الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما حال البكر مع غير الأب والجد من الأولياء كالإخوة والأعمام فلا تخلو حالها معهم من أن تكون صغيرة أو كبيرة ، فإن كانت كبيرة لم يكن لهم إجبارها إجماعا ، وليس لهم تزويجها إلا بإذنها .

                                                                                                                                            والفرق بين الآباء والعصبات : أن في الآباء بعضية ليست في العصبات فقويت بها [ ص: 54 ] ولايتهم حتى تجاوزت ولاية النكاح إلى ولاية المال ، فصاروا بذلك أعجز ، ولأنه من العصبات ، وإن كانت البكر صغيرة فليس لأحد من العصبات تزويجها بحال .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لجميع العصبات تزويجها صغيرة كالأب ، ولها الخيار إذا بلغت بخلافها مع الأب .

                                                                                                                                            وقال أبو يوسف : لهم تزويجها ولا خيار لها كهي مع الأب استدلالا بقوله تعالى : ويستفتونك في النساء إلى قوله : وترغبون أن تنكحوهن [ النساء : 127 ] .

                                                                                                                                            قال : واليتيمة من لا أب لها من الصغار والذي كتب لها صداقها ، فدل على جواز نكاح غير الأب لها ، ولأن كل من جاز له تزويجها في الكبر جاز له أن ينفرد بتزويجها في الصغر كالأب ، ولأنه لما استوى الآباء والعصبات في إنكاح الثيب وجب أن يستووا في إنكاح البكر ، ودليلنا حديث قدامة بن مظعون أنه زوج ابنة أخيه بعبد الله بن عمر ، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاحه ، فقال : إنني عمها ووصي أبيها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها يتيمة وإنها لا تتزوج إلا بإذنها " فلم يجعل له تزويجها إلا بعد البلوغ .

                                                                                                                                            ومن القياس : أن كل من لم يملك قبض صداقها لم يملك عقد نكاحها كالعم مع الثيب طردا ، أو كالسيد مع أمته عكسا ، ولأنها ثبتت للأب في الصغيرة من غير توليه فوجب أن يختص بها من بين العصبات كولاية المال ، ولأن النكاح إذا لم ينعقد لأن ما كان فاسدا كالمنكوحة في العدة ، ولأن النكاح لا ينعقد بخيار التحكم والاقتراع قياسا على خيار الثيب .

                                                                                                                                            فأما الآية فتحمل على إنكاحها قبل اليتم أو على إنكاح الجد : لأن اليتم يكون بموت الأب ، وإن كان الجد باقيا ، وأما قياسهم على الأب ، فالفرق بينهما في الولاية ما قدمناه في الإجبار ، وأما جمعهم بين البكر والثيب فمردود بافتراقهما في قبض الصداق ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية