الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الرابع في تقنعه صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها قال : بينا نحن جلوس في بيت أبي بكر رضي الله تعالى عنه في نحو الظهيرة ، فقال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنعا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري والنسائي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر قال : لا تسكنوا ، ولا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم ، ثم تقنع بردائه ، وهو على الرحل .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي في الشمائل ، وابن سعد ، والبيهقي عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر القناع .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد والبيهقي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر التقنع ، وفي لفظ القناع .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البلاذري عن عبد الرحمن بن زيد بن جابر رضي الله تعالى عنه قال : قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر على بغلة شهباء ، وعليه ممطر سيجان ، وعليه عمامة ، وعلى العمامة قلنسوة من الممطر السيجان ، قال هشام بن عمار : الساج الطيلسان الأسود .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو نعيم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر تسريح لحيته ورأسه بالماء ، ثم تقنع كأن ثوبه ثوب زيات .

                                                                                                                                                                                                                              وروى بقي بن مخلد عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر التقنع ، وهو من أخلاق الأنبياء ، أو لبسة الأنبياء عليهم السلام ، وقال ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم القناع عن رأسه ، وأخرج وجهه ، ثم قال : «هكذا الإيمان » ، ثم قنع رأسه وغطى وجهه ، وأخرج إحدى عينيه وقال : «هكذا النفاق » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو عوانة في صحيحه عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : « كنت ألعب مع [ ص: 288 ] الصبيان إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قنع رأسه بثوب ، فسلم علي ، ثم دعاني فبعثني في حاجة ، وقعد في نخل حائط » الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن سعد رحمه الله تعالى : أخبرنا الفضل بن دكين عن عبد السلام بن حرب قال : حدثنا موسى الحارثي في زمن بني أمية قال : وصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم الطيلسان فقال : «هذا ثوب لا يؤدى شكره » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والطبراني بسند حسن - عن أمامة بن زيد رضي الله تعالى عنه قال : لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أدخل علي أصحابي » ، فدخلوا عليه ، فكشف القناع ، ثم قال : «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو عبيدة في غريبه عن يحيى بن أبي كثير رحمه الله تعالى قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على إبل لحي يقال لهم بنو الملوح ، أو بنو المصطلق قد عبست في أبوالها من السمن ، فتقنع بثوبه ، ثم قرأ قول الله تعالى : لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم الآية .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والبخاري في تاريخه ، وأبو داود والنسائي وابن جرير عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي اشتد ذلك عليه ، وعرفنا ذلك منه ، فتنحى منتبذا خلفنا ، وجعل يغطي رأسه بثوبه ، فأتانا ، فأخبرنا أنه قد أنزل عليه الوحي : إنا فتحنا لك فتحا مبينا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعا بثوبه فقال : «يا أيها الناس ، إن الناس يكثرون ، وإن الأنصار يقلون ، فمن ولي منكم أمرا ينفع فيه أحد ، فليقبل من محسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن زيد بن سعد عن أبيه رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نعيت إليه نفسه خرج متقنعا ، حتى جلس على المنبر ، فحمد الله تعالى ، وأثنى عليه ، ثم قال : «أيها الناس احفظوني في هذا الحي ، من الأنصار فإنهم كرشي وعيبتي ، اقبلوا من محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم » .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 289 ] وروى البلاذري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنع رأسه حتى ينظر إلى حاشية ثوبه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «الأردية ألبسة العرب ، والالتفاع لبسة الإيمان » ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلفع .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عدي عن عون بن سلام عن معلى بن هلال عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عبد الله رضي الله تعالى عنهم قال : التلفع والتقنع من أخلاق الأنبياء عليهم السلام ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتقنع والأحاديث في هذه كثيرة .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية