الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        فيما لا يؤثر اختلاف القاتل والمقتول فيه ، وفيه مسائل .

                                                                                                                                                                        إحداها : يقتل الذمي بالمعاهد وبالعكس ، كما يستويان في الدية ، وفي الأول احتمال للإمام ، ولو أسر الإمام حربيا بالغا ، فقتله ذمي قبل أن يرى الإمام إرقاقه أو غيره ، فلا قصاص ، لأنه على حكمه الذي كان حتى يرقه الإمام .

                                                                                                                                                                        الثانية : يقتل الرجل بالمرأة ، وبالخنثى ، وبالعكس ، كما يقتل العالم بالجاهل ، والشريف بالخسيس ، والشيخ بالصبي ، والشاب وبالعكس .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        فيما لو قطع ذكر خنثى مشكل وأنثياه وشفراه . وهو مبني على أصلين ، أحدهما : أنه هل يجب القصاص في شفري المرأة ؟ فيه خلاف .

                                                                                                                                                                        والثاني : أن العضو الأصلي لا يقطع بزائد ، ويقطع الزائد بالزائد إذا اتحد المحل ، وسنذكر الأصلين إن شاء الله تعالى ، فإذا قطع رجل ذكر خنثى مشكل وأنثييه وشفريه ، فلا قصاص في الحال ، لاحتمال أنه امرأة ثم إن صبر المقطوع إلى التبين فذاك .

                                                                                                                                                                        فإن بان ذكرا اقتص في الذكر والأنثيين ، وأخذ حكومة الشفرين ، وإن بان أنثى ، فلا قصاص ، وله دية الشفرين ، وحكومة الذكر والأنثيين ، وإن لم يصبر ، نظر ، إن قال : عفوت عن القصاص ، وطلب حقه من المال ، أعطي المستيقن ، وهو دية الشفرين وحكومة الذكر والأنثيين ، ثم إن بان أنثى ، فمعه حقه ، وإن بان ذكرا ، فله مائتان من الإبل عن الذكر والأنثيين ، وله حكومة الشفرين فيحسب ما كان معه ويعطى الباقي .

                                                                                                                                                                        وحكى الإمام وجها أنه [ ص: 157 ] إنما يعطى في الابتداء حكومة كل عضو ، لأنه المتيقن في ذلك العضو ، فلا نوجب دية الشفرين ، قال : وهذا ضعيف ، لأن استحقاق القدر المذكور متيقن ، وإن لم تتحقق جهته ، وإنما يصح ذلك إذا تعدد الجاني ، فقطع قاطع ذكره وأنثييه ، وآخر شفريه ، وعفا عن القصاص ، فلا نوجب على كل واحد إلا حكومة ما قطعه .

                                                                                                                                                                        وأما إذا لم يعف عن القصاص وطلب ما يجب له من المال مع القصاص ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : لا نعطي شيئا ، قاله ابن أبي هريرة والقفال ، لأنا لا ندري ما الواجب ، وأصحها : يعطى المستيقن مع القصاص .

                                                                                                                                                                        وفي قدره ثلاثة أوجه ، أحدها : أقل الحكومتين من حكومة الشفرين على تقدير الذكورة ، وحكومة الذكر والأنثيين على تقدير الأنوثة .

                                                                                                                                                                        والثاني : حكومة العضو المقطوع آخرا ، لأنه قطعه والدم سائل من الأول ، فحكومته أقل ، وأصحهما : يعطى أقل الأمرين من حكومة الشفرين بتقدير الذكورة ، وحكومة الذكر والأنثيين مع دية الشفرين .

                                                                                                                                                                        أما إذا قطعت امرأة ذكر الخنثى وأنثييه وشفريه ، فإن صبر إلى التبين ، توقفنا كما في الرجل ، فإن بان ذكرا ، فله ديتان للذكر والأنثيين وحكومة الشفرين ، وإن بان أنثى ، فلها حكومة الذكر والأنثيين والقصاص في الشفرين ، إن أجرينا فيهما القصاص ، وإلا فلها ديتهما أيضا .

                                                                                                                                                                        وإن لم يصبر ، بني على أن القصاص هل يجري في الشفرين ؟ إن قلنا : نعم ، قيست الصورة بما ذكرنا في الرجل ، فإن عفا عن القصاص ، سلم إليه دية الشفرين وحكومة الذكر والأنثيين .

                                                                                                                                                                        وإن لم يعف ، ففي وجه ، لا يعطى شيئا ، وفي وجه ، يعطى أقل الحكومتين ، وفي وجه ، حكومة المقطوع آخرا ، وفي وجه ، حكومة الذكر والأنثيين ليوقع القصاص في الشفرين .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا : لا يجري القصاص فيهما ، فالحكم كما لو أجريناه ، فعفا ، ولو قطع رجل ذكره وأنثييه ، وامرأة شفريه ، ولم يعف ، لم يطالب واحد منهما [ ص: 158 ] بمال لتوقع القصاص في حق كل واحد بناء على جريان القصاص في الشفرين .

                                                                                                                                                                        فإن منع ، فلا يوقع فيهما ، فتجب حكومتهما على المرأة ، وإن قطع رجل شفريه ، وامرأة ذكره وأنثييه ، فلا مجال للقصاص ، فيطالب كل واحد بحكومة ما قطع .

                                                                                                                                                                        ولو قطع مشكل جميع ذلك من مشكل ، فلا قصاص في الحال ، فإن بانا ذكرين ، أو أنثيين ، قطع الأصلي بالأصلي ، والزائد بالزائد إن تساوى الزائدان ، وإلا ففي الزائد الحكومة .

                                                                                                                                                                        وإن بان أحدهما ذكرا والآخر أنثى ، فقد سبق حكمه ، ولو عفا المقطوع قبل التبين ، دفع إليه المتيقن ، وهو دية الشفرين ، وحكومة الذكر والأنثيين ، وإن لم يعف ، فقد نقل الإمام وأبو الحسن العبادي : أنه يدفع إليه أقل الحكومتين ، والصحيح أنه لا يدفع إليه شيء في الحال ، لأن القصاص متوقع في الجميع .

                                                                                                                                                                        وبيان حال الخنثى قد يكون بشيء من العلامات الحسية ، كالبول والمني ونحوهما ، فحكمه كما ذكرنا ، وقد يكون بالرجوع إلى قوله وإخباره عن ميله إلى الرجال أو النساء ، فإن أخبر عن حاله ، ثم جني عليه ، اعتمدنا قوله .

                                                                                                                                                                        فإذا قال : أنا رجل ، ثم قطعه رجل ، أوجبنا القصاص ، وإن جني عليه ، ثم قال : أنا رجل ، فهل يقبل قوله لإيجاب القصاص ولإيجاب دية الذكر والأنثيين ؟ فيه وجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : نعم ، كما قبل الجناية ، وأصحهما على ما ذكره القفال والإمام : المنع ، لأنه متهم ، وشبهوا بما إذا شهد برؤية هلال شوال ، فردت شهادته ، ثم أكل ، لا يعزر ، ولو أكل ثم شهد ، عزر للتهمة ، وبما لو ثبت بشهادة رجل وامرأتين أنه غصب ، ثم قال : إن كنت غصبت فامرأتي طالق ، يقع الطلاق .

                                                                                                                                                                        ولو قال أولا : إن غصبت فهي طالق ، فشهد رجل وامرأتان بغصبه ، لا تطلق على الأصح ، ولو اختلف الجاني والمقطوع ، فقال الجاني : أقررت بأنك امرأة ، فلا قصاص لك ، وقال : بل قلت : إني رجل ، فقولان وأظهرهما : القول قول الجاني ، لأن [ ص: 159 ] الأصل براءته من القصاص ، وهذا نصه في مواضع ، والثاني : قول المقطوع ، لأنه أعرف بحاله .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        لو قطع الخنثى المشكل ذكر رجل وأنثييه ، وقف ، فإن بان ذكرا ، اقتص منه ، وإن بان أنثى ، فعليه ديتان ولا قصاص ، فإن طلب منه مالا قبل التبين ولم يعف ، لم يعط ، لأن القصاص متوقع .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        لو قطعت يد الخنثى ، وجب القصاص ، سواء قطعها رجل أو امرأة ، فلو آل الأمر إلى المال ، لم يؤخذ إلا اليقين ، وهو نصف دية المرأة ، وكذا لو قتل لا تؤخذ إلا دية امرأة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية