الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
( الفرق الرابع والأربعون والمائتان بين قاعدة nindex.php?page=treesubj&link=25855_10375_10371_10427_10374ما هو شبهة تدرأ بها الحدود والكفارات وقاعدة ما ليس كذلك ) . قاعدة يقع بها الفرق وهي أن الشبهات ثلاثة : شبهة في الوطء وشبهة في الموطوءة وشبهة في الطريق فالشبهة الأولى تعم الحدود والكفارات ومثالها nindex.php?page=treesubj&link=10427_25855_10374اعتقاد أن هذه الأجنبية امرأته ومملوكته أو نحو ذلك ، ومثال شبهة الموطوءة nindex.php?page=treesubj&link=25855_10375_10427_10371الأمة المشتركة إذا وطئها أحد الشريكين فما فيها من نصيبه يقتضي عدم الحد ، وما فيها من ملك غيره يقتضي الحد فيحصل الاشتباه وهي عين الشبهة كما أن اعتقاد الأولى الذي هو جهل مركب وغير مطابق يقتضي عدم الحد من حيث إنه معتقد الإباحة ، وعدم المطابقة في اعتقاده يقتضي الحد فحصلت الشبهة من الشبهين ، ومثال الثالثة اختلاف العلماء في إباحة الموطوءة كنكاح المتعة ونحوه فإن قول المحرم يقتضي الحد وقول المبيح يقتضي عدم الحد فحصلت الشبهة من الشبهتين فهذه الثلاثة هي ضابط الشبهة المعتبرة في إسقاط الحدود والكفارات في إفساد صوم رمضان غير أن لها شرطا وهو اعتقاد مقارنة السبب المبيح .
قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في المدونة في كتاب الصيام إذا nindex.php?page=treesubj&link=2430_26815_2525جامع في رمضان ناسيا فظن أن ذلك يبطل صومه فتعمد الفطر ثانية أو امرأة nindex.php?page=treesubj&link=2525_26815_22771رأت الطهر في رمضان ليلا فلم تغتسل حتى أصبحت فظنت أنه لا صوم [ ص: 173 ] لمن لم يغتسل قبل الفجر فأكلت أو nindex.php?page=treesubj&link=26815_2525_2497مسافر قدم إلى أهله ليلا فظن أن من لم يدخل نهارا قبل أن يمسي أن صومه لا يجزئه ، وأن له أن يفطر فأفطر أو nindex.php?page=treesubj&link=2498_26815_2525عبد بعثه سيده في رمضان يرعى غنما له على مسيرة ميلين أو ثلاثة فظن أن ذلك سفر فأفطر فليس على هؤلاء إلا القضاء بلا كفارة قال ابن القاسم ، وما رأيت nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا يجعل الكفارة في شيء من هذه الوجوه على التأويل إلا nindex.php?page=treesubj&link=27714_26815_2355امرأة قالت اليوم أحيض وكان يوم حيضها ذلك فأفطرت أول نهارها وحاضت في آخره والذي nindex.php?page=treesubj&link=27714_26815_27487يقول اليوم يوم جمادى فيأكل في رمضان متعمدا في أول النهار ثم يمرض في آخره مرضا لا يقدر على الصوم معه فقال عليهما القضاء والكفارة .
ووجه الفرق بين الحائض والمريض وبين ما تقدم من المسائل أن تلك اعتقد فيها المقدم عليها اقتران السبب المبيح وفي هاتين اعتقد أنه سيقع فأوقعا الإباحة قبل سببها فهما مصيبان من حيث إن المرض والحيض مبيحان مخطئان في التقديم للحكم على سببه ، والأول مخطئون في حصول السبب مصيبون في اعتقاد المقارنة ، ولم يقصدوا تقديم الحكم على سببه فعذروا بالتأويل الفاسد ، ولم يعذر الآخران بالتأويل الفاسد ، وسر الفرق في ذلك أن تقديم الحكم على سببه بطلانه مشهور غير ملتبس في الشريعة فلا صلاة قبل الزوال ، ولا صوم قبل الهلال ، ولا عقوبة قبل الجنايات ، وهو كثير لا يعد ، ولا يحصى حتى لا يكاد يوجد خلافه ألبتة . وأما اشتباه صورة الأسباب المبيحة وتحقيق شروطها ومقاديرها فلا يعلمه إلا الفقهاء الفحول وتحقيقه [ ص: 174 ] عسير على أكثر الناس فكان اللبس فيه عذرا ، وما هو مشهور لا يكون اللبس فيه عذرا ونظير الحائض والمريض في الكفارات في الحدود أن nindex.php?page=treesubj&link=25855_10084يشرب خمرا يعتقد أنه سيصير خلا أو nindex.php?page=treesubj&link=10367يطأ امرأة يعتقد أنه سيتزوجها فإن الحد لا يسقط لعدم اعتقاد مقارنة العلم لسببه بخلاف أن يعتقد أنه في الوقت الحاضر حل أو هي امرأته أو جاريته في الوقت الحاضر فهذا لا حد عليه فيتحصل لك من ذلك الفرق بين مسائل nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك التي اختلف قوله فيها ويتحصل أيضا قيد آخر ينعطف على الشبهة فيكون شرطا فيها وهو أنا نشترط اعتقاد المقارنة في درء الكفارات والحدود فهذا هو ضابط الشبهة المسقطة للحدود والكفارات ، وما خرج عن هذه الثلاثة فيه الحد والكفارة كمن nindex.php?page=treesubj&link=10990_10982_10974_23881تزوج خامسة أو مبتوتة ثلاثا قبل زوج أو أخته من الرضاع أو النسب أو ذات محرم عامدا عالما بالتحريم أو nindex.php?page=treesubj&link=2525انتهك حرمة رمضان بالفطر ، وما خرج عن هذه الثلاثة ففيه الحد والكفارة .
( سؤال ) قلت لبعض الفضلاء : الحديث الذي يستدل به الفقهاء وهو ما يروى { nindex.php?page=hadith&LINKID=13252ادرءوا الحدود بالشبهات } لم يصح ، وإذا لم يكن صحيحا ما يكون معتمدنا في هذه الأحكام ؟ . ( جوابه ) قال لي يكفينا أن نقول حيث أجمعنا على إقامة الحد كان سالما عن الشبهة وما قصر عن محل الإجماع لا يلحق به عملا بالأصل حتى يدل دليل على إقامة الحد في صور الشبهات وهو جواب حسن [ ص: 175 ] .
( الفرق السادس والأربعون والمائتان بين قاعدة ما هو شبهة تدرأ بها الحدود والكفارات وقاعدة ما ليس كذلك ) . وهو أن ضابط nindex.php?page=treesubj&link=10374_10375_10371_10427الشبهة المعتبرة في إسقاط الحدود والكفارات في إفساد صوم رمضان أمران . ( الأمر الأول ) أن لا تخرج عن شبهات ثلاث . ( الأولى ) الشبهة في الواطئ كاعتقاد أن هذه الأجنبية امرأته أو مملوكته أو نحو ذلك فالاعتقاد الذي هو جهل مركب وغير مطابق يقتضي عدم الحد من حيث إنه معتقد الإباحة ، وعدم المطابقة في اعتقاده يقتضي الحد فحصل الاشتباه وهي عين الشبهة . ( الثانية ) الشبهة في الموطوءة كالأمة المشتركة إذا وطئها أحد الشريكين فما فيها من نصيبه يقتضي عدم الحد ، وما فيها من ملك غيره يقتضي الحد فحصل الاشتباه وهي عين الشبهة . ( الثالثة ) الشبهة في الطريق كاختلاف العلماء في إباحة الموطوءة كنكاح المتعة ونحوه فإن قول المحرم يقتضي الحد وقول المبيح يقتضي عدم الحد فحصل الاشتباه وهي عين الشبهة . ( الأمر الثاني ) تحقق شرطها وهو اعتقاد المقدم مقارنة السبب المبيح ، وإن أخطأ في حصول السبب ، وإلى أمثلة ذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في المدونة في كتاب الصيام إذا جامع في رمضان ناسيا فظن أن ذلك يبطل صومه فتعمد الفطر ثانية أو امرأة رأت الطهر في رمضان ليلا فلم تغتسل حتى أصبحت فظنت أنه لا صوم لمن لم يغتسل قبل الفجر فأكلت أو مسافر قدم إلى أهله ليلا فظن أن من لم يدخل نهارا قبل أن يمسي أن صومه لا يجزئه ، وأن له أن يفطر فأفطر أو عبد بعثه سيده في رمضان يرعى غنما له على مسيرة ميلين أو ثلاثة فظن أن ذلك سفر فأفطر فليس على هؤلاء إلا القضاء بلا كفارة ا هـ .
وقال الأصل : ونظير هذه الأمثلة في الكفارات في الحدود أن يشرب خمرا يعتقد أنه في الوقت الحاضر خل أو يطأ امرأة أجنبية يعتقد أنها امرأته أو جاريته في الوقت الحاضر ، وضابط الشبهة التي لا تعتبر في إسقاط الحدود والكفارات في فساد صوم رمضان أيضا أمران : ( الأمر الأول ) الخروج عن الشبهات الثلاث المذكورة كمن تزوج خامسة أو مبتوتة ثلاثا قبل زوج أو أخته من الرضاع أو النسب أو ذات محرم عامدا عالما بالتحريم أو انتهك حرمة رمضان بالفطر . ( الأمر الثاني ) أن لا يتحقق الشرط المذكور ، وإلى أمثلته قال ابن القاسم عقب ما تقدم عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في المدونة في كتاب الصيام وما رأيت nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا يجعل الكفارة في شيء من هذه الوجوه على التأويل إلا امرأة قالت اليوم أحيض وكان يوم حيضها ذلك فأفطرت أول نهارها وحاضت في آخره والذي يقول اليوم يوم جمادى فيأكل في رمضان متعمدا في أول النهار ، ولم يمرض في آخره مرضا لا يقدر على الصوم معه فقال عليهما القضاء والكفارة ا هـ .
وقال الأصل : ونظير الحائض والمريض في الكفارات في الحدود أن يشرب خمرا يعتقد أنه سيصير خلا أو يطأ امرأة يعتقد أنه سيتزوجها [ ص: 203 ] فإن الحد لا يسقط لعدم اعتقاد مقارنة العلم لسببه . قال : ووجه الفرق بين هذه المسائل وبين مسائل تحقق الشرط المتقدمة أن تلك اعتقد فيها المقدم عليها اقتران السبب المبيح فأوقعت الإباحة فيها قبل سببها فالمقدم في هاته مصيب من حيث إن كلا من المرض والحيض وصيرورة الخمر خلا والعقد على الأجنبية مبيح ، ومخطئ في التقدم للحكم على سببه ، والمقدم في تلك مخطئ في حصول السبب مصيب في اعتقاده المقارنة ، وأنه لم يقصد تقديم الحكم على سببه فعذر بالتأويل الفاسد في تلك ، ولم يعذر في هاته بالتأويل الفاسد وسر الفرق أن تقدم الحكم على سببه بطلانه مشهور غير ملتبس في الشريعة فلا صلاة قبل الزوال ، ولا صوم قبل الهلال ، ولا عقوبة قبل الجنايات وهو كثير لا يعد ، ولا يحصى حتى لا يكاد يوجد خلافه ألبتة ، وما هو مشهور لا يكون اللبس فيه عذرا ، وأما اشتباه صورة الأسباب المبيحة وتحقيق شروطها ، ومقاديرها فلا يعلمه إلا فحول الفقهاء وتحقيقه عسير على أكثر الناس فكان اللبس فيه عذرا .
قال وحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=13252ادرءوا الحدود بالشبهات } الذي يستدل به الفقهاء على هذه الأحكام ، وإن لم يصح إلا أن معتمدنا فيها ما قاله بعض الفضلاء من أنه حيث أجمعنا على إقامة الحد كان سالما عن الشبهة ، وما قصر عن محل الإجماع لا يلحق به عملا بالأصل حتى يدل بدليل على إقامة الحد في صور الشبهات . ا هـ . وهو حسن هذا تهذيب ما في الأصل ، وصححه ابن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم .