الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1612 [ 1822 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة يقول كتب عمر -رضي الله عنه-: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر.

قال: وأخبرنا أن حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قتلت جارية لها سحرتها .

التالي السابق


الشرح

حديث عائشة صحيح مشهور، رواه البخاري عن عبد الله بن محمد، وأخرجاه في الكتابين عن هشام بن عروة من أوجه.

وقوله: "أفتاني في أمر استفتيته فيه" أي: أجابني عن سؤال سألته، والاستفتاء: السؤال وطلب الفتوى؛ قال تعالى: فاستفتهم أي: سلهم.

وقوله: "مطبوب" أي: مسحور، وطبه: سحره، وذكر أن الطب من الأضداد يقال لعلاج الداء: طب، وللسحر: طب، وهو أعظم الأدواء، وقيل لتسمية المسحور مطبوبا تنزيلان:

أحدهما: أنه مما يستعمل فيه الحذق والمهارة من قولهم: رجل طب بالأمور، أي: ماهر بها حاذق فيها.

والثاني: التفاؤل، كما يسمي اللديغ سليما، أي: يعالج فيبرأ.

والجف: وعاء الطلع الذي ينفتق عنه، وقال الزمخشري: جف الطلعة: وعاؤها إذا جف، ويروى: "في جب طلعة" ثم قيل: [ ص: 334 ] الجب والجف واحد، وقيل: جبها: جوفها، ومنه: جب البئر وهو جرابها من أعلاها إلى أسفلها.

وقوله: "في مشط ومشاقة" كذا هو في هذه الرواية، وفي غيرها: "ومشاطة"، والمشاطة: ما ينفصل من الرأس واللحية عند التسريح بالمشط، والمشاقة: ما يمشط من الكتان، وقيل: هما سواء.

وقوله: تحت رعونة أو رعوفة -شك ربيع الأشهر والأظهر في روايات الحديث: تحت راعوفة وفي تفسيرها أقوال:

قيل: هي صخرة في قعر البئر تترك ناتئة عند الحفر ليقف عليها من ينقي البئر.

وقيل: حجر لا يمكن قطعه لصلابته فيبقى في بعض البئر ناتئا.

وقيل: حجر على رأس البئر يستقي عليه المستقي.

وقيل: حجر في طيها بارز يقف عليه المستقي والناظر، وقد يقال للراعوفة: راعوثة بالثاء أيضا، وروي بعض روايات البخاري "رعوفة" ولم يقيد ما شك فيه الربيع والأشبه بما ذكرنا ويصوره الخط أن شكه في رعوثة ورعوفة. والله أعلم.

وقوله: "في بئر ذروان" كذا هي في هذه الرواية، ويروى "بئر أوان" ، ويروى: "بئر ذي أروان" وعن الأصمعي أنه الصواب ، وهي بئر كانت معروفة بالمدينة في بني زريق [ ص: 335 ] .

وقوله: "كأن رءوس نخلها رءوس الشيطان" ويروى: "روس الشياطين " قيل: أراد أنها مستدقة كرءوس الحيات، وتسمى الحية: الشيطان.

وقيل: أراد أنها قبيحة الهيئات وحشة كأنها رءوس الشياطين الهائلة المنظر.

وقوله: "تنشرت" من النشرة وهي التطبب بنوع من الاغتسال، قال : هيئات مخصوصة بالتجربة، وقد أجازها قوم من العلماء وكرهها قوم، ويروى عن جابر قال: "سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النشرة فقال: هو من عمل الشيطان" .

قال الخطابي: النشر: ضرب من الرقية والعلاج يعالج به من يظن به مس الجن، ولو كانت الرواية: "هلا نشرت أو فسرت" بالتشديد لكان قريب بالمعنى مما روي في بعض روايات الصحيح: "هلا أخرجته".

وفيه دليل على أن للسحر حقيقة وأثرا، وعلى أنه لا بأس بظهور أثره على الرسل، وسبيله سبيل ما يلحق من العلل والأمراض، وفيه بيان قوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصبره على الأذى وحمله.

وأما ما روي أنه أمر عمر بقتل كل ساحر وساحرة.

فقد قال الأصحاب: فعل السحر حرام بالإجماع، واعتقاد إباحته كفر، وإذا قال الرجل: أحسن السحر أو تعلمته استوصف، فإن وصفه بما هو كفر فهو كافر وإلا فلا، وفعل السحر أو تعلمه بمطلقه لا يوجب [ ص: 336 ] القتل؛ روي أن مدبرة لعائشة رضي الله عنها سحرتها استعجالا للعتق فباعتها عائشة ممن يسيء ملكتها من الأعراب .

وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم يقتلوها، وحديث عمر محمول على سحر هو كفر .




الخدمات العلمية