الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ما يجوز من إجازة الورثة للوصية وما لا يجوز

أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، وإذا أوصى الميت لمن لا تجوز له وصيته من وارث أو غيره ، أو بما لا تجوز به مما جاوز الثلث فمات ، وقد علموا ما أوصى به وترك ، فقالوا : قد أجزنا ما صنع ففيها قولان : أحدهما : أن قولهم بعد علمهم وقصهم ميراثه لهم قد أجزنا ما صنع جائز لمن أجازوه له كهبته لو دفعوه إليه من أيديهم ، ولا سبيل لهم في الرجوع فيه ومن قال هذا القول قال إن الوصاية بعد الموت مخالفة عطايا الأحياء التي لا تجوز إلا بقبض من قبل أن معطيها قد مات ، ولا يكون مالكا قابضا لشيء يخرجه من يديه ، وإنما هي إدخال منه لأهل الوصية على الورثة فقوله في وصيته يثبت لأهل الوصية فيما يجوز لهم يثبت لهم ما يثبت لأهل الميراث ، وإذا كان هكذا فأجاز الورثة بعد علمهم وملكهم فإنما قطعوا حقوقهم من مواريثهم عما أوصى به الميت مضى على ما فعل منه جائز له جواز ما فعل مما لم يردوه وليس ما أجازوا لأهل الوصايا بشيء في أيديهم فيخرجونه إليهم إنما هو شيء لم يصر إليهم إلا بسبب الميت ، وإذا سلموا حقوقهم سلم ذلك لمن سلموه له كما يبرءون من الدين والدعوى فيبرأ منها من أبرءوه ويبرءون من حقوقهم من الشفعة فتنقطع حقوقهم فيها ، ولهذا وجه محتمل ، والقول الثاني : أن يقول ما ترك الميت مما لا تجوز له الوصية به فهو ملك نقله الله تعالى إليهم فكينونته في أيديهم وغير كينونته سواء .

وإجازتهم ما صنع الميت هبة منهم لمن وهبوه له فمن دفعوه إليه جاز له ولهم الرجوع ما لم يدفعوه كما [ ص: 116 ] تكون لهم أموال ودائع في أيدي غيرهم فيهبون منها الشيء لغيرهم فلا تتم له الهبة إلا بالقبض ، ولهذا وجه محتمل والله تعالى أعلم ، وإن قالوا أجزنا ما صنع ، ولا نعلمه وكنا نراه يسيرا انبغى في الوجهين جميعا أن يقال أجيزوا يسيرا واحلفوا ما أجزتموه إلا وأنتم ترونه هكذا ، ثم لهم الرجوع فيما بقي ، وكذلك إن كانوا غيبا ، وإن أقيمت عليهم البينة بأنهم علموه جازت عليهم في قول من أجاز إجازتهم بغير قبض ، وإنما تجوز عليهم إذا أوصى بثلثي ماله ، أو بماله كله أو بجزء معلوم منه إن علموا كم ترك كأن أوصى بشيء يسميه فقال لفلان كذا وكذا دينارا ولفلان عبدي فلان ولفلان من إبلي كذا وكذا فقالوا قد أجزنا له ذلك ، ثم قالوا إنما أجزنا ذلك ونحن نراه يجاوز الثلث بيسير لأنا قد عهدنا له مالا فلم نجده أو عهدناه غير ذي دين فوجدنا عليه دينا ففيه قولان أحدهما أن يقال هذا يلزمهم في قول من أجاز إجازتهم ; لأنهم أجازوا ما يعرفون وما لا يعذرون بجهالتهم والآخر أن لهم أن يحلفوا ويردوا الآن هذا إنما يجوز من مال الميت ويقال لهم - إذا احلفوا - : أجيزوا منه ما كنتم ترونه يجاوز الثلث سدسا كان أو ربعا ، أو أقل ، أو أكثر .

التالي السابق


الخدمات العلمية