الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
751 الأصل

[ 1858 ] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع، عن الثقة أحسبه محمد بن علي بن الحسين أو غيره، عن مولى لعثمان بن عفان قال: بينا أنا مع عثمان -رضي الله عنه- في ماله بالعالية في يوم صائف إذ رأى رجلا يسوق بكرين وعلى الأرض مثل الفراش من الحر.

فقال: ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح، ثم دنا الرجل فقال: انظر من هذا؟

فقلت: أرى معمما بردائه يسوق بكرين، ثم دنا الرجل فقال: انظر، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقلت: هذا أمير المؤمنين فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فآذاه لفح السموم، فأعاد رأسه حتى حاذاه، فقال: ما أخرجك الساعة؟ [ ص: 368 ] قال: بكران من إبل الصدقة تخلفا، وقد مضى بإبل الصدقة فأردت أن ألحقهما بالحمى، وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما.

فقال عثمان: يا أمير المؤمنين هلم إلى الماء والظل ونكفيك.

فقال: عد إلى ظلك.

فقلت: عندنا من يكفيك.

فقال: عد إلى ظلك فمضى.

فقال عثمان: من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا، فعاد إلينا فألقى نفسه .

التالي السابق


الشرح

العالية: ما كان من جهة نجد من قرى المدينة.

ويوم صائف أي: حار، وليلة صائف، وربما قيل: يوم صاف.

وقوله: "حتى يبرد" يجوز أن يقرأ: يبرد بفتح الياء أي: يبرد الهواء، ويجوز أن تضم الياء من الإبراد، يقال: أبرد بالشيء: إذا أتى به في برد النهار.

وقوله: "معمما بردائه" يقال: عممته أي: ألبسته العمامة وتعمم بالعمامة واعتم بها، كأنه جعل طرف ردائه على رأسه من شدة الحر، ويجوز: معمما أي: نفسه ومعمما.

ولفح النار والسموم: شدة حرهما.

وفيه ذكر الحمى الذي حمى عمر -رضي الله عنه- لإبل الصدقة ونحوها، وبيان قوته وأمانته، وشدة خوفه من الله تعالى، وتواضعه وتحمل نفسه المشقة [ ص: 369 ] لمصالح المسلمين -رضي الله عنه-.




الخدمات العلمية