ فهو من الإيمان لهذا؛ ولكونه باعثا على أعمال الخير؛ ومانعا من المعاصي؛ قال: وهذا الحديث نص في إطلاق اسم الإيمان الشرعي على الأعمال؛ ومنعه الكرماني بأن معناه: شعب الإيمان بضع؛ ولفظ "إماطة الأذى"؛ غير داخلة في حقيقة الإيمان؛ والتصديق خارج عنه اتفاقا.

(د ن) ؛ في الإيمان؛ (هـ) ؛ في السنة؛ (عن أبي هريرة ) ؛ ورواه عنه الترمذي أيضا؛ لكن أسقط "والحياء..."؛ إلخ؛ وفيه عنده عبد الله بن دينار ؛ أورده الذهبي في الضعفاء؛ وقال: ليس بقوي؛ ورواه البخاري مختصرا؛ بلفظ: "الإيمان بضع وستون شعبة؛ والحياء شعبة من الإيمان" ؛ قال الكرماني : وتخصيص الستين؛ لأن العدد إما زائد؛ وهو ما أجزاؤه أكثر منه؛ كاثني عشر؛ فإن لها نصفا؛ وثلثا؛ وربعا؛ وسدسا؛ ونصف السدس؛ فمجموع الأجزاء أكثر من اثني عشر؛ وإما ناقص؛ فهو ما أجزاؤه أقل منه؛ كأربعة؛ فإن لها ربعا؛ ونصفا؛ فقط؛ وإما تام؛ فهو ما أجزاؤه مثله؛ كستة؛ فإن أجزاءها النصف؛ والثلث؛ والسدس؛ وهي مساوية للستة؛ والفضل من بين الأنواع الثلاثة؛ التام؛ فلما أريد المبالغة فيه؛ جعلت آحادها أعشارا؛ فذكره لمجرد الكثرة؛ قال القاضي : والتركيب دال كما ترى على التفرق؛ والانقسام.




الخدمات العلمية