الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما عقده بالطلب والإيجاب ، فهو أن يبدأ الزوج فيقول للولي : زوجني بنتك على صداق ألف ، فيقول الأب : قد زوجتكها على هذا الصداق ، فيصح العقد ولا يحتاج الزوج إلى أن يعود فيقول : قد قبلت نكاحها ووافقه أبو حنيفة عليه ، وكذلك في البيع إذا ابتدأ المشتري ، فقال : بعني عبدك بألف ، فقال : قد بعتك هذا العبد بها ، صح البيع ، ولم يحتج المشتري أن يقول بعده : قد قبلت .

                                                                                                                                            وخالفه أبو حنيفة في البيع فقال : لا يصح حتى يعود المشتري فيقول : قد قبلت ، بخلاف النكاح .

                                                                                                                                            وهذا خطأ : لأن شروط النكاح أغلظ من شروط البيع ، فكان ما يصح به النكاح أولى أن يصح به البيع ، فإذا صح ما ذكرنا من تمام العقد بالطلب والإيجاب كتمامه بالبذل والقبول كان البذل هو ما ابتدأ به الولي ، والقبول ما أجاب به الزوج ، فإن الطلب ما ابتدأ به الزوج ، والإيجاب ما أجاب به الولي ، فيكون النكاح منعقدا من جهة الولي على أحد وجهين :

                                                                                                                                            إما بالبذل إن كان مبتدئا ، أو بالإيجاب إن كان مجيبا .

                                                                                                                                            ومن جهة الزوج منعقد على أحد وجهين : إما بالطلب إن كان مبتدئا ، وبالقبول إن كان مجيبا ، فصار طلب الزوج في الابتداء قبولا في الانتهاء ، وقبوله في الانتهاء طلبا في الابتداء ، وصار بذل الولي في الابتداء إيجابا في الانتهاء وإيجابه في الانتهاء بذلا في الابتداء ، وإذا كان كذلك لم يخل إيجاب الولي بعد طلب الزوج من ثلاثة أحوال كما ذكرنا في قبول الزوج بعد بذل الولي :

                                                                                                                                            إحداها : أن يقول الولي : قد زوجتكها على هذا الصداق الذي بذلته ، فينعقد النكاح على الصداق والذي سماه الزوج ، وهو ألف .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يقول الولي قد زوجتكها ، ولا يقول على هذا الصداق ، فيصح العقد ، ولا يلزم فيه ذلك المسمى من الصداق : لأن الولي ما صرح بالإجابة إليه .

                                                                                                                                            وعند أبي حنيفة يكون منعقدا على الصداق المبذول .

                                                                                                                                            وإذا بطل المسمى عندنا كان لها مهر المثل ، فلو كان الأب قال : زوجتكها على صداق ألفين لم يلزم واحد من الصداقين ، وكذلك عند أبي حنيفة ، ويكون لها مهر المثل ، ولو كان الأب قال : قد زوجتكها على صداق خمسمائة لم يلزم واحد من الصداقين عندنا .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : يلزم أقلهما ويصير الأب مبرئا له من الزيادة .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يقول الولي بعد طلب الزوج : قد فعلت ، أو يقول : قد أجبتك ولا يقول : قد زوجتكها ، فلا ينعقد النكاح عندنا قولا واحدا ، بخلاف ما ذكرنا من القولين في قبول الزواج .

                                                                                                                                            والفرق بينهما : أن الولي هو المملك لبضع المنكوحة ، والزوج هو المتملك فكان اعتبار [ ص: 162 ] الصريح في لفظ المملك أقوى من اعتباره في لفظ المتملك ، وعند أبي حنيفة يكون النكاح منعقدا على أصله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية