الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
( قول إمام أهل الإسلام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله ) : قال في كتاب التوحيد من صحيحه باب قول الله عز وجل : ( وكان عرشه على الماء ) ( وهو رب العرش العظيم ) [ ص: 236 ] قال أبو العالية استوى إلى السماء ارتفع فسواهن : خلقهن ، وقال مجاهد : استوى : علا على العرش ثم ساق البخاري حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها كانت تفتخر على نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتقول : زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات ، وذكر تراجم أبواب هذا الكتاب الذي ترجمه بكتاب التوحيد والرد على الجهمية ردا على أقوال الجهمية التي خالفوا بها الأمة فمن تراجم أبواب هذا الكتاب باب قول الله تعالى : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) . ومن أبوابه أيضا باب قول الله عز وجل : ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) وذكر أحاديث ، ثم قال : باب قوله تعالى : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ) ، ( إن الله عنده علم الساعة ) ، و ( أنزله بعلمه ) ( وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ) ثم ساق أحاديث مستدلا ( بها ) على إثبات صفة العلم ، ثم قال : باب قول الله عز وجل : ( السلام المؤمن ) ثم ساق حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن الله تعالى هو السلام ثم ( ساق ) حديث أبي هريرة رضي الله عنه : يقول الله : أنا الملك . ثم قال : باب قول الله : ( وهو العزيز الحكيم ) ، ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) [ ص: 237 ] ( ولله العزة ولرسوله ) وذكر أحاديث ( في ذلك ) ، ثم قال : باب قول الله : ( وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ) ثم ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما : اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض إلى آخره ، ثم قال : باب قول الله تعالى : ( وكان الله سميعا بصيرا ) ثم ساق أحاديث منها حديث أبي موسى رضي الله عنه : ( . . . فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا - تدعون سميعا بصيرا قريبا . . . ) ثم قال : باب قوله تعالى : ( قل هو القادر ) ثم ساق أحاديث في إثبات القدرة ، ثم قال : باب مقلب القلوب وقول الله عز وجل : ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ) وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حلفه لا ومقلب القلوب ، ثم قال : باب إن لله مائة اسم إلا واحدا ، ثم قال : باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها ومقصوده بذلك أنها غير مخلوقة فإنه لا يستعاذ بمخلوق ولا يسأل به ، ثم قال : باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله تعالى . ثم قال : باب قول الله عز وجل : ( ويحذركم الله نفسه ) ثم ساق أحاديث ، ثم قال : باب قول الله عز وجل : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) ثم ذكر حديث جابر رضي الله عنه " أعوذ بوجهك " ، ثم قال : باب قول الله عز وجل : ( ولتصنع على عيني ) وقوله : ( تجري بأعيننا ) ثم ذكر حديث الدجال : إن ربكم ليس بأعور ، ثم قال : باب قول الله عز وجل : ( هو الله الخالق البارئ المصور ) . ثم قال : باب قول الله تعالى : ( لما خلقت بيدي ) ثم ذكر أحاديث في إثبات اليدين ثم قال : باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم [ ص: 238 ] لا شخص أغير من الله . ثم قال : باب قول الله تعالى : ( قل أي شيء أكبر شهادة قل الله ) فسمى الله نفسه شيئا ، ثم قال : باب قول الله تعالى : ( وكان عرشه على الماء ) ثم ذكر بعض أحاديث الفوقية ، ثم قررها بترجمة أخرى فقال : باب قول الله تعالى : ( إليه يصعد الكلم الطيب ) وقوله تعالى : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) ثم ساق في ذلك أحاديث في إثبات صفة الفوقية ، ثم قال : باب قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) ثم ذكر الأحاديث الدالة على إثبات الرؤية في الآخرة ، ثم قال : باب ما جاء في قوله : ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) ثم ذكر أحاديث في إثبات صفة الرحمة ، ثم قال : باب قول الله تعالى : ( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ) ثم ساق في هذا الباب حديث الحبر الذي فيه : إن الله يمسك السماوات على إصبع - الحديث . ثم قال : باب ما جاء في تخليق السماوات والأرض وغيرهما من الخلائق وهو فعل الرب عز وجل وأمره فالرب بصفاته وفعله وأمره وكلامه هو الخالق المكون غير مخلوق وما كان يفعله ، وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول مخلوق مكون . وهذه الترجمة من أدل شيء على دقة علمه ورسوخه في معرفة الله تعالى وأسمائه وصفاته ، وهذه الترجمة فصل في مسألة الفعل والمفعول وقيام أفعال الرب عز وجل به وأنها غير مخلوقة ، وأن المخلوق هو المنفصل عنه الكائن بفعله وأمره وتكوينه ، ففصل النزاع بهذه الترجمة أحسن فصل وأبينه وأوضحه إذ فرق بين الفعل والمفعول وما يقوم بالرب سبحانه وما [ ص: 239 ] لا يقوم به وبين أن أفعاله تعالى كصفاته داخلة في مسمى اسمه ليست منفصلة خارجة مكونة . بل بها يقع التكوين فجزاه الله سبحانه عن الإسلام والسنة بل جزاهما عنه أفضل الجزاء ، وهذا الذي ذكره في هذه الترجمة هو قول أهل السنة وهو المأثور عن سلف الأمة ، وصرح به في كتاب خلق أفعال العباد وجعله قول العلماء مطلقا ، ولم يذكر فيه نزاعا إلا عن الجهمية وذكره البغوي إجماعا من أهل السنة ، وصرح البخاري في هذه الترجمة بأن كلام الله تعالى غير مخلوق وأن أفعاله وصفاته غير مخلوقة ، ثم قال : باب قول الله عز وجل : ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ) ثم ساق أحاديث في القدر وإثباته ، ثم قال : باب قوله تعالى : ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) ثم ساق أحاديث في إثبات تكلم الرب جل جلاله ، ثم قال باب قول الله عز وجل : ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ) وقوله تعالى : ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) وقوله تعالى : ( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) ومقصوده إثبات صفة الكلام والفرق بينها وبين صفة الخلق ثم قال : باب في المشيئة والإرادة ، ثم ساق آيات وأحاديث في إثبات ذلك ، ثم قال باب قوله تعالى : ( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ) قال البخاري رحمه الله : ولم يقولوا : ماذا خلق ربكم ؟ ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله [ ص: 240 ] عنه فينادي بصوت ، وحديث عبد الله بن أنيس وعلقمة : فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك ، أنا الديان . ومقصوده أن هذا النداء يستحيل أن يكون مخلوقا فإن المخلوق لا يقول : أنا الملك ، أنا الديان . فالمنادي بذلك هو الله عز وجل القائل أنا الملك ، أنا الديان .

ثم قال : باب كلام الرب تعالى مع جبرائيل عليه الصلاة والسلام ونداء الله تعالى الملائكة . ثم ذكر حديث إذا أحب الله عبدا نادى جبرائيل ، ثم قال : باب قوله عز وجل : ( أنزله بعلمه والملائكة يشهدون ) ثم ساق أحاديث في نزول القرآن من السماء مما يدل على أصلين ؛ فوقية الرب تعالى ، وتكلمه بالقرآن ، ثم قال : باب قول الله عز وجل : ( يريدون أن يبدلوا كلام الله ) ثم ذكر أحاديث في تكلم الرب تعالى ، ثم قال : باب كلام الرب يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم ثم ساق حديث الشفاعة ، وحديث ما منكم " من " أحد إلا سيكلمه ربه ، وحديث يدنو المؤمن من ربه ، ثم قال : باب قوله تعالى ( وكلم الله موسى تكليما ) ثم ذكر أحاديث في تكليم الله لموسى ، ثم قال : باب كلام الرب تعالى مع أهل الجنة ثم ذكر حديثين في ذلك ، ثم قال : باب قول الله عز وجل : ( فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ) وذكر آيات في ذلك ، وذكر حديث ابن مسعود ( في ذلك ) أي الذنب أعظم ؟ قال : أن تجعل [ ص: 241 ] لله ندا وهو خلقك ، وغرضه بهذا التبويب الرد على القدرية والجبرية فأضاف الجعل إليهم فهو كسبهم وفعلهم ، ولهذا قال في هذا الباب نفسه وما ذكر في خلق أفعال العباد ( واكتسابهم لقوله : ( وخلق كل شيء فقدره تقديرا ) فأثبت خلق أفعال العباد ) وأنها أفعالهم وأكسابهم فتضمنت ترجمته مخالفته للقدرية والجبرية ، ثم قال : باب قول الله عز وجل : ( وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون ) وقصده بهذا أن يبين أن الصوت والحركة التي يؤدى بها الكلام كسب العبد وفعله وعمله ، ثم ذكر أبوابا في إثبات خلق أفعال العباد ، ثم ختم الكتاب بإثبات الميزان .

التالي السابق


الخدمات العلمية