الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويشترط في هذه السجدة شروط الصلاة من ستر العورة ، واستقبال القبلة ، وطهارة الثوب والبدن من الحدث ، والخبث .

ومن لم يكن على طهارة عند السماع فإذا تطهر يسجد وقد قيل في كمالها إنه يكبر رافعا يديه لتحريمه ثم يكبر للهوي للسجود ثم يكبر للارتفاع ثم يسلم وزاد زائدون .

التشهد ولا أصل لهذا إلا القياس على سجود الصلاة وهو بعيد فإنه ورد الأمر في السجود فليتبع فيه الأمر وتكبيرة الهوي أقرب للبداية وما عدا ذلك ففيه بعد .

ثم المأموم ينبغي أن يسجد عند سجود الإمام ولا يسجد لتلاوة نفسه إذا كان مأموما .

التالي السابق


ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: (ويشترط في هذا السجود شروط الصلاة) المذكورة في محلها; لأنها جزء من أجزائها (من ستر العورة، واستقبال القبلة، وطهارة الحدث، والخبث من الثوب ) بلا خلاف إلا في المحاذاة، وفي القهقهة فإنه يعيدها دون الوضوء عند أصحابنا، (ومن لم يكن على طهارة عند السماع للسجدة فإذا تطهر سجد) ، وبه قال الأئمة الثلاثة .

قال الرافعي: هذا إذا كان الفصل قصيرا، وإن طال فاتت، وهل يقضى؟ قولان حكاهما صاحب التقريب، أظهرهما وبه قطع الصيدلاني لا تقضى اهـ .

وقيل: يسجد وإن لم يكن طاهرا نقل ذلك من فعل ابن عمر واختاره الشيخ الأكبر قدس سره، والاعتبار فيه أن طهارة القلب شرط في صحة السجود لله من كونه ساجدا، وطهارة الجوارح في وقت السجود معقولة بأنها متصرفة في عبادة لم يشترط في فعلها استعمال بماء ولا تراب، وإن كان على طهارة من ماء، أو تراب فهو أولى، وأما استقبال القبلة فالمتفق عليه بين الأئمة ما ذكر .

ومنهم من قال: يسجد للتلاوة لأي جهة كان وجهه، والأولى استقبال القبلة والاعتبار في ذلك الله قبلة القلوب بلا خلاف فإذا سجد لله فقد سجد للقبلة، فإن الله بكل شيء محيط لا تقيده الجهات، ولا تحصره الأبنيات، فإن جمع الساجد بين القبلتين فهو أكمل حسا وعقلا فيقيد من يقبل التقييد، ويطلق من يقبل الإطلاق فيعطى كل ذي حق حقه، (وقد قيل في كمالها) إذا كانت في غير الصلاة (أنه) يقوم وينوي (ويكبر رافعا يديه) حذو منكبيه (للإحرام) أي كما يفعل به في افتتاح الصلاة، (ثم يكبر) أخرى للهوي من غير رفع اليد، ثم يسجد، ثم يكبر (للارتفاع) كما يفعل عند رفع الرأس عن سجود الصلاة .

وفي تكبيرة الافتتاح أوجه أصحها أنها شرط، والثاني مستحبة، والثالث لا تشرع أصلا قاله أبو جعفر الترمذي: وهو شاذ منكر، والمستحب أن يقوم وينوي قائما ويكبر، ثم يهوي للسجود من قيام، قاله الشيخ أبو محمد والقاضي الحسين وصاحب المهذب والتتمة، وأنكره إمام الحرمين، وغيره .

قال الإمام: لم أر لهذا ذكرا، ولا أصلا، وهذا الذي قاله الإمام هو الأصوب، فلم يذكر جمهور الأصحاب هذا القيام، ولا ثبت فيه شيء مما يحتج به فالاختيار تركه كذا في الروضة، (ثم يسلم) يمينا وشمالا .

وهل يشترط السلام؟ فيه قولان أظهرهما نعم، (وزاد زائدون التشهد ولا أصل لهذا إلا القياس على سجود الصلاة وهو) قياس (بعيد) عن العقول (فإنه ورد الأمر بالسجود) فقط، (فليتبع فيه الأمر) ، ويقتصر عليه، وعدم اشتراط التشهد هو أصح الوجهين في المذهب، ومن الأصحاب من يقول في اشتراط السلام، والتشهد: ثلاثة أوجه أصحها يشترط السلام دون التشهد، وإذا قلنا: التشهد ليس بشرط، فهل يستحب؟ وجهان حكاهما في النهاية، قال النووي: الأصح لا يستحب (وتكبيرة الهوي أقرب للبداية) ، وهي مستحبة، وليست بشرط (وما عدا ذلك) أي ما ذكر (ففيه بعد) عن قواعد المذهب .

وإذا كانت سجدة التلاوة في الصلاة فلا يكبر للافتتاح، لكن يستحب التكبير للهوي إلى السجود من غير رفع اليدين، وكذا يكبر عند رفع الرأس كما يفعل في سجدات الصلاة، وفي وجه شاذ أنه لا يكبر للهوي، ولا للرفع قاله ابن أبي هريرة، وإذا رفع رأسه قام، ولا يجلس للاستراحة، ويستحب أن يقرأ شيئا، ثم يركع، ولا بد من انتصابه قائما، ثم يركع فإن الهوي من القيام واجب كذا في الروضة .

وقال أصحابنا: إذا أراد أن يسجد للتلاوة فإنه يكبر لها، ولا يرفع يديه ويسجد، ثم يرفع رأسه ويكبر اعتبارا بالصلاة، وهو المروي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - وليس فيها تشهد ولا سلام; لأنه للتحليل ولا تحريم هناك وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يكبر إذا انحط للسجود، ويكبر إذا رفع رأسه، وفي التنبيه ذكر الصدر الشهيد في الواقعات يكبر فيها عند الابتداء والانتهاء وهو المختار، كما في المكتوبة، (ثم المأموم ينبغي أن يسجد عند سجود الإمام) ، فلو لم يفعل بطلت صلاته، وإذا لم يسجد الإمام لا يسجد المأموم [ ص: 489 ] ولو فعل بطلت صلاته، ويحسن القضاء إذا فرغ ولا يتأكد، ولو سجد الإمام ولم يعلم المأموم، حتى رفع الإمام رأسه من السجود لم يسجد، وإن علم وهو في السجود سجد، وإن كان المأموم في الهوي، ورفع الإمام رأسه رفع معه، ولم يسجد، وكذا الضعيف الذي هوى مع الإمام لسجود التلاوة فرفع الإمام رأسه قبل انتهائه إلى الأرض لبطء حركته يرفع معه، ولا يسجد، (ولا يسجد لتلاوة نفسه إذا كان مأموما ) ، بل يكون له قراءة السجدة، ولا يسجد لقراءة غير الإمام، بل يكره الإصغاء إليها، ولو سجد لقراءة نفسه، أو قراءة غير إمامه بطلت صلاته كذا في الروضة .



مسائل منثورة تتعلق بالباب .

منها أن المصلي إذا كان منفردا يسجد لقراءة نفسه، فلو لم يسجد فركع، ثم بدا له أن يسجد لم يجز فلو كان قبل بلوغه حد الراكعين جاز، ولو هوى لسجود التلاوة، ثم بدا له فرجع جاز، كما لو قرأ بعض التشهد الأول، ولم يتمه فإنه يجوز، ومنها إذا قرأ آيات السجدات في مكان واحد سجد لكل واحدة فلو كرر الآية الواحدة في المجلس الواحد، نظر إن لم يسجد للمرة الأولى كفاه سجود واحد، وإن سجد للأولى فثلاثة أوجه الأصح يسجد مرة أخرى لتجدد السبب، والثاني تكفيه الأولى، والثالث إن طال الفصل سجد أخرى، وإلا فتكفيه الأولى لو كرر الآية الواحدة في الصلاة فإن كان في ركعة فكالمجلس الواحد، وإن كان في ركعتين فكالمجلسين، ولو قرأ مرة في الصلاة ومرة خارجها في المجلس الواحد، وسجد، فقال الرافعي: لم أر فيه نصا للأصحاب، وإطلاقهم يقتضي طرد الخلاف فيه، ومنها لو كان يصلي فقرأ قارئ آية السجدة فإذا فرغ من صلاته، هل يقضي سجود التلاوة؟ المذهب أنه لا يقضيه وبه قطع الشاشي وغيره واختاره إمام الحرمين; لأن قراءة غير إمامه لا تقتضي سجوده، وإذا لم يجر ما يقتضي السجود أداء فالقضاء بعيد، وقال صاحب التهذيب: يحسن أن يقضي، ولا يتأكد، كما يجيب المؤذن إذا فرغ من الصلاة، ومنها إذا قرأ السجدة في الصلاة قبل الفاتحة سجد بخلاف ما لو قرأها في الركوع، أو السجود فإنه لا يسجد، ولو قرأ السجدة فهوى، ليسجد فشك، هل قرأ الفاتحة؟ فإنه يسجد للتلاوة، ثم يعود إلى القيام فيقرأ الفاتحة، ولو قرأ خارج الصلاة السجدة بالفارسية لا يسجد وإذا سجد المستمع مع القارئ لا يرتبط به ولا ينوي الاقتداء به، وله الرفع من السجود قبله .

ومنها لو قرأ آية سجدة في الصلاة فلم يسجد وسلم يستحب له أن يسجد ما لم يطل الفصل، وإن طال ففيه الخلاف المتقدم، ومنها لو سجد للتلاوة قبل بلوغ السجدة، ولو بحرف لم يصح سجوده، ولو قرأ بعد السجدة آيات، ثم سجد جاز ما لم يطل الفصل، ومنها لو قرأ سجدة فسجد فقرأ في سجوده سجدة أخرى لا يسجد ثانيا على الصحيح المعروف، وفيه وجه شاذ حكاه في البحر أنه يسجد، قال صاحب البحر: إذا قرأ الإمام السجدة في صلاة سرية استحب تأخير السجود إلى فراغه من الصلاة قال: وقد استحب أصحابنا للخطيب إذا قرأ سجدة أن يترك السجود، لما فيه من كلفة النزول عن المنبر والصعود قال: ولو قرأ السجدة في صلاة الجنازة، لم يسجد فيها، وهل يسجد بعد الفراغ؟ وجهان أصحهما لا يسجد .



(فصل في مسائل منثورة لأصحابنا تتعلق بالباب) .

إن تلا الإمام السجدة سجد هو والمأموم معه، وإن لم يسمعها لالتزامه متابعته، وإن تلاها المأموم لم يسجداها لا في الصلاة، ولا بعد الفراغ عند أبي حنيفة، وأبي يوسف، وقال محمد: يسجدونها إذا فرغوا من الصلاة; لأن السبب قد تقرر ولا مانع بعد الفراغ وإن سمعها من هو من أهل الخطاب ممن ليس هو من أهله لزمه أن يسجد لها، وإن لم تكن واجبة على من تلاها، ولو سمع آية السجدة من النائم، أو من الطير، فقال بعضهم: يجب عليه وقال آخرون: لا، وهل يجب على النائم؟ فعلى هذا الاختلاف، وإن تلاها بالفارسية فهو كما إذا تلاها بالعربية عند أبي حنيفة، حتى يجب على كل من سمعها أن يسجدها سواء فهمها، أو لم يفهمها بعد أن أخبر بذلك، وقالا: يجب عليه، وعلى كل من فهم التلاوة، ولا يجب على من لا يفهمها، وإن تلاها بالهجاء لا يجب عليه; لأنه لا يقال: قرأ القرآن فإن سمعها من ليس في الصلاة سجدها على الصحيح، وإن سمعها المصلي ممن ليس معه في الصلاة سجدها بعد الصلاة; لأنها ليست من أفعال الصلاة، وقد تحقق سببها، وهو السماع، ولو سجدها في الصلاة أعادها خارج الصلاة; لأنها ناقص لمكان النهي [ ص: 490 ] فلا يتأدى به الكامل، ولا يعيد الصلاة، وفي النوادر تفسد صلاته; لأنه زاد فيها ما ليس منها .

وقيل: هو قول محمد، ومن تلاها في الصلاة فلم يسجدها فيها سقطت، ولو تلاها في الصلاة إن شاء ركع بها، وإن شاء سجدها، ثم قام وقرأ وهو أفضل، يروى ذلك عن أبي حنيفة وفي الينابيع تالي آية السجدة في الصلاة لا يخلو من ثلاثة أوجه، إما أن تكون السجدة في وسط السورة، أو في آخرها، أو في خاتمتها، وبعدها آيتان أوثلاث آيات ففي الأولى الأفضل أن يسجد، ثم يقوم ويختم السورة، ولو لم يسجد وركع ونوى يجزئه قياسا، ولو لم يسجد ولم يركع حتى أتم السورة، ثم ركع ونوى السجدة لا يجزئه ولا يسقط عنه بالركوع، وعليه قضاؤها بالسجود مادام في الصلاة، وفي الثاني الأفضل أن يركع بها فلو سجد ولم يركع فلا بد أن يقرأ من سورة أخرى بعد رفع الرأس من السجود، وإن رفع رأسه، ولم يقرأ شيئا وركع وسجد للصلاة جازت صلاته، ولو لم يركع ولم يسجد وجاوز إلى سورة أخرى فليس له أن يركع بها، وعليه أن يسجدها مادام في الصلاة، وفي الثالث هو بالخيار إن شاء ركع بها، وإن شاء سجد فإذا أراد أن يركع بها جاز أن يختم السورة وركع بها، ولو سجدها، ثم قام فإنه يختم السورة ويركع للصلاة، وسجد لها فإن وصل إليها شيئا آخر من سورة أخرى فهو أفضل، ولو قرأ آية السجدة في الصلاة، وأراد أن يركع بها يحتاج إلى النية عند الركوع وإلا لم يجزه عن السجود، ولو نوى في ركوعه فقيل يجزئ، وقيل: لا، اهـ. ملخصا



(فصل في اعتبار من يتوجه عليه حكم السجود ) .

اعلم أنه يجب السجود على القلب، وهو سجود لا رفع بعده اتفق لسهل بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى في أول دخوله إلى هذا الطريق أنه رأى قلبه قد سجد في الساجدين، فأراد أن يسأل شيوخ الطريق عن واقعته، فلم يجد أحدا يعرف ما يقول، فقيل له: إن في عبادان شيخا معتبرا فرحل إليه من أجل هذه الواقعة فلما دخل عليه قال له: يا شيخ أيسجد القلب، فقال له الشيخ: إلى الأبد فوجد شفاءه، ولزم خدمته ومدار هذه الطريقة على هذه السجدة إذا حصلت للإنسان فقد كملت معرفته، وعصمته فلم يكن للشيطان عليه سبيل، ويسمى هذا في حق الولي حفظا أدبا مع الأنبياء ليتحققوا باسم العصمة، فإن لم يسجد القلب فليس بمحفوظ، وهذه مسألة دقيقة عظيمة في الطريق ما تحصل إلا لأفراد يعز وجودهم، وهم الذين هم على بينة من ربهم، والبينة تجليه ويتلو تلك البينة شاهد من العبد، وهو سجود القلب فإذا اجتمعت البينة، والشاهد عصم القلب، وحفظ كما قررناه، وعلى هذا المقام من طريق القوم أسباب حار فيها القوم مثل قول أبي يزيد، وكان أمر الله قدرا مقدرا حين سئل أيعصي العارف؟ فأجاب بالأدب، ولم يقل: نعم، ولا، لا ، لمعرفته بما ثم، والله أعلم .




الخدمات العلمية