الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا وطئت منكوحة بشبهة ، أو وطئ رجلان امرأة بشبهة ، أو نكح رجل امرأة في العدة جاهلا ، وأتت بولد ، وأرضعت باللبن النازل عليه طفلا ، فهو تبع للولد ، فإن لحق الولد أحدهما لانحصار الإمكان فيه ، فالرضيع ولده من الرضاع ، وإن لم يلحق واحدا منهما لامتناع الإمكان ، فالرضيع مقطوع عنهما ، وإن تحقق الإمكان فيهما ، [ ص: 17 ] عرض الولد على القائف ، فبأيهما ألحقه ، تبعه الرضيع ، فإن لم يكن قائف ، أو نفاه عنهما ، أو أشكل ، توقفنا حتى يبلغ المولود ، فينتسب إلى أحدهما ، فإن بلغ مجنونا ، صبرنا حتى يفيق ، فإذا انتسب ، تبعه الرضيع ، فإن مات قبل الانتساب وكان له ولد قام مقامه في الانتساب ، فإن كان له أولاد فانتسب بعضهم إلى هذا ، وبعضهم إلى هذا ، استمر الإشكال ، فإن لم يكن له ولد وبقي الاشتباه ، ففي الرضيع قولان ، أحدهما : أنه ابنهما جميعا ، ويجوز أن يكون لواحد آباء من الرضاع بخلاف النسب ، وأظهرهما : لا يكون ابنهما ، لأنه تابع للولد ، فعلى الأول هل يكفي خمس رضعات ، أم يحتاج إلى عشر ؟ وجهان خرجهما الداركي ، وذكر في " البسيط " أن معنى هذا القول على ضعفه إثبات أبوتهما ظاهرا دون الباطن ، وهذا خلاف ما قاله الأصحاب ، وإن كان القول ضعيفا بالاتفاق . وإذا قلنا بالأظهر ، فهل للرضيع أن ينتسب بنفسه ؟ قولان نص عليهما في " الأم " أحدهما : لا كما لا يعرض على القائف ، وأظهرهما : نعم كما للمولود . والرضاع يؤثر في الأخلاق بخلاف العرض على القائف ، فإن معظم اعتماده على الأشباه الظاهرة دون الأخلاق مع أن ابن كج نقل عن ابن القطان والقاضي أبي حامد وجهين في العرض على القائف وهو غريب ، فإن قلنا : له الانتساب ، فهل يجبر عليه كما يجبر المولود ؟ وجهان ، وقيل : قولان ، أصحهما : لا ، والفرق أن النسب تتعلق به حقوق له وعليه ، كالميراث والعتق والشهادة وغيرها ، فلا بد من رفع الإشكال ، والذي يتعلق بالرضاع حرمة النكاح ، والامتناع منه سهل . وإذا انتسب إلى أحدهما ، كان ابنه ، وانقطع عن الآخر ، فله نكاح بنته ، ولا يخفى الورع ، وإن لم ينتسب ، أو قلنا : ليس له الانتساب ، فليس له أن ينكح بنتيهما جميعا ، لأن إحداهما أخته ، وفي " الحاوي " وجه ؛ أنه يجوز ويحكم بانقطاع [ ص: 18 ] الأبوة عنهما ، وهذا غلط . وهل له أن ينكح بنت أحدهما ؟ وجهان : أصحهما : لا لأن إحداهما أخته ، فأشبه ما إذا اختلطت أخته بأجنبية . والثاني : يجوز وهو ظاهر ما نقله المزني ، لأن الأصل الحل في كل واحدة ، فصار كما لو اشتبه ماء طاهر بنجس بخلاف الأخت والأجنبية ، فإن الأصل في الأخت التحريم ، فصار كاشتباه الماء بالبول ، فإنه يعرض عنهما ، فإن جوزنا نكاح إحداهما فالصحيح الذي قطع به الجمهور أنه لا يحتاج إلى اجتهاد بخلاف الأواني المشتبهة ، فإن فيها علامات ظاهرة ، وذكر الفوراني أنه يجتهد في الرجلين أيهما الأب ، ثم ينكح بنت من لا يراه أبا ، وإذا نكح واحدة ، ثم فارقها ، فهل له نكاح الأخرى ؟ وجهان ، قال أبو إسحاق : نعم ، لأن التحريم غير متعين ، فصار كمن صلى بالاجتهاد إلى جهة يجوز أن يصلي إلى جهة أخرى باجتهاد آخر . وقال ابن أبي هريرة : لا يجوز ، واختاره القاضي أبو الطيب كالأواني .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية