الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفائض من عدله على أحسن الوجوه وأكملها وأتمها وأعدلها وأنه حكيم في أفعاله عادل في أقضيته لا يقاس عدله بعدل العباد إذ العبد يتصور منه الظلم بتصرفه في ملك غيره .

ولا يتصور الظلم من الله تعالى فإنه لا يصادف لغيره ملكا حتى يكون تصرفه فيه ظلما فكل ما سواه من إنس وجن وملك وشيطان وسماء وأرض وحيوان ونبات وجماد وجوهر وعرض ومدرك ومحسوس حادث اخترعه بقدرته بعد العدم اختراعا وأنشأه إنشاء بعد أن لم يكن شيئا إذ كان في الأزل موجودا وحده ولم يكن معه غيره فأحدث الخلق بعد ذلك إظهارا لقدرته وتحقيقا لما سبق من إرادته ولما حق في الأزل من كلمته لا لافتقاره إليه وحاجته .

التالي السابق


(وفائض) أي: سائل (من عدله على أحسن الوجوه وأكملها وأتمها وأعدلها) وأبدعها (وأنه حكيم في أفعاله) بإصابة مراده على حسب قصده (عادل في أقضيته) على الحقيقة، لا يوصف بالجور والظلم (لا يقاس عدله بعدل العباد) فيه إشارة إلى قول بعض الأشاعرة: إن العدل لا يصح تحديده بجنس ولا نوع مخصوص، ولا بوصف خالص له، لاسيما على ما يعرفه الناس به، وكذا نقيضه أيضا; لأن العدل الذي هو الحق عدول، والجور أيضا عدل وعدول عن الحق، ولهذا قالوا: إن الجور ليس بضد العدل; لأن كل فعل كان منا عدلا بموافقة أمر الله تعالى، فقد يجوز أن يكون جورا بموافقة نهيه، ومنهم من قال: يصح تحديده .

وللعادل حينئذ معنيان، أحدهما: عدوله من صفات النقص والعيب، وعلى هذا فهو من صفاته الأزلية الواجبة له في الأزل .

والثاني: رجوعه عن إيقاع الجور، وهو فعله، فيكون حينئذ من أوصافه الفعلية المشتقة من فعله، وفي "المقصد الأسنى" للمصنف: العادل هو الذي يقصد منه فعل العدل المضاد للجور والظلم. ولن يعرف العادل من لم يعرف عدله، ولا يعرف عدله من لم يعرف فعله، فمن أراد أن يفهم هذا الوصف فينبغي أن يحيط علما بأفعال الله تعالى من ملكوت السموات إلى منتهى الثرى، حتى إذا بهره جمال الحضرة الربوبية وحيره اعتدالها وانتظامها، تعلق بفهمه شيء من معاني عدل الله في خلقه .

(إذ العبد يتصور منه الظلم) والجور (بتصرفه في ملك غيره) أو مجاوزة الحد، أو بوضع الشيء في غير محله بنقص أو زيادة (ولا يتصور الظلم) بهذا المعنى (من الله تعالى) تقدس على ذلك (فإنه لا يصادف لغيره ملكا) على الحقيقة (متى يكون تصرفه فيه ظلما) وتعديا (فكل ما سواه من إنس وجن وشيطان وسماء وأرض وحيوان وجوهر وعرض ومدرك ومحسوس) بأنواعها وأجناسها (حادث) وبالذات والزمان، ثم أشار إلى حدود الزمان، فقال: (اخترعه بقدرته بعد العدم اختراعا) على غير مثال سابق، ثم أكد ذلك بقوله: (وأنشأه إنشاء) بعد أن لم يكن شيئا (وأعطى كل شيء خلقه) وهو بذلك جواد، ورتبه في موضعه اللائق به، وهو بذلك عدل .

(إذ كان في الأزل موجودا وحده ولم يكن معه غيره) يشاركه أو يماثله في ذاته وصفاته وأفعاله، وأشار إلى أن إحداثه تعالى ذلك كان باختياره، لا باستكمال كمال زائد على ما كان قبل إحداثه (فأحدث [الخلق]) [ ص: 33 ] وأنشأه (بعد عدمه) المحض (إظهارا لقدرته) الباهرة (وتحقيقا لما سبق من إرادته) الأزلية بكونه ووجوده (ولما حق من الأزل من كلمته) التي لا تبدل، وفيها إشارة إلى أن تأثير القدرة فرع تأثير الإرادة، إذ لا يوجد تعالى شيئا من الممكنات أو يعدم بقدرته إلا ما أراد تعالى وجوده أو إعدامه، وتأثير الإرادة على وفق العلم، فكل ما علم تعالى أنه يكون من الممكنات أو لا يكون، فذلك مراده (لا لافتقاره إليه) أي: إلى ذلك الإنشاء (وحاجته) ، تعالى الله عن ذلك، وهو الغني المطلق، وكل موجود فقير إليه في وجوده وبقائه، وسائر ما يمده به .




الخدمات العلمية