الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
" القسم الرابع من أقسام الناس في الهدى الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم "

وأما القسم الرابع : ففي قوله تعالى : ( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم . . ) الآية [ ص: 77 ] فهؤلاء كانوا يكتمون إيمانهم في قومهم ولا يتمكنون من إظهاره ، ومن هؤلاء مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه ، ومن هؤلاء النجاشي الذي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان ملك نصارى الحبشة وكان في الباطن مؤمنا وقد قيل : إنه وأمثاله الذين عناهم الله عز وجل بقوله : ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ) وقوله تعالى : ( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ) فإن هؤلاء ليس المراد بهم المتمسك باليهودية والنصرانية بعد بعث محمد صلى الله عليه وسلم قطعا ، فإن هؤلاء قد شهد لهم بالكفر وأوجب لهم النار فلا يثنى عليهم بهذا الثناء ، وليس المراد به من آمن من أهل الكتاب ودخل في جملة المؤمنين وباين قومه ; فإن هؤلاء لا يطلق عليهم أنهم من أهل الكتاب إلا باعتبار ما كانوا عليه وذلك الاعتبار قد زال بالإسلام واستحدثوا اسم المسلمين والمؤمنين ، وإنما يطلق الله سبحانه هذا الاسم على من هو باق على دين أهل الكتاب هذا " هو " المعروف في القرآن كقوله تعالى : ( ياأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله . . . ) الآية . ( قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم . . ) [ ص: 78 ] ( ياأهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم . . ) الآية . ( وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم . . ) الآية .

ولهذا قال جابر بن عبد الله ، وعبد الله بن عباس ، وأنس بن مالك ، والحسن ، وقتادة ، أن قوله تعالى : ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم . . ) الآية ، أنها نزلت في النجاشي زاد الحسن وقتادة : وأصحابه ، وذكر ابن جرير في تفسيره من حديث أبي بكر الهذلي عن قتادة عن ابن المسيب عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اخرجوا فصلوا على أخ لكم فصلى بنا فكبر أربع تكبيرات فقال : هذا النجاشي أصحمة ، فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط . فأنزل الله تعالى : ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله . . . ) الآية . والمقصود أن الأقسام الأربعة قد ذكرها الله تعالى في كتابه ، وبين أحكامها في الدنيا وأحكامها في الآخرة ، وقد تبين أن أحد الأقسام من آمن ظاهرا وكفر باطنا ، وأنهم نوعان : رؤساؤهم وساداتهم ، وأتباعهم ومقلدوهم ، وعلى [ ص: 79 ] هذا فأصحاب المثل الأول الناري شر من أصحاب المثل الثاني المائي كما يدل السياق عليه ، وقد يقال : - وهو أولى - إن المثلين لسائر النوع . وأنهم قد جمعوا بين مقتضى المثل الأول من الإنكار بعد الإقرار . والحصول في الظلمات بعد النور ، وبين مقتضى المثل الثاني من ضعف البصيرة في القرآن وسد الآذان عند سماعه والإعراض عنه ، فإن المنافقين فيهم هذا وهذا ، وقد يكون الغالب على فريق منهم المثل الأول ، وعلى فريق " منهم " المثل الثاني .

التالي السابق


الخدمات العلمية